بعد سبع سنوات على القمة التاريخية الأولى ، تعقد الكوريتان المنفصلتان منذ ستة عقود قمةإعتباراً من اليوم ، في بيونج يانج في لقاء جديد في اوج فترة يعتبرها الكثيرون، إنفراج على خلفية تقدم في الملف النووي الكوري الشمالي. بحفاوة بالغة استقبل زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ إيل الرئيس الكوري الجنوبي روه مو هيون لدى وصوله إلى العاصمة الشمالية بيونج يانج، حيث تعقد القمة الثانية بين البلدين منذ تقسيم شبه الجزيرة الكورية عقب الحرب العالمية الثانية وستشكل القمة، التي تبدأ اليوم الثلاثاء أول ظهور علني مطول للزعيم الغامض لكوريا الشمالية، منذ القمة الكورية التي عقدت في يونيو عام 2000. وخلافا للمراسم البروتوكولية المعهودة توجه الزعيم الكوري الشمالي -الذي نادرا ما يظهر في وسائل الإعلام المرئية-للقاء ضيفه الجنوبي وزوجته وقدرافقه في استعراض حرس الشرف. وعادة لا يكون الزعيم كيم جونغ إيل في استقبال ضيفه، إذ إن هذه المهمة موكلة عادة إلى الرجل الثاني في القيادة الكورية الشمالية كيم يونغ نام. وخلال مراسم الاستقبال كانت حشود تردد هتافات ترحيب وتلوح بباقات من الورد التي تشتهر كوريا الشمالية بإنتاجها. من جانبه سعى الرئيس الكوري الجنوبي ومنذ اللحظة الأولى للزيارة إلى إظهار نوايا بلده السلمية تجاه الجارة الشمالية، حيث عبر الخط الفاصل بين شطري الجزيرة الكورية سيرا على الأقدام، وهذا الخط يعتبر آخر حدود موروثة عن الحرب الباردة ، لينضم الى مضيفه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل. في خطوة رمزية تعبر عن إرادة المصالحة مع بيونج يانج. وقبيل عبوره الخط قال في رسالة متلفزة "أجتاز هذا الخط المحظور بصفتي رئيسا". ومشى هيون وزوجته على شريط بلاستيكي مثبت على الأرض كُتب عليه عبارتا "السلام والازدهار". وقد قال الرئيس الكوري الجنوبي عند عبوره الحدود " آمل بعد عبوري خط الحدود أن يحذو حذوي المزيد من الكوريين. هذا الخط سيزول تدريجيا وسيسقط الجدار." وقال في بيان لدى وصوله إلى بيونج يانج إن "تاريخنا المؤلم، يذكرنا بأهمية السلام، لقد حان الوقت ليتكاتف الجنوب والشمال من أجل كتابة صفحة سلمية جديدة في التاريخ". ويعد رو أول زعيم من بين شطري كوريا الجنوبي والشمالي، الذي يعبر المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة في شبه الجزيرة الكورية، مشياً على الأقدام. الرئيس روه أعلن أن تركيز كوريا الجنوبية خلال القمة مع كوريا الشمالية سيكمن فى التوصل إلى اتفاق من شأنه أن ينهى رسميا الحرب الكورية التى دارت رحاها فى الفترة من 1950 إلى 1953 . وكان روه قد أكد فى الاحتفال بالذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس القوات المسلحة الكورية الجنوبية والذى وافق يوم أمس"العديد من القضايا مدرجة على جدول الأعمال ، ولكنى سأعطى الأولوية لترسيخ سلام دائم فى شبه الجزيرة الكورية ." وأضاف أنه بدون سلام فإن المناقشات حول رفاهية البلدين ووحدتهما ستكون"بلا معنى ." وقال إنه إذا مضت محادثات السلام بشكل طيب ، فإن كوريا الجنوبية ستبحث إجراءات لبناء الثقة بين جيشى البلدين ونزع التسلح . ومضى الى القول أن"حالة المواجهة المنتشرة فى منطقة شمال شرق أسيا يجب أن تفسح الطريق أمام المصالحة والتعاون ."