رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "مكافآت مقابل الإبلاغ أو القبض على الإرهابيين". كانت تلك هى الرسالة التى قفزت على شاشة تليفونى المحمول. لم يكن الخبر غريبا أو مستحدثا، ولكن نطاق توزيع المكافآت وتحديد "تسعيرة" للإرهابى فى مصر كانت هى الأمر الجديد. فقد أعلن أحد المحافظين عن مكافأت مجزية لأى مواطن داخل نطاق المحافظة يضبط متلبسا أى ارهابى يقوم بأية أعمال تخريبية قبل وقوعها أو يبلغ عن أجسام غريبه تثبت إيجابيتها أو الإبلاغ عن أية محاولة لتعطيل أو الاعتداء على المرافق قبل حدوثها. أما المكافأت التى تم رصدها فهى عبارة عن مبالغ مالية ضخمة أو وحدات سكنية تابعة للمحافظة أو وظيفة حكومية فى أى من المشروعات التابعة للمحافظة. وتم الإعلان عن قرار وزارة النقل بإصدار إشتراك مجانى لمدة عام لكل مواطن يبلغ عن أية عملية تخريبية قبل وقوعها أو أى أجسام غريبة تثبت إيجابيتها أو الإبلاغ عن أى محاولة لتعطيل أو الإعتداء على هذه المرافق قبل حدوثها، ويتم إبلاغ شرطة النقل والمواصلات وهيئة السكة الحديد ومترو الأنفاق. ولأن العمل الإرهابى غالبا ما تكون وراءه عصابة أو جماعة أو تنظيم يكون قد بلغ من القوة والتهور والإصرار على التدمير، فإن القائم بالإبلاغ عن مثل تلك الأعمال يكون فى حاجة لأن يحصل على قدر كاف من ضمانات الحماية له ولمن حوله من أفراد أسرته حتى يتم مهمته وهو مطمئن النفس إلى أن هناك من يحميه من غضبة الخارجين عن القانون. وقد دفع ذلك العديد من الدول إلى تقنين المكافآت المخصصة لمكافحة الإرهاب من خلال برامج رسمية متكاملة بداية من تحديد معايير حجم المكافأة التى ستمنح لمن يقوم بالإبلاغ ووصولا إلى معايير وضمانات توفير السرية والحماية للمُبَلِّغ وأسرته خلال المرحلة التالية على الإبلاغ. فبرنامج "المكافآت من أجل العدالة" أحد أهم الآليات التى تستخدمها حكومة الولاياتالمتحدة فى معركتها ضد الإرهاب الدولى حيث يجوز لوزير الخارجية أن يخصص مكافآت مقابل معلومات تؤدى إلى إلقاء القبض على أو إدانة كل من يخطط للقيام بأعمال إرهابية دولية أو يقوم بها، أو يحاول القيام بتلك الأعمال ضد أشخاص أمريكيين أو ممتلكات أمريكية، أومنع حدوث مثل تلك الأعمال، أو تؤدى إلى تحديد مكان أى زعيم إرهابى بارز، أو تعيق تمويل الإرهاب. والمكافأة الواحدة تقدر فى بعض الأحيان ب 25 مليون دولار مثل تلك التى تم رصدها لأيمن الظواهرى زعيم القاعدة الحالى، و10 مليون دولار لأبو بكر البغدادى زعيم تنظيم "داعش" الذى نصب نفسه خليفة! وكذلك الملا عمر زعيم طالبان، و7 ملايين دولار لأبو بكر شيكاو قائد بوكو حرام سابقا. وقد قسم الأمريكيون المكافآت إلى شرائح وفق مستوى أهمية الإرهابى المطلوب. وأعلنت السلطات الصينية عن مكافأة تصل قيمتها إلى 48 ألف دولار لمن يتقدم بمعلومات عن "هجمات إرهابية عنيفة". وفى السعودية رصدت وزارة الداخلية مكافأة لكل من يساهم فى مكافحة الإرهاب. وأطلقت حملة توعية من خلال توزيع كتيبات تشير إلى المبالغ المالية المرصودة لكل من يساهم فى حماية المواطنين والمقيمين من العمليات الإرهابية، وهى مليون ريال لكل من يدلى بمعلومات تؤدى إلى القبض على مطلوبين، و5 ملايين ريال لكل من يدلى معلومات تؤدى إلى القبض على مجموعة من المطلوبين، و7 ملايين ريال لكل من يدلى معلومات تؤدى إلى إحباط عمل إرهابى. ويبدو أن الإرهاب قد بدأ فى التحول من ظاهرة بغيضة إلى "صناعة مدمرة" تتجه إلى إستكمال أركانها. وبالتالى كان من المنطقى أن تتنامى جهود المكافحة لتظهر مكافآت ذات شرائح، و"تسعيرة" تغرى بالمشاركة فى المواجهة. أما القادم فسيكون ظهور "صائدى المكافآت" الذين ستغريهم "العروض" و"الأسعار" وتدفعهم إلى المخاطرة بمطاردة الإرهابيين المطلوبين طمعا فى الفوز بالمكافآت قبل المنافسين! وربما يأتى اليوم الذى تظهر فيه شركات متخصصة فى "صيد" الإرهابيين! دارت تلك الأفكار فى ذهنى، فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