شاهد.. تجهيز لجان امتحانات الترم الثاني بمدارس القاهرة لاستقبال الطلاب غداً    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    سعر الريال السعودي بالبنوك اليوم الثلاثاء 7-5-2024    فرصة للمخالفين في البناء.. بدء تلقي طلبات التصالح اليوم بالمحافظات    سعر الدولار بالجنيه اليوم الثلاثاء 7-5-2024 .. الآن في البنوك والسوق السوداء بعد الإجازة    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في قنا    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 7 - 5 - 2024 في الأسواق    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    جيش الاحتلال يعلن السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    ماذا نعرف عن مدينة رفح التي تهدد إسرائيل باجتياحها عسكرياً؟    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان في منطقة العمليات العسكرية شرقي رفح    صباحك أوروبي.. صراع أرسنال وسيتي.. مصير جواو فيليكس.. وثقة ميلان    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الاتحاد السكندري بالدوري    ميدو: الزمالك رفض التعاقد مع علي معلول    5 محافظات تشهد سقوط أمطار متفاوتة الشدة | عاجل    اليوم، عرض عصام صاصا على الطب الشرعي لإجراء تحليل مخدرات    حالة الطرق اليوم، كثافات متحركة بمحور صفط اللبن وشارعي شبرا مصر ورمسيس    الزراعة: 35 ألف زائر توافدوا على حدائق الحيوان والأسماك في شم النسيم    بعد قليل.. بدء محاكمة المتهم بإنهاء حياة طفلة مدينة نصر    غدًا.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل والشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    7 نصائح لعلاقة ودية بعد الانفصال مثل ياسمين والعوضي.. «ابتعدي عن فخ المشاكل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    هل يجوز أداء سنة الظهر القبلية أربع ركعات متصلة.. مجدي عاشور يوضح    صدق أو لاتصدق.. الكبد يستعد للطعام عندما تراه العين أو يشمه الأنف    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ياسمين عبدالعزيز: «بنتي كيوت ورقيقة.. ومش عايزة أولادي يطلعوا زيي»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    البيت الأبيض: لا ندعم أي عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف المدنيين الفلسطينيين برفح    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    الفرح تحول ل مأتم.. أول صورة ل شاب لقى مصرعه في حادث مروري خلال زفة عروسين بقنا    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    "أنا مش بحبه أنا بعشقه".. ياسمين عبد العزيز تدخل في نوبة بكاء    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقى والسرد والطعام والهوية
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 01 - 2015

هل للكوكاكولا، وكنتاكي، والسوشي، والفول والفلافل، والتوابل الحريفة وسواها علاقة بهوية المجتمعات والدول التى تتذوق هذه الأنواع المتنوعة من الطعام والشراب الناعم،
أو الثقيل؟ يبدو هذا السؤال غريبا على غير المتخصصين فى سوسيولوجيا الثقافة والمطبخ والطعام لاسيما فى مصر وبعض أوساط النخب العربية، ويرجع ذلك إلى طبيعة ولغة ومصطلحات خطاب الهوية وسياساتها الذى يطرح على ساحة الصراع السياسى والنظرى والمفهومى لاسيما منذ هزيمة يونيو 1967 وحتى هذه اللحظة، واستغراق الفكر المصرى المعاصر والثقافة العالمية بمجموعة من المطارحات والإشكاليات الكبرى التى تدور على مستويات التنظير والتجريد مع بعض من الإحالات إلى وقائع أو أمثلة تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية انتقائية، وتلفيقية حيناً أو تأليفية أحياناً، أو تركيبية على نحو استثنائي.
