قبل سنوات خلت، توافق الكوريون الجنوبيون على السعى لتحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية مصيرية، تتمثل فى النهوض بالاقتصاد لاقصى مدى يمكنهم الوصول إليه - يحتل المرتبة ال 13 بين كبرى الاقتصاديات العالمية - ، وبناء مجتمع متماسك الأركان لا مكان فيه للتمييز والكسل، ويعلى من قيمة الابداع والابتكار، وأن يكون ديمقراطيا، وتوحيد شطرى شبه الجزيرة الكورية الممزقة، منذ أن وضعت الحرب الكورية أوزارها عام 1953 . ونجحوا بفضل المثابرة والاجتهاد فى انجاز الغايتين الأولى والثانية وبقيت الثالثة فى خانة الحلم المؤجل، لحين توافر البيئة الصالحة لتنفيذها. ومع أن حلم الوحدة يبدو صعب المنال فى ظل الظروف الراهنة، وطبائع وسياسات الشطر الشمالى الغريبة، فإن الشطر الجنوبى لا يتوقف عن إعداد العدة لهذه اللحظة الحاسمة بوسائل شتي، ولا يترك الأمور للصدفة، أو مباغته دون أن يكون مستعدا تماما لاستقبالها على أكمل وجه، ويضع فى حسبانه إمكانية الانهيار المفاجئ للنظام الشيوعى فى الشطر الشمالى. والمهمة ليست بالسهلة، فالانفصال وقع قبل 7 عقود، وخلال هذه المدة الطويلة اتسعت الهوة بين الشطرين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، فكوريا الجنوبية قطعت أشواطا على مضمار التقدم والتحديث والانفتاح على العالم الخارجى، بينما تعيش كوريا الشمالية فى عزلة اختيارية، وتفرض القيود على سفر مواطنيها خارجيا وداخليا، وأحوالها الاقتصادية بائسة متردية، وسكان بعض مناطقها يعانون من المجاعة، وتعتمد على دبلوماسية الابتزاز والتهديد فى تعاملاتها الدولية والاقليمية مستغلة امتلاكها قدرات نووية وصاروخية تشكل تهديدا لأمن واستقرار منطقة شمال شرق آسيا ومعها العالم، ويكفى لبيان الفارق بين الطرفين الإشارة إلى أن متوسط دخل الكورى الجنوبى 33 ألف دولار سنويا، فى حين يبلغ 1200 دولار بالشمال. رب قائل إن ألمانيا مرت بذات التجربة، وتخطت الصعاب والأهوال ووحدت شطريها، نظريا الرأى صائب تماما، لكن عمليا توجد ثلاثة اختلافات جوهرية بين ألمانيا وكوريا، فشطرا ألمانيا لم يخوضا حربا ضد بعضهما البعض، وألمانياالشرقية كانت لديها بنية اقتصادية جيدة إلى حد ما، مما سهل من عملية دمج الاقتصاد الشرقى فى غضون فترة وجيزة، أما الاختلاف الثالث فيتصل بأن الجانبين كان لديهما ما يكفى من المعلومات عن بعضهما البعض، وكانا كالكتاب المفتوح، وهو ما تفتقر إليه كوريا الجنوبية على سبيل المثال، فهى ومعها القوى الاقليمية والدولية لا تعرف سوى أقل القليل عما يدور فى الشطر الشمالى من صراعات داخل النخبة الحاكمة من أفراد عائلة كيم آيل سونج الحاكمة التى تتوارث كرسى السلطة، وتخشى من فتح أبوابها للزائرين الأجانب. هذه المعطيات وغيرها تبين قدر الجهد المتعين على سول القيام به لتقريب وجهات النظر، والحصول على تجاوب حقيقى غير مصطنع من بيونج يانج لتوحيد البلاد المقسمة، وفى هذا السياق فإن