مشددا على أنه لا يمكن تحقيق أية خطوات حيال السلام بدون دفاع قوى. وبحسب الرئاسة الكورية الجنوبية فان روه ونظيره يمكن ان يبحثا خلال لقائهما التوقيع الرسمي على معاهدة سلام للخروج من الوضع القائم حيث لم يتم التوصل سوى الى هدنة في ختام الحرب التي جرت بين البلدين اللذين لا يزالان نظريا في حالة حرب. إعلان سلام وحسب مصادر في سول فإن الرئيسيين الكوريين قد يتطرقان إلى إبرام معاهدة رسمية للسلام، في حين توقع مراقبون أن يقتصر على توقيع إعلان سلام بالأحرف الأولى على الأرجح. وجدير بالذكر أن الكوريتان قد وقعتا بعد الحرب هدنة وليس معاهدة سلام، وما زالتا نظريا في حالة حرب. ولا تهدف هذه القمة التي تستمر ثلاثة أيام إلى بحث قضية البرنامج النووي الكوري الشمالي، لكن من المرجح أن تطرح هذه المسألة خلال المحادثات. وكان روه قد تعهد في خطابه بمناسبة عيد القوات المسلحة الكورية الجنوبية بعمل ما في وسعه لتكون هذه القمة دليلا على نجاح المفاوضات السداسية والمساهمة في إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية وشمال شرق آسيا. وقد شكك محللون في أهمية النتائج التي يمكن أن تتوصل إليها هذه القمة رغم أهميتها، مشيرين إلى أنها تعقد بطلب من الرئيس الكوري الجنوبي الذي تنتهي ولايته مع نهاية السنة الجارية. ويرى البعض أن القمة الحالية بين الكوريتين تثير الكثير من التساؤلات خاصة بشأن توقيتها، مشيرة إلى أن الرئيس الكوري الجنوبي الذي تشهد شعبيته تراجعا ملحوظا وفقا لاستطلاعات الرأي، اختار هذا الظرف بهدف إعطاء دفعة للحزب الحاكم قبل نحو شهرين من الانتخابات التشريعية.فبينما لم يتبق لروه سوى خمسة اشهر في السلطة قال انه سيستخدم القمة للسعي من اجل السلام واجراء خفض في الاسلحة في نهاية الامر في شبه الجزيرة الكورية حيث يقف نحو مليوني جندي في مواجهة بعضهم البعض معظمهم بالقرب من الحدود. من ناحيته اعتبر كيم داي جونج الرئيس الكوري الجنوبي السابق (1997 - 2003) الذي وقع مع كيم جونج ايل الاعلان المشترك في 15 يونيو 2000 الذي اطلق تحسن العلاقات ان "القمة ستشكل خطوة كبرى الى الامام بالنسبة للسلام والتبادل بين البلدين". وهذه السياسة المعروفة باسم "شعاع الشمس" والمستوحاة من السياسي الالماني فيلي برانت ترجمت عبر عقد اجتماعات لم شمل العائلات وتعاون اقتصادي اكبر. ومن المعروف أن كوريا الشمالية التي تواجه صعوبات في تامين المواد الغذائية لسكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة ، ستسعى للحصول على مزيد من المساعدات من كوريا الجنوبية والمانح الرئيسي لها. ويذكر أن دخل الفرد في كوريا الجنوبية يفوق دخل الفرد في كوريا الشمالية بمعدل 17 مرة. وقال كوه يو هوان الاستاذ في جامعة دونغكوك في سيول "في الوقت الراهن ، القلق الرئيسي لدى كيم جونج ايل هو الحصول على مساعدة اقتصادية من كوريا الجنوبية. وفي الوقت نفسه سيسعى الى تحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة". وتتزامن هذه القمة الكورية مع استمرار المباحثات السداسية الرامية لتفكيك البرنامج النووي للنظام الشيوعي في بيونج يانج. وكانت المباحثات السداسية التي تشارك فيها بجانب الولاياتالمتحدة وكوريا الشمالية، اليابان، وروسيا، والصين فضلاً عن كوريا الجنوبية قد تمخضت عن اتفاق تاريخي في 13 فبراير الماضي، وافق بموجبها النظام الشيوعي في كوريا الشمالية على تفكيك برنامجه النووي. ويذكر ان هذه القمة تعقد في وقت يبدو فيه ان كوريا الشمالية تحقق تقدما على طريق نزع اسلحتها النووية في إطار الإتفاق بين هذه الدول الست . كوريا الشمالية التي اجرت أول تجربة على قنبلة ذرية في اكتوبر 2006 مثيرة ردود فعل غاضبة دوليا ، بدأت منذ الإتفاق فى تفكيك منشآتها النووية. وقام النظام الشيوعي في منتصف يوليو الماضى بإغلاق اهم موقع نووي لديه ووافق على الاعلان عن كل برامجه النووية وتفكيك كل المنشآت النووية القائمة. وسيتلقى نظام بيونج يانج في المقابل مساعدة كبرى في مجال الطاقة فيما اثيراحتمال تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن. وكان من