مازال الكتاب المطبوع يحتل مكانته في الثقافة العربية .هذا على الرغم من منافسة الكتاب الالكتروني و مختلف وسائل المعرفة ووسائطها الأخرى . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا على ضوء تحولات كبرى تشهدها المجتمعات العربية هو الى أي حد تغيرت خريطة نشر الكتاب في بلد كتونس بعد أربع سنوات من ثورتها ؟ .و للإجابة على هذا السؤال توجهنا الى اثنين من أهل هذه المهنة في تونس. الأول واحد من أهم الناشرين .والثاني مسئول في كبرى مكتبات بيع الكتب العامة بالبلاد. "النوري عبيد " مؤسس ومدير دار "محمد على الحامي" بصفاقس شغل لسنوات عدة مسئولية رئيس اتحاد الناشرين التونسيين و أيضا رئيس الاتحاد المغاربي للناشرين الذي يضم دول المغرب العربي . ويقول ل " الأهرام" أن عدد دور نشر الكتاب في تونس زادت بنحو 15 في المائة عما كانت عليه قبل ثورة 14 يناير 2011. وأوضح :" كانت نحو 120 دار نشر أصبحت نحو 140 ..لكن الدور الناشطة في نشر الكتاب ارتفع عددها من نحو 50 الى نحو 60.. والأهم ان عدد العناوين المطبوعة سنويا شهدت طفرة وبزيادة لاتقل عن 70 في المائة عن سنوات ما قبل الثورة .. فالآن متوسط ماتطبعه المطابع التونسية من كتب عامة في حدود 800عنوان في العام الواحد بعدما كان المتوسط السنوي يدور حول 500 عنوان فقط". تفسير هذه الطفرة يرجعه " عبيد " الى مناخ حرية التعبير والنشر الذي لم يكن متوافرا من قبل . فضلا عن اهتمام القراء بكتب التاريخ والسياسة . وهو في هذا السياق يقول :" انتعش نشر السير الذاتية للسياسيين ، واضاءت هذه الكتب مناطق ظلت مظلمة من تاريخ تونس ". ويضيف :" وعلاوة على هذا وذاك هناك رواج لعناوين الكتب الأدبية وبخاصة الرواية .. ولعل من أهم الأعمال الروائية التي صدرت في عام 2014 رواية للتونسي شكري مبخوت بعنوان ( الطلياني ) .وهي تروى على نحو نقدي جانب من تاريخ اليسار في زمن بورقيبة ثم بن على .. والرواية تتضمن نقدا ذاتيا يكشف عن آليات احتواء النظام لليساريين ". أكثر الكتب رواجا وفق خبرة رئيس اتحاد الناشرين السابق تلك التي تتعلق بتحليل ونقد الإسلام السياسي مثل كتاب " مرجعيات الإسلام السياسي " لعبد المجيد الشرفي و "الآخر والأخرون في القرآن" ليوسف الصديق .ويشير "عبيد "الى ان الكتب الدينية التراثية كانت قد شهدت رواجا نسبيا بعد الثورة مباشرة ،خصوصا ان أسعارها زهيدة ،ولأنها تلقي الدعم من دول خليجية تحرص على ترويج ثقافتها المحافظة في تونس .لكن سرعان ما انحسر رواج هذه الكتب لاحقا . مسألة القراءة بالعربية أو الفرنسية ما زالت مطروحة كإحدي اشكاليات نشر الكتاب في تونس . ومع ان "عبيد" يرى ان قراء اللغة العربية اصبحوا اكثر بكثير بين التونسيين وان عناوين الكتب الفرنسية لم تعد تتوافر إلا في ثلاث مكتبات في انحاء البلاد ، إلا ان المتردد على أهم مكتبات تونس " مكتبة الكتاب " بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة بامكانه أن يلاحظ بسهولة كيف يزاحم الكتاب الفرنسي نظيره العربي في واجهة المكتبة الزجاجية . ومكتبة الكتاب تعد بحق "ترمومترا " لسوق بيع الكتب الجديدة في البلاد .