كوريا الجنوبية تسعى جاهدة لتسويق الوحدة بين مواطنيها- تعداد الشطر الجنوبى 50 مليون نسمة، و25 مليونا بالشمال - من خلال وزارة الوحدة، ولجنة وطنية شكلتها فى يوليو الماضى، وترتكز جهودها الدءوبة على الجوانب التالية: أولا: إن السلمية هى السبيل المعتمد للوحدة، فالقوة لن تجعلها تبصر النور، فهى خيار شعب ولابد أن تكون معبرة عن ارادته، وللعلم فإن الشطر الشمالى يتحدث عن الوحدة أيضا وأنها آتية لا ريب فيها، لكنه يرغب فى اتمامها وفقا لتصوره بأن تصبح شبه الجزيرة الكورية واحة غنّاء للاشتراكية ومقبرة للرأسمالية. ثانيا: العمل على تعزيز اجراءات بناء الثقة بين الجانبين قدر المستطاع، غير أنها تصطدم بعدم التزام بيونج يانج بتعهداتها وما يبرم من اتفاقيات وتوافقات، فضلا عن ترددها فى السير خطوة للأمام. ثالثا: ادخال تعديلات فى مناهج التعليم لايضاح فوائد ومحاسن الوحدة للأجيال الشابة التى ولدت بعد تقسيم كوريا، وشبوا فى مناخ الرفاهية والرخاء، وترفع شعار أن كوريا الموحدة مرادفة لآسيا جديدة، فالفائدة ستعم على القارة قاطبة، فكوريا الموحدة ستكون اضافة لرصيد قوتها ومناعتها، حتى مع منافستها بشراسة مع الكيانات الاقتصادية الكبرى كاليابان والصين والولايات المتحدة، ويحرص القائمون على عمل تلك التعديلات على بيان أن الكوريين سوف تتعاظم استفادتهم مما يوجد من موارد طبيعية فى الشطر الشمالى، وهو ما يضيف مزيدا من مصادر القوة للاقتصاد الوطنى، ومن ثم يعم الرخاء على الجميع، وينعم الشعبان بالسعادة، والتخفيف من حدة التوتر فى المنطقة المهددة دائما بنشوب حرب، بسبب رعونة وطش بيونج يانج، لأن الوحدة ستقود إلى خفض نفقات الدفاع، وازالة آخر المظاهر الدالة على زمن الحرب الباردة، ومستقبلا من الممكن أن تقوم كوريا الموحدة بدور إقليمى يسهم فى الحد من النزاعات واقرار السلام، هذا لا يمنع أن القوى الإقليمية متخوفة من أن يسفر ظهور كوريا الموحدة عن تبدل موازين القوى فى المنطقة. وطبقا لما قاله لى دوك - هاينج المسئول بوزارة الوحدة فى لقاء معه بالعاصمة الكورية الجنوبية مؤخرا فإن 60 ٪ من الأجيال الشابة تؤيد الوحدة، ورغم ذلك لديها مخاوف وهواجس من تكاليف الوحدة والتى تقدر ما بين 70 مليار دولار و تريليونى دولار، مما سوف يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الشطر الجنوبى الذى يؤكد المسئولون فيه أن سول لن تتحمل وحدها التكاليف وأن المجتمع الدولى سوف يسهم فيها. رابعا: نيل الدعم الدولى للوحدة ، عبر اتصالات لا تتوقف مع دول الجوار، والبلدان الأوروبية، والولايات المتحدة، وبيان أن الكيان الموحد لن يشكل عنصر تهديد لاى طرف إقليمى أو دولى، بل على العكس سيكون عامل طمأنة لهذا الجزء الملتهب من عالمنا. لقد تأكدت عبر كل من قابلتهم من مسئولين وباحثين فى كوريا الجنوبية مدى جدية وصدق سول فى الركض نحو حلم الوحدة الذى ستكون حسابات الواقع صاحبة القول الفصل فى تحققها.