فى علوم السياسة يشكل التاريخ ركيزة أساسية فى العلاقات ما بين الدول، وعلى قدر ثراء صفحات التاريخ تكون متانة العلاقات ودوامها. وفى الحالة المصرية الروسية والسوفيتية سابقاً كتب تاريخ العلاقات بين القاهرة وموسكو صفحات لا يمكن تجاهلها أو تجاهل المحطات التى مرت بها، خاصة وأنها تمر بمرحلة تتطلع فيها الدولتان إلى تحقيق أفضل المنافع المتبادلة خاصة وأنها قفزت إلى مرحلة الشراكة الإستراتيجية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان. كانت روسيا المصدر الرئيسى لتسليح الجيش المصرى ودعمه بالخبراء خلال حرب الاستنزاف حين زودته بصواريخ سام 3 لاصطياد الطيران ذى الارتفاع المنخفض وإقامة حائط الصواريخ الذى كان نواة لسلاح الدفاع الجوى المتطور الذى كان له أكبر الأثر مع باقى الأسلحة فى تحرير أرض سيناء خلال حرب أكتوبر المجيدة. أيضا تم إنشاء الجامعة المصرية الروسية عام 2006 بقرار من رئيسى مصر وروسيا ، وافتتحت روسيا قناتها روسيا اليوم فى عام 2007 كقناة فضائية ناطقة بالعربية بغرض التواصل مع العالمين العربى والإسلامى. ويعد المركز الثقافى الروسى فى مصر بنشاطاته المتعددة احد عوامل التقارب بين الشعبين بما يقدمه من نشاطات وترجمات لكبار الأدباء الروس أمثال: جوركى تشيكوف ديستوفسكى وتولستوى. وعلى الجانب الاقتصادى هناك خبرة إيجابية للتعاون بين البلدين حيث تعتبر روسيا شريكا اقتصاديا هاما لمصر فمصر مفتاح عبور روسيا إلى القارة الأفريقية ومنظماتها الاقتصادية على غرار الكوميسا، ومصر أيضا سوق كبيرة لمنتجات روسيا يأتى على رأسها القمح بوصف مصر أكبر مستورد للقمح الروسى وكذلك الآلات والسيارات والأخشاب والحديد والصلب والفحم كما تعد روسيا سوقا مهمة للصادرات المصرية والسلع المعمرة مثل الأثاث والمنتجات الجلدية والرخام والسيراميك والعطور رغم أن السلع المصرية تلقى منافسة شديدة من المنتجات الصينية والكورية. وعلى هذا فإن حجم التبادل التجارى البالغ 3.5 مليار دولار نصيب مصر فيها 332 مليون دولار فقط لا يرق بالطبع إلى مستوى العلاقات بين الدولتين. ويبلغ حجم الاستثمارات الروسية بمصر 65 مليون دولار مقابل 13 مليون دولار استثمارات مصرية. حيث تأتى روسيا فى المرتبة 46 من بين الدول المستثمرة فى مصر مما يجعل المؤتمر الاقتصادى فرصة هائلة للصعود بهذا الرقم. ووقعت مصر فى عام 2007 اتفاقا يقضى بإنشاء منطقة صناعية متخصصة فى الصناعات المغذية للسيارات والطائرات ووحدات تحلية المياه على مساحة مليون متر مربع وباستثمارات تصل 2 مليار دولار بمنطقة برج العرب، فضلا أنه وبعد البدء فى مشروع قناة السويس الجديدة فسوف تقوم روسيا بإنشاء منطقة استثمارية روسية بمنطقة القناة. وعلى الصعيد السياسى فقد مثلت ثورتا 25 يناير و 30 يونيو ترجمة حقيقية لإحداث تغيرات جوهرية فى السياسة الخارجية المصرية وتدشين مرحلة يتم خلالها توظيف ما لدى مصر من تاريخ دبلوماسى عريق فى الانطلاق برؤية تتفق مصلحة الوطن وتحمى الأمن القومى المصرى وذلك فى إطار منظور جديد فى العلاقات الدولية متعددة القوى وهذا لا يعنى بالطبع التخلى عن دوائر الحركة والعلاقات الدبلوماسية الخارجية المتعددة مع قوى أخرى فمصر تدعم علاقاتها بالقوى الآسيوية والإفريقية والأوروبية ، وروسيا ليست كما يتصور البعض بديلا عن قوى أخرى ، فالبرجماتية أى لغة المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة هى لغة السياسة فى العصر الراهن. كما أن روسيا ليست الاتحاد السوفيتى، رغم أنه على مدى العقود الست السابقة كان الاتحاد السوفيتى ثم الاتحاد الروسى شريكا هاما لمصر ولا يزال حيث مثلت زيارة الرئيس الروسى لمصر فى ابريل 2005 منعطفا هاما فى إقامة علاقات بشكل جديد ومتطور وعكست عودة الدور الروسى للمنطقة حين قام بوتين خلالها بزيارة جامعة الدول العربية، وأكدت زيارة ديمترى ميدفيديف رئيس روسيا فى عام 2009 أيضا ذلك المفهوم وتلت هذه التحركات زيارات من الجانبين كان أهمها زيارة الرئيس السيسى لموسكو حين كان وزيراً للدفاع فى عام 2013 تلتها زيارته مؤخراً التى جرت فى منتجع سوتشى بروسيا. مصر شريك هام لروسيا وهى بارومتر الاستقرار ومفتاح الأمان فى المنطقة وروسيا لها مصالحها أيضاً ولم تعد هناك قوتان عظميتان متصارعتان أيدولوجيا ما بين فكر رأسمالى وآخر شمولى اشتراكى فالعلاقات بين الدول تحكمها المصالح روسيا ذات ال 17 مليون كم2 مساحة والتى تفوق بها أوروبا كلها البالغة 10.5 مليون كم2 وكندا 10ملايين كم2 والصين 9.5 والولايات المتحدة 9.4 مليون كم2 والبالغ تعدادها 146 مليون نسمة يزور 3 ملايين منها مصر فى العامين الأخيرين بسبب الظروف الراهنة روسيا رغم أنها ثانى منتج للنفط والبالغ احتياطياتها بالبنك المركزى 378 مليار دولار (بسبب هبوط أسعار النفط) ويبلغ نصيب الفرد فيها من إجمالى الناتج القومى المحلى 14 ألف دولار سنويا والتى تجاوز اقتصادها أزمته الكبرى التى أودت به إلى حد الإفلاس عام 1998 - عادت على يد بوتين لتتبوأ ما يليق بها من مكانة ولتعيد الهيبة الروسية إلى ما كانت عليه حتى أصبحت لاعباً دولياً لا يستهان به ترغب وبصدق فى المزيد من التعاون مع مصر بكل ما تملكه من ذخائر التاريخ وآمال المستقبل لأن مصر كانت ومازالت تمتلك مفاتيح الاستقرار ليس بالمنطقة فحسب بل فى العالم بأسره لأنها تحارب نيابة عن العالم بأسره الإرهاب الذى يتهدده. رئيس مكتب إعلام سفارة مصر بموسكو (2000-2004) لمزيد من مقالات المستشار/ مجدى ضيف