المؤكد أن جهابذة صياغة القوانين يحتاجون الآن إلى اجتماع فوري وعاجل لمعالجة تلك المسافة الشاسعة بين سطور القوانين وبين فكرة العدالة فبعد ثورتين كبيرتين احتشدت فيهما إرادة المصريين ، وسقط فيهما شهداء أبرار ، وخرج الجيش من ثكناته ليمارس المهمة الأولى المكلف بأدائها ألا وهي إرادة المجموع العام الذي يحيا على هذه الخريطة ، فساند الثورة الأولى التي أجبرت نظاما سياسيا على أن يحمل أوزار أفعاله ويرحل عن حكم المصريين ، ووقف أقطابه ورموزه داخل أقفاص المحاكمات ، ليفاجأ القضاة الموكول إليهم تطبيق العدالة بأن القوانين الموجودة بين أيديهم هي قوانين عاجزة عن تطبيق العدالة التي خرجت الجموع تطالب بها . وحدث ما لم يكن في الحسبان ؛ فقد بدأت المحاكمات التي وصفت بأنها محاكمات القرن ، أثناء تولي جماعة المتأسلمين الذين أوكلت إليهم الولاياتالمتحدة مهمة تسهيل احتلال مصر بأقل التكاليف ، وحل معضلة الشرق الأوسط ألا وهي القضية الفلسطينية بالتنازل عن جزء من أرض سينا لتقام عليها دويلة تحمل اسم فلسطين . ولمن نسي أو تناسى محاكمة قضية الهروب من سجن وادي النطرون؛ وعليه أن يتذكر بأن تلك المحاكمة خرجت بنتيجة واضحة ألا وهي اشتراك حماس وحزب الله في تلك القضية ، وأن مرسي حين تولى حكم مصر بالخديعة وعصر الليمون على النفس ، لتأتي على يديه من بعد ذلك لجنة وضع دستور ، لن ينسى أحد ممن تابعوا اجتماعاتها ، أن واحدا من أهم أعضائها هو د.عمرو دراج، وأن الرجل حاول تمرير نص دستوري يتيح لمحمد مرسي الحق في التنازل عن جزء من ارض الوطن ، وكان أول تنازل مارسه مرسي المعزول هو تصريحه بأنه لا يهتم بتبعية شلاتين وحلايب لمصر ، وكان التنازل الذي لم تعلن عنه جماعة المتأسلمين لكنها رضيت به في الغرف المغلقة ، مقابل أن تضمن لهم الولاياتالمتحدة وإسرائيل _ بطبيعة الحال _ حكم مصر لمدة خمسمائة عام !! فضلا عن مبلغ نقدي هو ثمانية مليارات دولار قيل إن لجان الكونجرس ناقشت اوباما في تفاصيله . وطبعا سقط حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو حين خرج المصريون من جديد ليساندهم الجيش للمرة الثانية ويتم عزل المتأسلمين. وطبعا كان عمرو دراج من أوائل الهاربين من مصر ليحمل قضية الدفاع عن الإخوان بجولات في أوروبا والولاياتالمتحدة . وهكذا قامت ثورتان ، ساندتهما القوات المسلحة، ولكن القوانين التي تمت بها محاكمة زمان مبارك وزمان التأسلم السياسي لم تسعف القضاء كي يصدر أحكاما تشفي صدور الذين تم نهب مستقبلهم بفساد عصر مبارك أو بتزييف حكم المتأسلمين ، لنفاجأ بأن المسئول الأساسي عن تدهور أحوال هذا الوطن عبر لجنة السياسات وتزوير انتخابات عام 2010 يخرج علينا بقرار ترشحه للبرلمان من أجل «التنمية والاقتصاد» . ولا أعرف كيف نرتضي بأحكام صدرت بقوانين عاجزة عن محاسبة من أراد صياغة المستقبل على ضوء إيمانه بأن «جمال مبارك مفجر ثورة المستقبل» على حد كلماته بالصوت والصورة ، فكأن كلا من أحمد عز وعمرو دراج قد اجتمعا على حقيقة واحدة، ألا وهي عجز المصريين عن الإحتفاظ برؤوسهم على أكتافهم ، وأن « لعبة صناديق الانتخابات» ستتيح لكل منهما العودة لإدارة كيفية تدهور المستقبل ، فمن يملك المال ، يمكنه ببساطة أن ينتشي إما بفكرة أن التنمية هي كعكة ينتجها عباقرة إدارة الثروات كي تتضخم في أيدي قلة من المجتمع ، ثم يتساقط عسل الكعكة على بقية فئات المجتمع ، وطبعا دخلت مصر تلك التجربة التي شهدت أعلى عملية نهب لرحيق سنوات أجيال ثورة يوليو فيما سمي بالقطاع العام ، ليأتي عثمان أحمد عثمان جالسا بجانب السادات فيقوم بفك تلك الثروة ولتتساقط المصانع في أيدي قلة عبر قوانين تمت صياغتها عبر أربعين عاما ، وليظهر أحمد عز أخيرا كواحد من أباطرة صناعة الثروة ، ويمكن للواء فاروق المقرحي أن يروي لنا قصة العمل في تجارة العملة التي أدارتها أسرة أحمد عز ، ويمكن لنا أن نتابع فصول إنتقال ملكية حديد