الحكومة شمرت عن ساعديها وأعلنت أنها قد عقدت النية على إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام، وإحياء المصانع كى تعمل بطاقتها الكاملة فضلا عن تحديثها وتطويرها. ومصداقا لكلامها أعلنت الحكومة أنها سبق أن قامت بالفعل بطرح مناقصة عالمية على بيوت الخبرة المتخصصة فى صناعة الحديد والصلب، وتم اختيار شركة تاتا ستيل الإنجليزية التى أعدت دراسة تفصيلية لإعادة هيكلة شركة حلوان للحديد والصلب تم تقديمها لوزير الاستثمار فى أغسطس 2014. أولا لابد من التذكير بأنه عندما نتحدث عن صناعة الحديد والصلب فإننا نتحدث عن الصناعة الثقيلة أساس إنتاج الآلات وقطع الغيار و خطوط السكك الحديدية و القطارات والسيارات والكبارى وحديد تسليح المبانى والإنشاءات. كما أنه لا بد من التذكير بأن إعادة هيكلة شركة حلوان للحديد والصلب على وجه التحديد يعنى وقف نزيف نحو 28% من خسائر قطاع الأعمال العام، ويعنى الإفادة بكامل طاقات وخبرات نحو 12 ألف عامل واستقرار دخولهم ومستوى معيشة أسرهم، كما أنه يعنى توفير منافس قوى يحقق التوازن فى سوق حديد التسليح الذى تسيطر عليه مجموعة من الاحتكارات تبيع لنا إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية وترفع علينا تكلفة البناء والتشييد وأسعار المساكن وإيجاراتها. تقرير الشركة الإنجليزية قدم خطة إنقاذ عاجلة لشركة حلوان للحديد والصلب كى تعمل بطاقتها الكاملة، كما قدم مجموعة من خيارات التطوير المستقبلية لأعمال ونشاط الشركة. خطة الإنقاذ العاجلة تتضمن ثلاثة محاور رئيسية يتمثل أولها فى تطوير نظم الصيانة بالشركة وإحلال المعدات منتهية الصلاحية بأخرى حديثة. ويتمثل المحور الثانى فى إصلاح وصيانة خطوط السكك الحديدية الخاصة بنقل المعدن السائل من الأفران الصب، أما المحور الثالث فيتمثل فى تطوير وتنمية الموارد البشرية للشركة. أى أن خطة الإنقاذ العاجلة تنصب على كل من الآلات والمعدات المتهالكة التى توقفت أعمال صيانتها وإحلالها لسنوات طويلة، والبشر القائمين على الإنتاج الذين تم التفريط فى عدد ليس بالهين من كوادرهم وخبراتهم المهنية من خلال المعاش المبكر وعبر سياسات إعداد الشركة للبيع والخصخصة. حدد تقرير تاتا ستيل تكلفة إنقاذ حلوان للحديد والصلب بنحو 367.4 مليون دولار. هل تتصورون؟ كل المطلوب لإحياء قلعة الصناعة الثقيلة فى مصر وعودتها للعمل بكامل طاقتها هو 3 مليار جنيه مصري. بكل صدق لم أكن أتخيل أن “الحدوتة كلها” 3 مليار جنيه. الأحاديث المطولة عن معضلة إحياء قطاع الأعمال العام وما ذا نفعل ومن أين نأتى بالتمويل جعلنا نتصور أننا بصدد مهمة تتجاوز قدرات البشر! الشعب الذى جمع أربعة وستين مليار جنيه فى بضعة أيام لتنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، قادر على جمع ثلاثة مليارات جنيه لإنقاذ حلوان للحديد والصلب. ولكن فى المقابل.. هل ستنفذ الحكومة “حصتها” فى خطة الإنقاذ؟ إن أول شرط وضعه تقرير تاتا ستيل للبدء فى خطة الإنقاذ هو توفير فحم الكوك اللازم لتشغيل حلوان للحديد والصلب بالكميات والجودة اللازمة. كميات الفحم الذى تحصل عليه الشركة حاليا لا يكفى إلا لتشغيل فرن واحد من أفرانها العالية الأربعة، وبأقل من نصف الطاقة الكاملة لذلك الفرن. إجمالى ما يتم إنتاجه فى حلوان للحديد والصلب حاليا لايتجاوز 300 ألف طن، فى حين أن الطاقة الكاملة للشركة 1.2 مليون طن. المعضلة فى الواقع ليست ثلاثة مليارات جنيه، فالشعب قادر على جمعها وتوفيرها. المعضلة هى القيادات الإدارية التى تصر على ألا تقوم لشركة حلوان للحديد والصلب قائمة. هل تصدقون أن شركة الكوك، التى أنشئت أصلا لتزويد حلوان للحديد والصلب باحتياجاتها من الفحم، تمتنع عن تزويدها بكميات الفحم اللازمة لتشغيلها، وأن ذلك يتم بعلم قيادات الشركة القابضة للصناعات المعدنية التى تشرف على كلا الشركتين، وموثق من جانب الجهاز المركزى للمحاسبات فى اجتماعات الجمعية العمومية لشركة حلوان للحديد والصلب؟ هل تصدقون أن شركة الكوك تعلن على موقعها الإلكترونى أن حجم انتاجها السنوى يزيد على 5.1 مليون طن، أى ما يقرب من خمسة أضعاف الكميات اللازمة لتشغيل حلوان للحديد والصلب بطاقتها الكاملة؟ هل تصدقون أن اللجنة التى أوكل إليها مهمة دراسة تقرير تاتا ستيل تضم نفس الأشخاص الذين سبق أن تولوا خصخصة وبيع شركات القطاع العام، والذين تم فى عهدهم بيع شركات حكم القضاء بفساد عقود خصخصتها وقضى بإعادتها للدولة؟ هل تصدقون أن اللجنة العليا التى شكلها وزير الاستثمار لمتابعة إعادة هيكلة قطاع الأعمال العام تضم نفس رؤساء الشركات القابضة ؟ كيف لعقلية تربت على استهداف التصفية، وعلى قياس الإنجاز بمعدلات التخسير وعدد صفقات البيع، أن تدير الإصلاح والترميم والتطوير؟ هل تصدقون أنه للمرة الأولى سيكون هناك تقارير متابعة شهرية ومعدلات أداء قياسية للشركات العامة؟ وكيف كانت تلك القيادات “تشرف” إذن طوال السنوات السابقة؟ هل تصدقون أن لجنة إعادة هيكلة القطاع العام تضم فى عضويتها “خبراء من القطاع الخاص”. هل تتوقع الحكومة مثلا أن يسارع رجال الأعمال لإحياء شركات القطاع العام؟ لحساب من إذن تم كف شركة حلوان للحديد والصلب عن إنتاج حديد التسليح؟ لحساب من تم إيقاف إنتاج شركة مصر للألبان؟ إذا كانت الحكومة جادة فى إعادة هيكلة القطاع العام فنقطة البدء هى تغيير القيادات، والقضاء على تنازع المصالح. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى