رغم أنني واحد من الذين يعتقدون أن جسر العبور الحقيقي لمصر يتمثل في إعطاء الأولوية لصياغة دستور جديد يحفظ لمصر ثوابتها ويلبي الطموحات المشروعة لكل أطياف المجتمع ويضع الدولة المصرية ضمن مصاف الدول المتحضرة بالاحتكام للديمقراطية وتأكيد سيادة القانون... رغم كل ذلك فإن هذا الاهتمام الشعبي الكاسح بفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة يصعب تجاهله أو التقليل منه, حيث مازالت الثقافة الشعبية تراهن علي الحاكم بأكثر من رهانها علي المرجعيات الدستورية والقانونية التي ينبغي أن تحكم سياساته, وهنا تكمن إشكالية الدستور والرئيس وهي إشكالية ليست مرتبطة فقط بالتوقيتات الزمنية, وإنما ترتبط أساسا بحجم الحوار الوطني الذي ينبغي أن يتسع لكل الآراء وكل الاتجاهات قبل البدء في صياغة الدستور. وإذا كانت صيغة التراضي بين الحكام والمحكومين تترسخ بقدرة الحكام علي تأمين احتياجات الناس وضمان أمن أوطانهم فإن خروج أحد الطرفين عن صيغة التراضي يؤدي إلي خروج الاستقرار وانتشار الفوضي, خصوصا عندما يزداد الإحساس عند المحكومين بأن مهمة الحكم قد تحولت عن هدف تأمين الوطن والمواطن إلي كتم الأنفاس ومصادرة الحريات من أجل تأمين الحاكم فقط, ومعني ذلك أن صيغة التراضي بين كل قوي وأطياف المجتمع تمثل شرطا أساسيا لضمان صياغة دستورية تغلق كل أبواب الاحتقان وتدعم جذور الوحدة الوطنية, وتستوجب من الحاكم حسن التصرف وصحة التقدير وتحقيق المشاركة في الحكم عن طريق المجالس النيابية والهيئات الاستشارية. والحقيقة أن الخطوة الأولي لتمكين رئيس الجمهورية من السير علي طريق النجاح تبدأ بصحة اليقين لدي الرأي العام بأنه رجل مقبول من شعبه موحيا بالثقة في سلامة مقاصده وأهدافه, وأن سابق أعماله في خدمة الوطن هي وحدها التي تتحدث عن حسناته ومميزاته التي تجعل منه مثلا أعلي وقدوة يحتذي بها في النزاهة والتجرد ومخاصمة التحزب لفئة أو التعصب لطائفة, حيث المصلحة العامة تجلس وحدها في مقعد متميز لا يشاركها فيه أحد ومن ثم لا يرتضي خداع النفس بصيحات النفاق الأجوف التي تصدر عن قلوب مرتعشة تجيد كل فنون الكذب والتملق والرياء! مصر تحتاج إلي رئيس يعرف قدرها وأيضا يعرف قدر نفسه وحدود مسئوليته في أنه يعبر بصدق عن صحة المقولة التاريخية خادم القوم سيدهم. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: من خالف الحزم خانته معاذره.. ومن أطاع هواه قل ناصره! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله