قاربت الأزمة فى سوريا على افتتاح عامها الخامس دون بروز مؤشرات تتيح القول بأنها فى طريقها إلى التسوية. فإلى جانب «توازنات الضعف» فى الداخل التى لا تسمح لأى من أطراف الصراع، سواء نظام الرئيس بشار الأسد أو قوى المعارضة المسلحة، بحسم الصراع المسلح، فإن تشابك مصالح القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة يضفى مزيدا من التعقيد عليها، بشكل يرشحها إلى مزيد من التصعيد خلال المرحلة القادمة. ففى الداخل، لم يعد سقوط النظام السورى “مسألة وقت” كما تصورت أطراف عديدة. ورغم أنه أصبح يسيطر على ثلث أراضى الدولة السورية تقريبا، حسب بعض التقديرات، فإن ذلك لا ينفى أنه تمكن، فى العامين الأخيرين، من استعادة زمام المبادرة من جديد، بعد أن نجح فى استرداد مناطق استراتيجية عديدة من قوى المعارضة، التى خصمت الخلافات الواسعة فيما بينها من قدرتها على تشكيل تهديد جاد للنظام السوري. فضلا عن عدم وجود توافق بين المعارضة السياسية والمسلحة، فإن اتجاه الأخيرة إلى الدخول فى صراعات متعددة فيما بينها، إلى جانب عدم امتلاكها لأسلحة نوعية، كل ذلك صب فى صالح النظام، الذى سعى أيضا إلى الاحتفاظ بقنوات تواصل مع أجنحة معينة داخل الطيف الواسع من قوى المعارضة بهدف تعزيز موقعه فى أية مفاوضات تجرى بين الطرفين. وقد انعكس ذلك فى مجمله فى تصريحات الرئيس الأسد لدورية «فورين أفيرز»س الأمريكية، التى تطرح دلالات عديدة أهمها أنه لم يعد ملزما، على خلفية المعطيات الموجودة على الأرض، بالتعامل مع الاستحقاقات التى يفرضها بيان “جنيف 1”، لاسيما فيما يتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية، خاصة أنه أشار إلى أن الاجتماعات التى تنظمها روسيا فى الفترة من 26 وحتى 28 يناير الحالى «ليست مؤتمرا وإنما تحضيرا لمؤتمر»، كما أنه اعتبر نهج التجميد الجزئى لإطلاق النار فى حلب تحديدا، الذى يعتمده المبعوث الأممى الجديد ستيفان دى ميستورا، والذى لا يرتبط بما وصل إليه المبعوثان السابقان كوفى عنان والأخضر الإبراهيمي، يشكل الأساس لأى حل على الأرض. بدون شك، فإن الهجوم الإرهابى على صحيفة «شارلى ابدو» فى 7 يناير 2015، صب فى صالح النظام أيضا، لاسيما أنه ربما يدفع قوى دولية عديدة إلى إعادة الانفتاح على الأسد باعتبار أن ذلك يشكل إحدى الآليات التى يمكن من خلالها تفادى وصول الإرهابيين إلى أراضيها، فى ظل تزايد أعداد العناصر الأجنبية المتطرفة داخل تلك التنظيمات الجهادية المختلفة. فى مقابل ذلك، لا يبدو أن ثمة تغييرا كبيرا على الساحة الخارجية يمكن أن يفرض تداعيات مباشرة على توازنات القوى الداخلية فى سوريا. إذ أن الهدف الأساسى الحالى لمعظم القوى المعنية بالأزمة، والذى يخدم نظام الأسد وحلفائه أيضا، هو القضاء على «الخطر» الذى باتت تمثله التنظيمات المتطرفة على غرار تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» والفروع المختلفة لتنظيم «القاعدة» التى استطاع بعضها الوصول إلى أراضى تلك الدول وتهديد أمنها بشكل مباشر. هنا، وطبقا لرؤية بعض الاتجاهات، يمكن أن يكون بقاء الأسد هو «أحسن الخيارات السيئة» بالنسبة للعديد من هذه القوي، لاسيما أن إسقاطه معناه تهيئة الأرضية المناسبة لنمو وتطور تلك التنظيمات التى أصبحت تمثل مصدرا جديا لتهديد أمنها ومصالحها. علاوة على ذلك، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية تبدو منشغلة فى الوقت الحالي، بمفاوضاتها مع إيران حول الملف النووي، ولا تسعى إلى إضافة عقبات جديدة يمكن أن تعرقلها أو تهدر الجهود الحثيثة التى بذلتها للوصول إلى تسوية منذ ما يقارب عامين. وربما يكون ذلك معناه تأجيل البت فى مصير الأسد، على الأقل لحين استشراف ما يمكن أن تصل إليه المفاوضات الحالية ومدى التزام إيران بأى اتفاق محتمل قد تنتهى إليه. وبالطبع، فإن ما يزيد من تعقيد تلك المفاوضات، هو عزوف إيران عن مناقشة مصير الأسد، أو على الأقل الربط بين الوصول إلى صفقة نووية وتقديم تنازلات فى الملف السوري. هنا لا يمكن إغفال أن ثمة اتجاهات أخرى تشير إلى أن بقاء النظام السورى أطول فترة ممكنة لا يعتبر خيارا سيئا تماما بالنسبة لواشنطن، لأنه يعنى استنزاف مزيد من الموارد الإيرانية، وتوريط روسيا أكثر فى “المستنقع” السوري، خاصة أن الأخيرة لا تبدى بدورها أية مرونة فى موقفها من الأزمة السورية، حيث مثلت باستمرار ظهيرا دوليا نجح فى تجنيب الأسد قرارات إدانة من داخل مجلس الأمن، وذلك رغم الضغوط التى بات يفرضها انخفاض أسعار النفط على اقتصادها، والتى يتمثل أحد تفسيراتها فى موقف موسكو من الأسد. فى حين ما زالت تركيا وبعض القوى الأخري، مثل قطر، تصر على ضرورة إسقاط الأسد، وعلى أنه ليس له دور فى أية تسوية سياسية محتملة للأزمة فى خضم المبادرات العديدة التى طرحت لإجراء مباحثات بين نظام الأسد وقوى المعارضة. بدون شك، فإن ذلك فى مجمله معناه تزايد احتمالات استمرار الأزمة السورية دون حل، بكل ما يفرضه ذلك من تداعيات سلبية لا تبدو هينة، على غرار استمرار نزيف الدماء السورية، حيث قتل نحو 200 ألف سورى حسب إحصاءات الأممالمتحدة، وتصاعد أزمة اللاجئين السوريين، الذين باتوا يمثلوا عبئا كبيرا على دول الجوار، التى يعانى بعضها فى الأساس من أزمات سياسية وأمنية متعددة، ناهيك عن أزمة النازحين فى الداخل السوري، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التى تتعرض لها مناطق واسعة داخل سوريا. وقد أشار تقرير للمفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فى 7 يناير 2015، إلى أن اللاجئين السوريين جاءوا فى المركز الثانى على مستوى العالم بعد الفلسطينيين، حيث وصل عددهم، حتى منتصف عام 2014، إلى 3 ملايين سورى موزعين على أكثر من 100 دولة، ما يمثل ربع عدد اللاجئين الذين تتولى المفوضية رعايتهم على مستوى العالم. فى حين نزح نحو نصف عدد السوريين من مناطقهم بسبب تصاعد حدة الصراع المسلح الذى لا يبدو أنه سيتوقف فى المدى القريب.