اليوم، تسليم العمل ل247 معلمًا مساعدًا بإدارات الفيوم التعليمية    بعد خروجه من قسم الشرطة، سامر المدني يحتفل مع جمهوره في الشارع (فيديو)    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الأحد 5-10-2025    سعر سبيكة الذهب اليوم الأحد 5-10-2025 بعد الارتفاع الكبير.. بكام سبيكة ال10 جرام؟    صبري عبدالمنعم خلال تكريمه بمهرجان نقابة المهن التمثيلية: «كويس إنكم لحقتونا وإحنا عايشين»    إسرائيل توافق على خط الانسحاب الأولى وتواصل قصف القطاع بشن غارات عنيفة (فيديو)    بن غفير يهدد بالانسحاب من حكومة نتنياهو    لهذا السبب.... فضل شاكر يتصدر تريند جوجل    استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا.. حلمي طولان يعلن قائمة منتخب مصر الثاني المشاركة في بطولة كأس العرب    مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة.. بيراميدز وبرشلونة والسيتي    استقرار نسبي..اسعار الذهب اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويفى    الشتاء يطرق الأبواب.. أمطار غزيرة تفاجئ الإسكندرية    رابط مباشر ل تحميل التقييمات الأسبوعية 2025 عبر موقع وزارة التربية والتعليم    أسعار الحديد في المنيا اليوم الأحد5 أكتوبر 2025    «اللي جاي نجاح».. عمرو سعد يهنئ زوجته بعيد ميلادها    صبري عبد المنعم يخطف القلوب ويشعل تريند جوجل بعد تكريمه على كرسي متحرك    عمر كمال يبدأ مرحلة جديدة.. تعاون مفاجئ مع رامي جمال وألبوم بعيد عن المهرجانات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في محافظة الأقصر    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويف    زعيمة حزب فرنسي: فوز المعارضة في التشيك «إرادة شعوب»    شوبير يكشف موعد إعلان الأهلي عن مدربه الجديد    «مش عايزين نفسيات ووجع قلب».. رضا عبدالعال يشن هجومًا لاذعًا على ثنائي الزمالك    وزارة الأمن الداخلي الأمريكية: هجوم مسلح على دورية شرطة في شيكاغو    إعلام فلسطينى: طيران الاحتلال يشن عدة غارات على مناطق مختلفة من مدينة غزة    الداخلية السورية: الاستحقاق الانتخابي المقبل الأهم منذ 60 عامًا    في اليوم العالمي للصيادلة.. نائب محافظ سوهاج ووكيل وزارة الصحة يكرمان قيادات مديرية الصحة والمتفوقين من أبناء الصيادلة    تشييع جثامين 4 ضحايا من شباب بهبشين ببنى سويف فى حادث الأوسطي (صور)    ألونسو يكشف حالة مبابي وماستانتونو    وليد صلاح الدين: ملف المدير الفنى الجديد تحت الدراسة.. ولا توجد ترضيات للاعبين    اسعار اللحوم اليوم الأحد 5 اكتوبر 2025 بمحلات الجزارة فى المنيا    «تهدد حياة الملايين».. عباس شراقي: سد النهضة «قنبلة نووية» مائية على وشك الانفجار    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    اعرف تردد مشاهدة "قيامة عثمان" بجودة HD عبر هذه القناة العربية    مهرجان روتردام للفيلم العربى يقاطع إسرائيل ثقافيا تضامنا مع فلسطين    الفيلم المصرى ضى يفوز بالجائزة الكبرى فى مهرجان الفيلم المغاربى فى وجدة    9 أيام إجازة في شهر أكتوبر 2025 للطلاب والقطاعين العام والخاص.. موعد اَخر عطلة رسمية في العام    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «اعتداء ضابط على بائع متجول» بالإسكندرية    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    لعلاج نزلات البرد.. حلول طبيعية من مكونات متوفرة في مطبخك    أعراض متحور كورونا «نيمبوس» بعد تحذير وزارة الصحة: انتشاره سريع ويسبب آلامًا في الحلق أشبه ب«موس الحلاقة»    بمكونين بس.. مشروب واحد قبل النوم يزيد حرق الدهون ويحسن جودة النوم    لا مزيد من الروائح الكريهة.. خطوات تنظيف البط من الريش والدهون    لسرقة قرطها الذهبي.. «الداخلية» تضبط المتهمة باستدراج طفلة القليوبية    مصرع طفل وإصابة شخصين في حادث دراجة نارية بالفرافرة    المؤتمر: اتحاد الأحزاب تحت راية واحدة قوة جديدة للجمهورية الجديدة    ضربة جديدة لحرية الرأي والبحث العلمي ..