تقع سوق الكتب القديمة فى تونس العاصمة بشارع "الدباغين " بوسط المدينة . والشارع يضم أيضا حوانيت تبيع الأقمشة ومستلزمات الخياطة والحلوى الشعبية .وهى تزاحم مكتبات و فرشات على الأرصفة عامرة بالكتب باللغتين العربية والفرنسية . واللافت أن للكتاب المصرى وللمؤلفين المصريين حضورهم الطاغى فى هذا "البازار "الأكبر لبيع الكتاب القديم فى تونس . فمامن مكتبة او فرشة إلا وعليها مؤلفات مطبوعة فى القاهرة منذ عقود لأعمدة الثقافة والأدب العربى كمصطفى لطفى المنفلوطى و طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومصطفى محمود وغيرهم . وللمصادفة عثرنا على كتاب غير معروف فى مصر للمفكر والناقد "غالى شكري" تحت عنوان " الثقافة العربية فى تونس : الفكر والمجتمع".وهو مطبوع فى تونس عام 1986. وأبلغنا صاحب إحدى المكتبات بالشارع ويدعى " بوغانمى رابح " ( 58 سنة) أن سوق الكتب القديمة هذه يعود تاريخها الى مابعد الاستقلال مباشرة ( عام 1956) ..أى ان عمرها يقارب الستين عاما . وقال :" أكثر الكتب التى تحظى بإقبال المشترين هى تلك الثقافية والأدبية .وهى أفضل توزيعا من الكتب الدينية التى لها جمهورها .لكن الأقل". وأشار الى انه يشترى بدوره الكتب القديمة من الأهالى بالجملة ( وليس بالوزن الكيلو) . ويعتبر ان أكثر الكتب التى قام ببيعها على مدى عمله بالسوق لأكثر من عشرين عاما هى مؤلفات طه حسين و نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم و جورجى زيدان القادمة من مصر ، فضلا عن كتب تتناول تاريخ تونس. وبالفعل عثرنا عند " رابح" على مجموعات من سلاسل كتب وروايات "الهلال" القديمة تعود الى مطلع عقد الخمسينيات.كما عثرنا بوفرة على مطبوعات دار المعارف المصرية . لكن الرجل أبلغنا أيضا بأسف أن أغلب الزبائن الآن هم من كبار السن وليسوا من الشباب. وقال :" قبل الثورة كان البيع هنا أكثر . وربما هذا بسبب أن السياسة شغلت التونسيين . ولم يعودوا يقرأون بنفس النهم ". وسألته عن الكتب الممنوعة زمن الديكتاتور "بن على" فأجاب:" نعم كانت هناك كتب ممنوعة عديدة أغلبها لمعارضين تونسيين . وكنت أبيع بعضها سرا .لكن الآن لم يعد هناك فى تونس كتاب ممنوع .إلا الكتب الجنسية فإننى لاأبيعها لأننى اعتبرها غير اخلاقية ". وأثناء تصفحه الكتب القديمة ،تحدثنا الى "بدر الدين العبيدى "الموظف على المعاش (66 سنة ) فأبلغنا بأنه يتردد على هذا السوق منذ عقد الستينيات . ولم يتغير شىء يذكر باستثناء اختفاء عدد من المكتبات .وأكد قائلا :" اصبح عدد المكتبات والفرشات أقل ..والكتب العربية زادت على الفرنسية هنا نتيجة لسياسة التعريب منذ حكومة محمد مزالى فى الثمانينيات.. لكن بالقطع مازال يمكنك ان تجد كتبا قديمة قادمة من فرنسا وسويسرا يجلبها تجار ". واضاف " العبيدي" :" حصلت على مجموعات من مجلات الهلال وآخر ساعة اشتريتها من هذه السوق. وبعضها يعود الى مطلع القرن العشرين .وهى بالنسبة لى ثروة لاأفرط فيها ". البائع الشاب " رمزى طرخان " ( 32 سنة) قال انه بدأ العمل فى هذه السوق منذ نحو 12 عاما بعدما أخذ المهنة والمكان عن محام هاو لتجارة الكتب القديمة وكان يأتى ببضاعته من فرنسا والمغرب. وأضاف :" تصلنا كتب قديمة حتى الآن من فرنسا والمغرب وسوريا أيضا ". ولما سألناه عن اكثر الكتب مبيعا عنده قال :" العنوان يبيع نفسه . لكن أكثر العناوين المباعة بالنسبة لى هى كتب الفنون الجميلة المطبوعة فى فرنسا ". وبخصوص الكتب المصرية الأكثر مبيعا قال :" الكتب الدينية بمخلتف أنواعها وبخاصة كتب مصطفى محمود .فضلا عن روايات نجيب محفوظ " .وفسر انخفا ض مبيعات الكتب القديمة الآن و بعد الثورة التونسية بارتفاع تكاليف المعيشة أكد أيضا :" معظم المترددين على هذه السوق من كبار السن ".