هل هناك علاقة بين وجبات الفول وطرائق طهيها وتنوع ذائقة كل وجبة بالهوية المصرية؟ هل هناك علاقة لطقس الفرح الشعبى ومناطقه وأغنياته ورقصاته بالهوية، هل هناك علاقة بأغانى الحصاد، وعمال البناء بالهوية؟ أصوات أم كلثوم وعبدالوهاب ومحمد قنديل وشادية ومحمد عبدالمطلب، وليلى مراد وعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وهدى سلطان وسواهم ومجايليهم، وأصوات وأغانى الأجيال اللاحقة، هل لها علاقة بهويتنا؟ موسيقات سيد درويش والقصبجى وعبدالوهاب ومحمد الموجى ومحمود الشريف، ومحمد صدقي، وكمال الطويل، ومحمد فوزي، ومنير مراد ومجايليهم، وألحان الأجيال التالية بالهوية؟ السرديات المصرية الروائية، والقصصية، والشعرية هل لها علاقة بهويتنا المصرية؟ هل النحت المصرى فى كل مراحل تطوره التاريخية الفرعونية، وما بعدها وحتى محمود مختار وعبدالهادى الوشاحى وآخرين ذات علاقة بالهوية؟ لماذا نطرح هذا السؤال فى عديد المجالات من الأكل وطعمه وذائقته، والموسيقى والغناء والرسم والنحت والسرد.. الخ، فى علاقتهم بالهوية؟.
لعديد الأسباب وعلى رأسها ما يلي:
1- أن سياسة الهوية وإشكالياتها وصراعاتها هو موضوع دولتى وسلطوى بامتياز.
2- أن خطابات الهوية المتنافسة والمتصارعة تطرح مفهومها ومكوناتها بوصفها موضوعا نخبويا ونظريا متعاليا، وعلى نحو لا تاريخى ومن ثم أشاعت فى الإدراك العام مجموعة من الصياغات والمعانى التى تربط بين الهوية والدين والمعتقد والمذهب ذ مؤخراً- والتاريخ، وأنها موضوع مكتمل وناجز فى مرحلة تاريخية ما ومستمر ولا يتطور. من ثم نحن إزاء مفهوم انتقائى للهوية بامتياز.
3- تطرح الهوية وتحدياتها ومكوناتها فى الخطاب الهوياتى وكأنها موضوع مجرد، هى ومرجعياتها، وذلك للتبسيط، وتيسير عملية ترويجها المبتسر والمختصر فى أوساط الجمهور، لاسيما حول الدين والعقيدة والمرجعيات المستمدة منه للحشد والتعبئة الدينية. من هنا غياب الربط بين الهوية وتطورها ومكوناتها المتعددة وبين حياة الناس، وأفراحهم وأشواقهم وحبهم وآلامهم ومشاكلهم وتاريخهم وتطوراته وتغيراته.
نعم ماكدونالد وكنتاكى والكوكاكولا والأفلام الأمريكية، وارمسترونج، وفرانك سيناترا، ونات كينج كول.. الخ كانوا علامة وجزءاً من نسيج الهوية ونمط الحياة الأمريكى وامتدوا كجزء من علامات تشكل هويات عولمية، تتعايش مع هويات الشعوب والجماعات الأخرى فى عالمنا.
نعم الوجبات الصينية، والسوشى الياباني، والطعام الهندى الحريف والكاري، والفول والطعمية، والكسكس علامات للهوية وجزء من أنسجتها وتراكيبها المتعددة والمتحولة. الفول والخبز - يسمى بالعيش لأنه رمز على استمرارية الحياة- هو أيقونة الطعام المصري، وجزء رئيس ومركزى فى حياة غالبية المصريين، ويخترق الفئات الاجتماعية، والمناطق، وعابراً لمراحل التاريخ الكبري. إذا كان الفول - وأنواع طهيه المختلفة - تعبيراً عن عسر الحياة للغالبية العظمى للمصريين تاريخياً، إلا أنه تحول إلى تعبير عن حياة المجموع المصرى - كل مكوناته وتعدديته - ومن ثم شكل أحد موحدات الحياة اليومية. أن أنواع وأشكال طهى الفول يعكس الخبرات الإنسانية للشعوب الفقيرة فى إبداع طعوم وذائقة ورائحة للوجبات فقيرة الإمكانيات لكى تستمر الحياة وإبداعها. أن الوجبات المشتركة والعابرة للطبقات الاجتماعية والثقافة والانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية هى تأسيس يومى ومستمر للمشتركات داخل جماعة ما.
