أبرزها خفض سعر الفائدة.. متحدث الحكومة: انخفاض معدل التضخم يمهد لنتائج إيجابية على الاقتصاد    حملة مكبرة لإزالة مخالفات البناء في مدينة دمياط الجديدة    شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على شقة سكنية وسط رفح    إصابة فلسطينيين برصاص الاحتلال في الضفة الغربية    بدون تريزيجيه| طرابزون سبور يفوز على باشاك شهير بالدوري التركي    رحلة من العطاء.. بريميرليج يودع محمد النني (فيديو)    نوران جوهر بطلة العالم للإسكواش للمرة الأولى في تاريخها    منتخب مصر للساق الواحدة يتعادل مع نيجيريا في افتتاح بطولة أمم إفريقيا    فيديو.. الأرصاد: الموجة شديدة الحرارة مستمرة حتى نهاية الأسبوع    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالوادي الجديد    عمرو دوارة: فتحية العسال ابنة الحارة الشعبية وصاحبة الأعمال الإنسانية    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    أسعار سيارات شانجان 2024 في مصر.. الأسعار والمواصفات والمزايا (التفاصيل كاملة)    " كاد ماسترز" تستعرض تفعيل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياءفي التشييد والبناء    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    صدمة جديدة ل تشواميني بسبب إصابته مع ريال مدريد    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    حزب «الجيل الديمقراطي»: مصر سخرت كل جهودها لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني    تعديل مواعيد مترو الأنفاق.. بسبب مباراة الزمالك ونهضة بركان    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني خلال 24 ساعة 1725 جنديا    بينى جانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف إذا لم يلب نتنياهو التوقعات    أشرف زكي ومنير مكرم في عزاء زوجة أحمد عدوية    الأورومتوسطي: وفاة عشرات الجرحى والمرضى جراء إغلاق إسرائيل معبر رفح    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    رئيس «الرقابة الصحية»: التمريض المصري يتميز بالكفاءة والتفاني في العمل    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    في عيد ميلاد الزعيم.. المكلف باغتيال عادل إمام يروي كواليس مخطط الجماعة الإرهابية    التليفزيون هذا المساء.. إلهام شاهين: عادل إمام حالة خاصة وله فضل فى وجودي الفني    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد مشروعات العلمين الجديدة    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    الدواء المصرى الأقل سعرا عالميا والأكثر تطبيقا لمعايير التصنيع الجيد    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى حب بهاء طاهر
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 02 - 2015

لا بأس فى أن يتأخر هذا المقال عن مناسبته عدة أيام، فعيد الميلاد الثمانين فى عمر مبدع كبير - هو بهاء طاهر - لا يشغل مجرد يوم أو شهر، وإنما هو حالة تفيض على العام كله وتملؤه بالفرح والرضا والمحبة والانتظار.
وهأنذا أكتب هذه السطور، ممتلئًا بالكثير من عبق الاحتفالية الجميلة التى أقامها له المجلس الأعلى للثقافة - برعاية وزير الثقافة - وشارك فيها نخبة من عقول مصر وصفوة كتابها ومبدعيها، يتقدمهم المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء والكاتب الكبير الأستاذ هيكل والدكتورة هدى جمال عبد الناصر وآخرون.
وكان «الأهرام» قد سبق هذه الاحتفالية بحوار كاشف مع المحتفى به، ثم بالتذكير بمناسبة عيد ميلاده، وهو الأمر الذى كان بمثابة تهيئة للجو الحميم الذى ساد هذه الاحتفالية الثقافية وجعلها تنبض بكثير من الدلالات والرموز والقيم والمعانى التى يرتبط بها بهاء طاهر وترتبط به.
قلت: بينى وبين بهاء سبعة وخمسون عامًا من المحبة، حين جمعتنا إذاعة البرنامج الثانى (الثقافى الآن) عام 1958وكان هو قد سبقنى إلى العمل بها منذ عامها الأول، وأصبح واحدًا من مؤسسيها الكبار ونجومها الحقيقيين الذين كانوا كوكبة إذاعية وفنية فريدة تضم سميرة الكيلانى ومحمود مرسى وصلاح عز الدين وكامل يوسف وفؤاد كامل، وآخرين، بقيادة الإعلامى والإذاعى الفذ سعد لبيب. كانوا جميعًا يعملون على غير مثال لصنع أول إذاعة عربية ثقافية، أصبحت فى شهورها الأولى تخاطب العالم العربى كله شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، حاملة ما نسميه الآن بالقوة الناعمة لمصر، من فكر وثقافة وإبداع وعلم وفن، وكان نجومها هم نجوم مصر فى كل هذه المجالات (قصة البرنامج الثانى لم تكتب حتى الآن). وأصبح بهاء وحده المسئول الأول عن روائع المسرح العالمى التى تترجم وتقدم فى صيغة سهرات إذاعية، وعن «البرامج الخاصة» التى كانت وقتها صيغة من اختراع البرنامج الثانى تتناول موضوعات وشخصيات وقضايا، وتجمع بين السرد والتحليل والمسامع الدرامية. ولا يزال «البرنامج الخاص» يمثل الجزء الأكبر من تراث البرنامج الثانى وبخاصة فى سنواته الأولي.
وتتغير أصول المجتمع وتعصف به صراعات اليمين واليسار، ونتيجة للمنطق الذى ساد «من ليس معنا فهو عدونا» يجد بهاء نفسه فجأة مُصّنفًا بين الأعداء، الأمر الذى يترتب عليه الرحيل عن الإذاعة، لكن الحصار يشمل أيضًا غيرها من المؤسسات - مثل الهيئة العامة للكتاب إذا حاول العمل فيها- إذن فالحل الوحيد هو الرحيل والغربة والمنفي، الذى حوّله بهاء إلى سنوات خير وبركة، وعمل وإبداع، وتألق حقيقى يتصاعد سمته عامًا بعد عام بالرغم من ممارسته لعمل الترجمة القاسى على مدار سنوات طويلة، لكن الوقت المتبقى للإبداع الروائى والقصصي، وللكتابة الأدبية والنقدية، جعل عينيه دائمًا على مصر، وعلى القارئ فيها.
بين المبدعين الكبار - الذين أدركهم بهاء - استطاع أن يعرف طريقه وسمته وتفرده، لم يقلد أحدًا ولم يمض فى عباءة أحد، وظل - طول الوقت - حريصًا على هذه الاستقلالية وهذا التفرد. وهو موقف لم يحل بينه وبين استلهام الإرادة الفولاذية لنجيب محفوظ وقدرته على الصمود الهائل والاستمرار، أو جنون العبقرية عند يوسف إدريس وقدرته على الغوص والحفر الجديد والتجاوز، ولا بساطة يحيى حقى العميقة والمدهشة، لغةً وأسلوبًا وإبداعًا، يظن الجاهل أنه يحسن مثلها فلا يستطيع، لأنها السهل الممتنع، وهكذا صنع بهاء نفسه على عينيه، وتعهدها بقسوة المراجعة والتأمل والتحول، فنجا من شَرَك الحياة الأدبية فى مصر, وضوضائها الصاخبة الجوفاء، وتراجعها المخيف، ليظل مرتفع القامة ، ومنارة تضيء لأجيال الشباب من المبدعين، الذين التفوا من حوله، وازدحمت بهم داره وأوقاته، فى رضا وبشاشة ومحبة.
القول والفعل عند بهاء لا ينفصلان، من هنا كانت الدهشة تأخذ بألباب من يتطلعون إلى هيكله النحيل - وهو فى سبعينيات العمر - يجاهد ويشارك فى تظاهرات شباب مصر التى مهدت لثورة 25 يناير، بحماس شاب فى العشرين وحُميّا مبدع يضع نفسه فى أتون التجربة، لا ينعزل عنها ولا يترفع عن المشاركة فيها. وحين اخُتطفت الثورة كان فى طليعة من يسدون الطريق فى وجه من اختير لقيادة الثقافة والمثقفين، ولا يهدأ له بال، ولا يشتكى كللاً ولا ضعفًا، إلا عندما تنكشف الغمة، ويسقط الدجالون، وتنفجر ثورة 30 يونيو الكاسحة.
بهجة هذه الاحتفالية لم تحل بينى وبين قدر من الأسي. كنت أظن أن الإذاعة المصرية ستسارع إلى إذاعتها على الهواء من إذاعة البرنامج الثانى التى منحها بهاء أزهى سنوات عمره، أو على الأقل ستحرص على تسجيلها لتقديمها فى سهرة إذاعية متكاملة. لكن هذا لم يحدث.
وظننت أن قناة على الأقل من قنوات إعلامنا الذى تملكه الدولة سوف تتحرك لتفعل الشيء نفسه، وبخاصة أن هذا الإعلام به قناة ثقافية فضائية، كانت كفيلة بنقل هذا الحدث المتميز إلى الملايين. وإلا فما فائدة هذه القناة؟ وما هو دورها الحقيقى الآن بعد أن تراجعت وشحبت ولم يعد يدرى بها أحد؟
لقد أحسست طيلة الوقت أننا نجتمع فى مثل هذه الاحتفالية وغيرها ليكلم بعضنا بعضا، وغالبًا يدور الكلام أمام عشرات أو مئات قليلة من الحضور، فى حين أن الكثير منهم يعلم الكثير عن المناسبة. وفى حالة بهاء طاهر، ليس لديّ شك، فى أن جميع الحاضرين جاءوا وشاركوا لأنهم قرأوه وعرفوه وشاهدوه وتابعوه. وأن كلا منهم يستطيع أن يدلى بدلوه فى هذه الاحتفالية الموجهة لهم، فى حين أن الذين يستحقونها ويحتاجون إليها هم الأُلوف المؤلفة التى تعيش فى كل ربوع مصر ومدنها ونجوعها وقراها، الذين يتطلعون إلى ومضة معرفة ويظمأون إلى قطرة ضوء ولمحة إبداع، ويتمسكون بشعره أمل علّها تربطهم بما يحدث فى القاهرة وفى غيرها من عواصم مصر.
هذا الجهد الثقافى كلُّه، يظل مهددًا وضائعًا ما لم تلتفت إليه وسائل الإعلام فى مصر التفاتًا حقيقيًّا، لا يخضع لمجرد التعليمات، وإنما ينبثق عن رسالة يؤمن بها العاملون فى الإعلام وبخاصة فى الإذاعة بشبكاتها المتعددة والتليفزيون بقنواته الأرضية والفضائية. الدكتور جابر عصفور - وزير الثقافة - لا يزال مهتمًّا بوزير التعليم ووزير الأوقاف ووزير الشباب فى تنفيذ برنامجه وخطته الثقافية لنشر الوعى ومقاومة الإرهاب، أخشى أن كثيرًا من هذا الجهد وهذا التخطيط والثمار الناتجة عن هذا كله سيضيع ويتبدد، ما لم ينتقل إلى الناس - كل الناس - فى بيوتهم وأماكن تجمعاتهم وعملهم وأنديتهم ومجالات نشاطهم من خلال وسائل الإعلام التى أصبحت المؤثِّر الأول الواسع الانتشار فى حياة الناس وفى عقولهم ووجداناتهم.
وأخيرًا، ألم يئن الأوان لقيام لجنة تطوعية مصغرة، تضم ممثلين عن اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين وجمعية الأدباء ونادى القصة وبعض مؤسسات المجتمع المدنى مثل جمعية حماة اللغة العربية وجمعية لسان العرب وكلها هيئات غير حكومية، تقوم بعمل موحّد متكامل لترشيح بهاء طاهر، لجائزة نوبل فى الأدب، وهو يستحقها عن جدارة، بعد أن وصلت رواياته عبر ترجماتها إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية وغيرها إلى ربوع العالم، وقَبْلها إلى ربوع الوطن العربي، وبعد أن أطلق عليه النقاد والأساتذة المشاركون فى الاحتفالية، وفى مناسبات عديدة أخري، لقب عميد الروائيين العرب. علمًا بأن حيثيات ترشيحه لنوبل لن يتعب فى استخلاصها وصياغتها أحد.
ويا عزيزى بهاء، أنت السابق إلى الثمانين ونحن اللاحقون.
لمزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.