ليست الزيارة الأولى لوزير صناعة مصرى إلى روسيا، فالبلد الذى يصل حجم التبادل التجارى سنويا معه إلى نحو 3 مليارات دولار، كان دائما مقصدا لوزراء مصريين يبحثون عن التعاون مع قاعدة صناعية وزراعية كبرى بحجم روسيا. ورأى مسئولون حكوميون مشاركون فى الزيارة الحالية لوزير التجارة والصناعة، منير فخرى عبدالنور إلى روسيا، أنها قد تسفر عن نتائج أكبر من الزيارات المعتادة فى السابق؛ لأن التطورات السياسة الدولية تدفع النظام الروسى للاقتراب من مصر تعويضا عن فتور علاقته بأوروبا وأمريكا. كان عبدالنور، وجه الدعوة للحكومة الروسية في زيارة سابقة؛ لبحث إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين البلدين، وهى الدعوة التى لم تتوقع الحكومة المصرية الرد عليها من الجانب الروسى قبل عام فى أحسن الأحوال، ولكن بعد أربعة أشهر أبلغهم الجانب الروسى استعداده لبدء التفاوض خلال أسبوعين. كانت تلك أحد الأمثلة التى ساقها مسئول مصرى مشارك فى الزيارة الحالية لروسيا أراد أن يدلل بها على رغبة النظام الروسى فى الإسراع بتعميق العلاقات الاقتصادية مع مصر. وقال مسئول حكومي طلب عدم ذكر اسمه في تصريحات ل«الشروق»، في عددها الصادر اليوم الاثنين، إن "كل من البلدين فى الوقت الحالى له مصلحة حقيقية فى كسب شراكة الآخر.. مصر تبحث عن دعم ومساندة روسيا فى المرحلة الانتقالية الحالية، فى ظل عدم وضوح موقف الدول الأوروبية، والولايات المتحدة من التحولات التى تلت 30 يونيو، وروسيا تبحث عن استعادة دورها فى الشرق الأوسط من خلال مصر، خاصة بعد قيام الاتحاد الأوروبى وأمريكا بفرض عقوبات عليها بسبب صراعها مع أوكرانيا". من جانبه، أضاف وزير الصناعة فخري عبدالنور، في تصريحات ل«الشروق»، أن "العقوبات الأوروبية الأمريكية على روسيا قد تكون مفتاح المصالح المصرية مع موسكو خلال الفترة المقبلة، فالرد الروسى على تلك العقوبات كان بحظر الواردات غذائية منهما، وهو ما يدفع روسيا للاعتماد على مصر بشكل أكبر.. ونقوم حاليا بالتفاوض مع المسئولين فى الحكومة الروسية من أجل تسهيل إجراءات دخول المنتجات المصرية إلى السوق كمنتجات الألبان واللحوم.. ونلمس وجود مرونة فى المفاوضات". ويفتتح الوزير اليوم الجناح المصرى المشارك في فعاليات معرض موسكو الدولى للأغذية، والذى يضم 64 شركة مصرية، ضمن المساعي لاستغلال فرص التصدير التى يتيحها الحظر الروسى على الواردات الأمريكية والأوروبية. وأظهر عبدالنور خلال اليوم الأول لزيارته لروسيا اهتمامه بتوفير التسهيلات اللوجيستية التى تساعد الصادرات المصرية على التوسع فى السوق الروسية، فخلال زيارته لأحد المراكز التجارية لبيع منتجات السجاد المصرى بموسكو والذى أنشئ فى روسيا منذ 25 عاما، ويتكون من 5 طوابق ويمتد على مساحة هائلة تتجاوز ال2000 متر مربع، طرح عبدالنور فكرة استغلال هذا المركز فى تخزين السلع المصرية لضمان توافر تلك المنتجات فى السوق الروسية، وضمان جودتها وسلامتها، وكلف المكتب التجارى بموسكو بدراسة التوسع فى إنشاء مثل هذه المراكز التجارية لتخزين وعرض المنتجات المصرية. وأشار محمد الجبالى، رئيس مجلس إدارة المركز التجارى (كليوباترا) بموسكو، إلى أنه "طول فترة شحن البضائع من مصر إلى روسيا وعدم اعتماد البنوك المصرية لخطابات الضمان من البنوك الأوروبية إلا بعد تعزيزها من بنوك أجنبية، عوائق تقف امام التوسع فى السوق الروسى". وتابع: "من الضرورى إنشاء فروع للبنوك المصرية الكبرى داخل روسيا لتأمين التحويلات المباشرة للشركات المصرية واعتماد خطابات الضمان دون المرور على البنوك الأجنبية". ومن المقرر أن يتجه وزير البترول، شريف إسماعيل، خلال الأسبوع الجارى إلى روسيا، لاجراء مفاوضات تتعلق بالاستثمارات وتبادل الخبرات فى ملفى الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة. تاريخ العلاقات المصرية الروسية بدأ التعاون الاقتصادى المصرى الروسى فى أغسطس عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتى. وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كانت أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 حين قدم الاتحاد السوفيتى لمصر المساعدة فى تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالى، إلى جانب مساهمة الخبرة السوفيتية فى مصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى ومد الخطوط الكهربائية (أسوانالإسكندرية). وتم فى مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتى، وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينات بأسلحة سوفيتية. تدهورت العلاقات المصرية الروسية فى عهد الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، بعد قيام الرئيس بطرد الخبراء الروس من مصر، وانقطعت تماما حتى سبتمبر 1981، ثم بدأت فى التحسن التدريجى فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وكانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991. بلغ حجم الصادرات المصرية إلى روسيا 441,3 مليون دولار خلال عام 2013، بينما بلغ حجم الواردات المصرية من روسيا خلال نفس العام 2.5 مليار دولار.