ويقول "عادل حاجي" مسئول المبيعات في هذه المكتبة ل" الأهرام" أنه يبيع أعداد عناوين متقاربة من الكتب العربية والفرنسية . وبالنسبة لأكثر الكتب مبيعا خلال العام الماضي فهي كما يوضح باللغة الفرنسية تلك التي تهتم بالسياسات الدولية و الوضع الاقتصادي العالمي ، فضلا عن روايات البرازيلي باولو كويلو . وبخاصة " الخميائي " و " الزانية ". أما بالنسبة لعناوين الكتب العربية فإن " حاجي " يحدد ثلاث مراحل زمنية بعد ثورة 14 يناير 2011 . في المرحلة الأولى والتالية مباشرة للثورة حدث رواج كبير لما يجرى نشره عن أحداث الثورة التونسية .وبعد نحو تسعة أشهر وإثر انتخابات المجلس التأسيسي في نهاية اكتوبر 2011 بدأ القراء يعزفون عن هذه الكتب ويتجهون الى تلك التي تؤصل للفكر السياسي وتناقش التراث وعلاقته بالراهن وعلى ضوء اشكالية الأصالة والمعاصرة . أما المرحلة الثالثة فقد جاءت مع نهاية حكم "الترويكا" بقيادة حزب النهضة الإسلامي بحلول نهاية عام 2013 .وهنا وفق تقدير " حاجي " اتجه جانب من القراء الى كتب سياسية صدرت في تقييم حكم "الترويكا" ، أما الجانب الآخر فلاذ بالرواية وبخاصة المترجمة. لكن وعلى ضوء متابعته عن كثب لحركة البيع في مكتبة " الكتاب " يقول "حاجي " إن أكثر الكتب مبيعا في العام الماضي ( 2014) هي كتاب " ديمقراطية إن شاء الله " لمختار الحلفاوي و " كيف زرع الفكر التكفيري" لأحمد خالد و " حركة النهضة بين الإخوان والتونسة " لآمال موسي وعبد القادر الزغل و "إبني سلفي جهادي " لسعاد بوصرصار . فضلا عن كتاب المدون الساخر توفيق بن بريك "كلب ابن كلب ". هذا بالنسبة للغة العربية .أما بالنسبة للعناوين الفرنسية فقد سجلت رواية كويلو " الزانية " وكتاب المؤرخة التونسية لطيفة الأخضر " كيف سيكون الغد؟" و الحبيب بو لاعراس " تاريخ تونس " و مصطفي كريم " الثورة المختطفة " أعلى المبيعات . وبالنسبة لبيع كتب المبدعين المصريين باللغة العربية فهناك قدر من الاقبال على روايات وكتب علاء الأسواني و جمال البنا ونوال السعداوي ويوسف زيدان . وفي الإجمال يؤكد " حاجي "على ان بيع الكتاب في تونس شهد رواجا خلال السنوات التالية للثورة عما كان عليه في السابق . كما يشدد على ان الكتاب اصبح لديهم جرأة في تناول الشأن السياسي من وجهات نظر نقدية . وهو أمر لم يكن قائما في زمن الرئيس المخلوع "بن على " بسبب الخوف والرقابة . ويوضح قائلا :" الآن أصبح لدينا ثقة ومصارحة بين الكاتب والقارئ لم نعهدها من قبل". "عبيد" يقول :" متوسط المطبوع من العنوان الواحد في تونس هذه الأيام هو ألف نسخة .لكن ثمة كتب جرى طباعتها مرارا في عام واحد .ويضرب مثلا على ذلك بكتاب (هل قرأنا القرآن؟) للمفكر يوسف الصديق المغترب في فرنسا حيث جرى طبع هذا الكتاب أربع طبعات متلاحقة" .