الفول المصرى بات سمتا سوسيو - ثقافى بامتياز، وتمدد فى المنطقة وأصبح جزءاً من الوجبات الأساسية من العراق وسوريا ولبنان والخليج وشبه الجزيرة العربية، والسودان وبقية بلدان المنطقة العربية. كما أن وجبة الكسكس - على اختلاف طرائق طهيها باللحوم، والسمك، والخضراوات، وزيت الزيتون - هى تعبير عن المنطقة المغاربية من تونس إلى الجزائر إلى المغرب وهو ما يشكل حزام الكسكس، كما أن مصر والسودان هى حزام الفول. وحزام الطعام موحد ضمن الموحدات المشتركة للشعوب العربية. دخلت أشكال وأنواع من الطعام والشراب الناعم الخفيف وأخرى من الشراب المسكر مع الاستعمار الغربى والتركى/ العثمانى إلى بلدان المنطقة، إلا أن الفول،والكسكس، والتبولة - فى منطقة الشام - هى علامات موحدة لحياة الشعوب فى هذه المجتمعات. إن بعض الأغانى والرقصات والموسيقى والأصوات الغنائية الشعبية هى جزء من تراكيب الهوية التى يحاول الخطاب الهوياتى الدينى استبعادها بتركيزه على مكون واحد مرتبط بها وبالمعتقد على نحو لا تاريخي، وذلك لحرف وعى غالبية الشعوب عن الهوية كحياة تنبض بالدينامية والحيوية وإبداع الناس فى الطعام، والغناء والموسيقي، والرقص، والرسم، والنحت، والمرويات، والأساطير والمتخيلات، والمخيلات والذاكرات الجماعية.. الخ. إن الخطاب الهوياتى السائد يسعى إلى إفقار تاريخ الأمة المصرية ومكوناتها وتعددياتها فى إطار الوحدة والجوامع المشتركة. هل يمكن استبعاد موسيقى وحزام السلم الخماسى من تكوين الهويات السودانية، وأحد مكونات الغناء والرقص الجماعى فى الثقافة النوبية المصرية، بالطبع لا. أن تشكيلات الهوية الجامعة والهويات الأخرى والمتجاورة ومعها، والتى قد تتداخل فيها تعتمد أساساً على حركة حياة الجماعات والشعوب ومكوناتها، هناك هويات الحياة وإبداع الناس وإنتاجهم وصراعهم وتفاعلاتهم فيما بين بعضهم بعضاً، وبينهم وبين متغيرات عصورهم.
إن الخطاب الهوياتى السائد - دينياً والمنغلق دينياً - يعمل ضد الزمن، وكأن الهوية هى الدين والمعتقد والإيمان مثلهم فى ذلك مثل الخطاب القومي، ولا يدرك منتجو هذه الخطابات أن الهوية والأمة والقومية، هى مفاهيم متخيلة، وتاريخية، ومن قلب عمليات عولمة العالم وصيروراته دخلت هذه المفاهيم فى دائرة الأزمة النظرية والمفاهيمية، ولم تعد تمتلك قدراتها على التفسير أو التركيب، لأن تطورات الواقع الموضوعى المركب والمعقد تسبق المفاهيم النظرية التى تصف وتفسر وضعياته فى صيروراتها. الهويات هى حركة حياة وبشر وأساطير وأحلام وموسيقى ورقص وغناء، ورسم، وطعام وذكريات، وتواريخ وعلامات وصراعات وتفاعلات، وذلك رغماً عن سياسة الهوية الدولتية ومواقف النخب السياسية المسيطرة، وتحديداتها لهوية ما. نعم الفول والأهرام وأبوالهول، وتاريخنا، وأصواتنا وسردياتنا وغناؤنا وموسيقانا ونحتنا وإبداع الحياة هو هويتنا المفتوحة على ذواتنا وعلى عالمنا الرحب.
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.