المقرر عقد هذه القمة، التي ستركز أجندتها على برنامج كوريا الشمالية النووي، والاقتصاد والحدود بين الدولتين، في أغسطس، إلا أن الفيضانات العارمة في الجانب الشمالي أدت لتأجيلها، ويأمل الرئيس الكوري الجنوبي أن ترفع نتائج القمة المتزامنة ونهاية ولايته شعبيته المتدنية ومن حظوظ الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة في مواجهة حزب المحافظين المعارض. وكان شطرا كوريا قد وافقا في أغسطس على الإعلان عن عقد القمة في آن واحد بعد قيام رئيس جهاز الاستخبارات القومية في كوريا الجنوبية، كيم مان-بوك، بعدة زيارات سرية إلى بيونج يانج، وأوضح البيان الحكومي الصادر عن رئيسي جهازي الاستخبارات في الشطرين أن هدف القمة هو "رفع علاقات الجنوب والشمال إلى مستويات أعلى، وتدشين مرحلة جديدة من السلام والازدهار والوحدة في شبة الجزيرة الكورية". والقمة هي الثانية بين شطري كوريا، اللتان مازالتا في حالة حرب، تقنياً، منذ إنتهاء الحرب الكورية (1950-1953) باتفاق لوقف إطلاق النار وليس معاهدة سلام، وأسفرت القمة الأولى التي عقدت بين قادة الكوريتين عام 2000 عن بدء التعاون الاقتصادي بين الشطرين، وجمع شمل العائلات التي شتتها تقسيم الحدود، إلا أن إنجازات القمة شابتها فضيحة الكشف عن دفع حكومة كوريا الجنوبية أموالاً لدعم الاجتماع. يُذكر ان الحرب التي دارت بين الجانبين بين عام 1950-1953 لم تنته بشكل رسمي ولكن سول أحيت الأمل في امكانية التوصل الى هدنة دائمة، وتأمل أن تؤدي القمة الحالية الى تمهيد الطريق لذلك. وقد حصل الرئيس الكوري الجنوبي في ذلك الوقت على جائزة نوبل للسلام بسبب انتهاجه سياسة الانفراج مع كوريا الشمالية.ومنذ ذلك الوقت تم ربط الطرق وخطوط السكة الحديدية بين البلدين كما تم جمع شمل عائلات كان أفرادها موزعين بين البلدين ويقول مراقبون ان مساعي كوريا الجنوبية للتقرب من الشمال والمساعدات التي قدمتها فشلت في اقناع الأخيرة بكسر العزلة وتحسين أوضاع حقوق الانسان فيها. وبالرغم من أن بعض المراقبين يشككون في أن لدى كيم أي ميل للمصالحة مع كوريا الجنوبية.وأن زعيم كوريا الشمالية يرغب فقط في انتزاع مساعدات اقتصادية اضافية تحت التهديد العسكري، مع وجود تحذيرات حزب المعارضة المحافظ في كوريا الجنوبية رو من تقديم تنازلات اقتصادية بغرض الاتفاق فقط. إلا ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعرب عن تفاؤله إزاء إمكانية توصل كوريا الشمالية والجنوبية إلى تسوية لكل خلافاتهما وتحقيق المصالحة لدى إجتماع رئيسي البلدين في بيونج يانج.ويقول البروفيسور يانغ مو جين من جامعة دراسات كوريا الشمالية ان الظروف الحالية مؤاتية لتوثيق العلاقات بين بيونغ يانغ وصول: "تتسم الظروف الحالية حول شبة الجزيرة بالإيجابية، فقد أحرز تقدم بشأن المحادثات السداسية، كما طرأ التحسن على العلاقات بين كوريا الشمالية والولاياتالمتحدة وبين الكوريتين، وأعتقد أن زعيم كوريا الشمالية سيؤدي دورا نشطا وفعالا." إلا أن دو هي يون رئيس التحالف المدني من أجل حقوق المختطفين والفارين من كوريا الشمالية يقول: "ينبغي أن يحتل موضوع المختطفين من كوريا الجنوبية مكان الصدارة على جدول أعمال القمة." وتشير استطلاعات الرأي ان الكوريين الجنوبيين يؤيدون القمة واعادة الوحدة في نهاية المطاف لكنهم يريدون ان تتم هذه العملية تدريجيا خوفا من ان تؤدي تكاليف استيعاب الشمال الفقير الى تحطيم اقتصادهم وهو رابع أكبر اقتصاد في اسيا. ويتهم نقاد روه الذي لا يتمتع بشعبية بأنه يستخدم القمة لاثارة احلام باعادة الوحدة لتحسين فرص معسكره الليبرالي في استطلاعات الرأي قبل انتخابات الرئاسة التي ستجري في ديسمبر القادم. 2/10/2007