دلالات الحكم على الخبير الاقتصادى عبد الخالق فاروق    أرسلنا تحذيرات مسبقة، الري ترد على غرق بعض المحافظات بعد ارتفاع منسوب مياه النيل    اندلاع حريق في «معرض» بعقار سكني في شبرا الخيمة بالقليوبية    دراسة حديثة: القهوة درع واق ومُرمم لصحة الكبد    لأول مرة فى تاريخها.. اليابان تختار سيدة رئيسة للحكومة    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    بداية فصل جديد.. كيف تساعدك البنوك في إدارة حياتك بعد الستين؟    شريف فتحي يشارك في اجتماع غرفة المنشآت الفندقية بالأقصر    دوري أبطال أفريقيا.. قائمة بيراميدز في مواجهة الجيش الرواندي    بشير التابعى: مجلس الزمالك ليس صاحب قرار تعيين إدوارد ..و10 لاعبين لا يصلحون للفريق    «الهيئة الوطنية» تُعلن موعد انتخابات النواب 2025 (الخريطة كاملة)    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول الطلاب بالصف الأول الثانوي للعام الدراسي الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقى والسرد والطعام والهوية
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 01 - 2015

هل للكوكاكولا، وكنتاكي، والسوشي، والفول والفلافل، والتوابل الحريفة وسواها علاقة بهوية المجتمعات والدول التى تتذوق هذه الأنواع المتنوعة من الطعام والشراب الناعم،
أو الثقيل؟ يبدو هذا السؤال غريبا على غير المتخصصين فى سوسيولوجيا الثقافة والمطبخ والطعام لاسيما فى مصر وبعض أوساط النخب العربية، ويرجع ذلك إلى طبيعة ولغة ومصطلحات خطاب الهوية وسياساتها الذى يطرح على ساحة الصراع السياسى والنظرى والمفهومى لاسيما منذ هزيمة يونيو 1967 وحتى هذه اللحظة، واستغراق الفكر المصرى المعاصر والثقافة العالمية بمجموعة من المطارحات والإشكاليات الكبرى التى تدور على مستويات التنظير والتجريد مع بعض من الإحالات إلى وقائع أو أمثلة تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية انتقائية، وتلفيقية حيناً أو تأليفية أحياناً، أو تركيبية على نحو استثنائي.
هل هناك علاقة بين وجبات الفول وطرائق طهيها وتنوع ذائقة كل وجبة بالهوية المصرية؟ هل هناك علاقة لطقس الفرح الشعبى ومناطقه وأغنياته ورقصاته بالهوية، هل هناك علاقة بأغانى الحصاد، وعمال البناء بالهوية؟ أصوات أم كلثوم وعبدالوهاب ومحمد قنديل وشادية ومحمد عبدالمطلب، وليلى مراد وعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وهدى سلطان وسواهم ومجايليهم، وأصوات وأغانى الأجيال اللاحقة، هل لها علاقة بهويتنا؟ موسيقات سيد درويش والقصبجى وعبدالوهاب ومحمد الموجى ومحمود الشريف، ومحمد صدقي، وكمال الطويل، ومحمد فوزي، ومنير مراد ومجايليهم، وألحان الأجيال التالية بالهوية؟ السرديات المصرية الروائية، والقصصية، والشعرية هل لها علاقة بهويتنا المصرية؟ هل النحت المصرى فى كل مراحل تطوره التاريخية الفرعونية، وما بعدها وحتى محمود مختار وعبدالهادى الوشاحى وآخرين ذات علاقة بالهوية؟ لماذا نطرح هذا السؤال فى عديد المجالات من الأكل وطعمه وذائقته، والموسيقى والغناء والرسم والنحت والسرد.. الخ، فى علاقتهم بالهوية؟.
لعديد الأسباب وعلى رأسها ما يلي:
1- أن سياسة الهوية وإشكالياتها وصراعاتها هو موضوع دولتى وسلطوى بامتياز.
2- أن خطابات الهوية المتنافسة والمتصارعة تطرح مفهومها ومكوناتها بوصفها موضوعا نخبويا ونظريا متعاليا، وعلى نحو لا تاريخى ومن ثم أشاعت فى الإدراك العام مجموعة من الصياغات والمعانى التى تربط بين الهوية والدين والمعتقد والمذهب ذ مؤخراً- والتاريخ، وأنها موضوع مكتمل وناجز فى مرحلة تاريخية ما ومستمر ولا يتطور. من ثم نحن إزاء مفهوم انتقائى للهوية بامتياز.
3- تطرح الهوية وتحدياتها ومكوناتها فى الخطاب الهوياتى وكأنها موضوع مجرد، هى ومرجعياتها، وذلك للتبسيط، وتيسير عملية ترويجها المبتسر والمختصر فى أوساط الجمهور، لاسيما حول الدين والعقيدة والمرجعيات المستمدة منه للحشد والتعبئة الدينية. من هنا غياب الربط بين الهوية وتطورها ومكوناتها المتعددة وبين حياة الناس، وأفراحهم وأشواقهم وحبهم وآلامهم ومشاكلهم وتاريخهم وتطوراته وتغيراته.
نعم ماكدونالد وكنتاكى والكوكاكولا والأفلام الأمريكية، وارمسترونج، وفرانك سيناترا، ونات كينج كول.. الخ كانوا علامة وجزءاً من نسيج الهوية ونمط الحياة الأمريكى وامتدوا كجزء من علامات تشكل هويات عولمية، تتعايش مع هويات الشعوب والجماعات الأخرى فى عالمنا.
نعم الوجبات الصينية، والسوشى الياباني، والطعام الهندى الحريف والكاري، والفول والطعمية، والكسكس علامات للهوية وجزء من أنسجتها وتراكيبها المتعددة والمتحولة. الفول والخبز - يسمى بالعيش لأنه رمز على استمرارية الحياة- هو أيقونة الطعام المصري، وجزء رئيس ومركزى فى حياة غالبية المصريين، ويخترق الفئات الاجتماعية، والمناطق، وعابراً لمراحل التاريخ الكبري. إذا كان الفول - وأنواع طهيه المختلفة - تعبيراً عن عسر الحياة للغالبية العظمى للمصريين تاريخياً، إلا أنه تحول إلى تعبير عن حياة المجموع المصرى - كل مكوناته وتعدديته - ومن ثم شكل أحد موحدات الحياة اليومية. أن أنواع وأشكال طهى الفول يعكس الخبرات الإنسانية للشعوب الفقيرة فى إبداع طعوم وذائقة ورائحة للوجبات فقيرة الإمكانيات لكى تستمر الحياة وإبداعها. أن الوجبات المشتركة والعابرة للطبقات الاجتماعية والثقافة والانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية هى تأسيس يومى ومستمر للمشتركات داخل جماعة ما.
الفول المصرى بات سمتا سوسيو - ثقافى بامتياز، وتمدد فى المنطقة وأصبح جزءاً من الوجبات الأساسية من العراق وسوريا ولبنان والخليج وشبه الجزيرة العربية، والسودان وبقية بلدان المنطقة العربية. كما أن وجبة الكسكس - على اختلاف طرائق طهيها باللحوم، والسمك، والخضراوات، وزيت الزيتون - هى تعبير عن المنطقة المغاربية من تونس إلى الجزائر إلى المغرب وهو ما يشكل حزام الكسكس، كما أن مصر والسودان هى حزام الفول. وحزام الطعام موحد ضمن الموحدات المشتركة للشعوب العربية. دخلت أشكال وأنواع من الطعام والشراب الناعم الخفيف وأخرى من الشراب المسكر مع الاستعمار الغربى والتركى/ العثمانى إلى بلدان المنطقة، إلا أن الفول،والكسكس، والتبولة - فى منطقة الشام - هى علامات موحدة لحياة الشعوب فى هذه المجتمعات. إن بعض الأغانى والرقصات والموسيقى والأصوات الغنائية الشعبية هى جزء من تراكيب الهوية التى يحاول الخطاب الهوياتى الدينى استبعادها بتركيزه على مكون واحد مرتبط بها وبالمعتقد على نحو لا تاريخي، وذلك لحرف وعى غالبية الشعوب عن الهوية كحياة تنبض بالدينامية والحيوية وإبداع الناس فى الطعام، والغناء والموسيقي، والرقص، والرسم، والنحت، والمرويات، والأساطير والمتخيلات، والمخيلات والذاكرات الجماعية.. الخ. إن الخطاب الهوياتى السائد يسعى إلى إفقار تاريخ الأمة المصرية ومكوناتها وتعددياتها فى إطار الوحدة والجوامع المشتركة. هل يمكن استبعاد موسيقى وحزام السلم الخماسى من تكوين الهويات السودانية، وأحد مكونات الغناء والرقص الجماعى فى الثقافة النوبية المصرية، بالطبع لا. أن تشكيلات الهوية الجامعة والهويات الأخرى والمتجاورة ومعها، والتى قد تتداخل فيها تعتمد أساساً على حركة حياة الجماعات والشعوب ومكوناتها، هناك هويات الحياة وإبداع الناس وإنتاجهم وصراعهم وتفاعلاتهم فيما بين بعضهم بعضاً، وبينهم وبين متغيرات عصورهم.
إن الخطاب الهوياتى السائد - دينياً والمنغلق دينياً - يعمل ضد الزمن، وكأن الهوية هى الدين والمعتقد والإيمان مثلهم فى ذلك مثل الخطاب القومي، ولا يدرك منتجو هذه الخطابات أن الهوية والأمة والقومية، هى مفاهيم متخيلة، وتاريخية، ومن قلب عمليات عولمة العالم وصيروراته دخلت هذه المفاهيم فى دائرة الأزمة النظرية والمفاهيمية، ولم تعد تمتلك قدراتها على التفسير أو التركيب، لأن تطورات الواقع الموضوعى المركب والمعقد تسبق المفاهيم النظرية التى تصف وتفسر وضعياته فى صيروراتها. الهويات هى حركة حياة وبشر وأساطير وأحلام وموسيقى ورقص وغناء، ورسم، وطعام وذكريات، وتواريخ وعلامات وصراعات وتفاعلات، وذلك رغماً عن سياسة الهوية الدولتية ومواقف النخب السياسية المسيطرة، وتحديداتها لهوية ما. نعم الفول والأهرام وأبوالهول، وتاريخنا، وأصواتنا وسردياتنا وغناؤنا وموسيقانا ونحتنا وإبداع الحياة هو هويتنا المفتوحة على ذواتنا وعلى عالمنا الرحب.
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.