الدخيلة من القطاع العام إلى الملكية الخاصة لأحمد عز . تماما كما يمكننا رؤية مشهده عبر لجنة السياسات ومشاهد التنظيم الحديدي الذي ربط به أرجاء مصر عبر الثروة ليحقق مقولته إن جمال مبارك هو مفجر الثورة . وقد صدق أحمد عز حين قال ذلك فقد تفجرت الثورة لتقذف بجمال مبارك وعائلته خلف القضبان. وإن كان جمال وشقيقه قد خرجا من خلف القضبان فذلك بحكم القوانين التي صاغها عصر النهب العلني لمصر المحروسة ، تماما كما خرج بها أحمد عز من قضاياه التي يفخر ببراءته فيها , ولعل حرق مقر الحزب الوطني هو رؤية لنتيجة حكم أحمد عز لمصر المحروسة . وإذا ربطنا ذلك بمحاولة تمرير عمرو دراج لنص دستوري كان المفترض أن يتيح لمحمد مرسي المعزول أن يتنازل عن جزء من سيناء ، فوجه التطابق بين المسألتين أن مصر ليست لأبنائها بل لمن يملكون تحريك الثروة كي تشتري الواقع والمستقبل ، أما تدهور التعليم وغياب الرعاية الصحية وفساد المناخ السياسي فليست تلك مسائل يتهم بها أي من عمرو دراج أو أحمد عز ، فالوطن عند الفئة التي ينتمي إليها أحمد عز والتي اشترت القطاع العام أو التهمت ثرواته ، هي فئة يملك أغلب أعضائها جنسيات دول أخرى بجانب الجنسية المصرية ، وقد تبدأ تلك الفئة من رجل الأعمال سياج الذي شاء أن يشتري أرض طابا المحررة ، وعند إلغاء البيع رفع علي عموم المصريين قضية تحكيم دفعنا فيها ملايين الدولارات ، وتمر تلك الفئة بعديد ممن باع لهم عاطف عبيد رئيس وزراء مبارك العديد من درر اقتصاد مصر . ويكفي أن ننظر إلى خريطة ما تم بيعه من القطاع العام الذي ساند مصر في تأسيس جيشها المقاتل الذي دحر إسرائيل عام 1973 ، ولو أن أجهزة الرصد لرحلة تهريب الثروة خارج حدود الوطن قامت بنشر ماتم نهبه بأبخس وأخبث الأثمان ، لشاهدنا العجب . سنشاهد ملامح من قاموا ببيع شركاتهم التي نهبوها من القطاع العام لشركات أجنبية مماثلة ، وكأننا كنا نؤسس شركاتنا بمدخراتنا كي يقوم عاطف عبيد ببيعها برخص التراب ، وليبيعها المشتري من بعد ذلك للأجانب ّ!! » ولعلي لا أزايد على أحد حين أقول إنه من افتقاد البصيرة أن نسمح لتلك الفئة بأن تعود للسيطرة على عجلة الإنتاج في المحروسة بحكم القوانين التي صدرت عبر أربعين عاما من النهب العام، فإذا كانت شركات عز تملأ الدنيا بإعلانات أن العاملين فيها هم عشرة آلاف منتج ، فماذا عن إعادة شركة الدخيلة لتكون قطاعا عاما من جديد ؟ كم يكلف ذلك عموم المصريين ؟ وإذا كان ذكاء احمد عز قد أتاح له شراء أصوات الدائرة التي ينوي الترشح فيها ، فلعلنا لا ننسى أن القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي رصد إبان عمله بالمؤسسة التي تعرف حدود الوطن ومهمة الحفاظ على ثرواته ، وهو من تنبأ بأن الثورة ستقوم في مصر ضد ما يمثله التوريث وكان هو القفاز الذي ارتداه أحمد عز ليدير أحوال المحروسة منذ أن دخل ساحة العمل العام 2002 . ولا أظن أن القائد الأعلى للقوات المسلحة سيترك أمر إهدار المستقبل المصري بين مطرقة مايمثله أحمد عز أو سندان ما يمثله المتأسلمون عبر الهارب عمرو دراج. إما على يد فئة أحمد عز أو تأسلم عمرو دراج ، فدعوني أستغيث بخبرة إثنين من علماء النفس ، هما العالم أحمد عكاشة والعالم قدري حفني ليقوما بالكشف الطبي على القدرات العقلية لفئة أحمد عز وفئة عمرو دراج ، وليجيب كلاهما على سؤال أساسي مفترض أن تحمله الصحة النفسية لكل من الفئتين السؤال هو » هل يصلح أي من أبناء الفئتين لصياغة مستقبل وطن إسمه مصر ، ويعيش عليه تسعون مليون إنسان خرج منهم ثلاثون مليونا في موجات ثورية مرة عام 2011 ، وأخرى عام 2013 لإسقاط حكام ينتمون إلى الفئتين التي ترهل مستقبل الوطن بما فعلوه ؟ وإذا كانت القوانين عاجزة عن إقامة » العدالة » فلعل الطب النفساني وعلم النفس قادران على تحقيق جزء من ضمير العدالة بألا يشترك أبناء الفئتين في صياغة المستقبل المصري . لمزيد من مقالات منير عامر