كتب:هاني عسل ماذا حققت المحادثات السداسية حتي الآن لحل الأزمة النووية الكورية الشمالية؟ وهل هي الطريقة الوحيدة لإنهاء التوتر في شبه الجزيرة الكورية؟ وما هو مستقبلها عقب التصعيد العسكري الخطير بين الكوريتين. المحادثات السداسية هي المحادثات التي تجمع بين مسئولي ست دول معنية بالوضع في شبه الجزيرة الكورية وتحديدا الملف النووي لكوريا الشمالية وهي: كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والولاياتالمتحدة وروسيا واليابان, إضافة إلي الصين, الحليف الأكبر وربما الأوحد لبيونج يانج حاليا, وقناة الاتصال الرئيسية بين المجتمع الدولي وسلطات كوريا الشمالية. بدأت هذه المحادثات رسميا عقب انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار النووي عام2003, وقد أحرزت الجولتان الرابعة والخامسة نتائج إيجابية للغاية في تقريب وجهات النظر بين بيونج يانج وجيرانها, وحدثت انفراجة بعد هاتين الجولتين علي صعيد العلاقات بين الكوريتين وبدء تنفيذ بعض المشروعات الاقتصادية علي الحدود بينهما, مثل تنظيم رحلات لنقل السائحين من كوريا الجنوبية إلي منتجع جبل جوم جانج في الشطر الشمالي, ومثل إقامة مجمع جايسونج الصناعي الذي يدار بأموال كورية جنوبية ويعمل فيه عمال من كوريا الشمالية. وكان من أبرز نتائج هذا التقدم موافقة كوريا الشمالية علي إغلاق منشآتها النووية في مقابل حصولها علي مساعدات من الوقود وبدء القيام بخطوات نحو تطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة واليابان. وكان من المفترض أن تسفر هذه المحادثات في النهاية عن نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية وقبولها مبدأ التفتيش الدولي القابل للتحقق علي منشآتها النووية المشكوك في أمرها, وبالتالي يتم التوقيع علي معاهدة سلام رسمية في شبه الجزيرة الكورية تنهي حالة الحرب التي ما زالت قائمة بين البلدين منذ الحرب الكورية التي وقعت في الفترة من بين عامي1950 إلي1953 وانتهت باتفاق هدنة فقط دون التوقيع علي معاهدة سلام. ولكن حدث تدهور في المحادثات عقب تجربة كورية شمالية فاشلة لإطلاق قمر صناعي في إبريل2009, حيث أصدر مجلس الأمن الدولي إدانة لهذه الخطوة من جانب كوريا الشمالية, وهو ما أغضب بيونج يانج ودفعها إلي إعلان انسحابها من المحادثات السداسية, والأسوأ من ذلك أنها قررت علي الفور استئناف نشاطها في برنامج تخصيب اليورانيوم من أجل تقوية الرادع النووي لديها, وأعقب ذلك قيام بيونج يانج بطرد جميع المفتشين النوويين الدوليين من أراضيها. وعلي الرغم من أن التجربة الصاروخية فشلت بسقوط الصاروخ في مياه المحيط الهادي, فإن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتبرت أن كوريا الشمالية تستحق العقاب, خاصة بعد أنباء توافرت عن قيامها بتجربة علي' الصاروخ نايبودونج2', ودعت كوريا الجنوبية المجتمع الدولي إلي توقيع عقوبات أكثر تشددا علي بيونج يانج, وهو ما أدي إلي صدور قرار مجلس الأمن الدولي. وبعد ذلك, بدأت معظم الأطراف المشاركة في المحادثات السداسية تعتبر أن بيونج يانج تنتهك عددا غير قليل من قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدولية, وظهر هذا واضحا من خلال سلسلة من التصرفات مثل التجارب الصاروخية ومواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم ووقف المشروعات الاقتصادية المشتركة مع كوريا الجنوبية, وآخر هذه الوقائع حادثة إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية' تشونان' التي نفت بيونج يانج مسئوليتها عنها, ولكن كل هذه الأجواء جعلت من استئناف المحادثات السداسية في القريب العاجل أمرا شبه مستحيل, بل ومهدت الطريق أمام حدوث التصعيد الأخير الذي بدا وكأنه نهاية متوقعة لتسلسل طبيعي من الأحداث التصعيدية. ولكن إذا كان هذا هو ما حدث من جانب كوريا الشمالية, فهناك أخطاء أيضا ارتكبت من جانب الأطراف الأخري في طريقة التعامل مع نظام بيونج يانج, فإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش تعاملت مع كوريا الشمالية باستعلاء شديد, وصنفتها ضمن محور الشر والدول الراعية للإرهاب وتعنتت كثيرا في التراجع عن أي من هذه الخطوات ولو من باب التنازلات الدبلوماسية التي كان من الممكن أن تصنع الفارق في المحادثات السداسية, وكذلك سول التي حولت سياستها تجاه بيونج يانج التي كان ينتهجها الرئيس السابق روه مو هيون' سياسة الشمس المشرقة', والتي كانت تتضمن إبداء قدر كبير من الصبر والمرونة تجاه نظام بيونج يانج, إلي سياسة أكثر صرامة مع قدوم لي ميونج باك إلي السلطة في البيت الأزرق, مقر الرئاسة في كوريا الجنوبية. أما الآن, فقد أصبح مستقبل المحادثات مشوبا بالغموض حتي من قبل وقوع الاشتباك العسكري الأخير بين الكوريتين, فقد أعلن ستيفن بوسوورث المبعوث الأمريكي الخاص المكلف بالملف النووي الكوري الشمالي قبل أيام من هذا التصعيد أن المحادثات السداسية لا يمكن استئنافها الآن مادامت بيونج يانج ما زالت تعمل في تشغيل منشأة نووية مخصصة لتخصيب اليورانيوم. لا حل عسكريا للتوتر في شبه الجزيرة الكورية, والطريق الوحيد لإحلال السلام في تلك المنطقة هو تخلي بيونج يانج عن سياساتها الحالية والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي والامتناع عن الإجراءات الأحادية. وفي الوقت نفسه, فإن علي الأطراف الأربعة الأخري المشاركة في المحادثات السداسية: الولاياتالمتحدة وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية, الامتناع عن التعامل بكثير من التعالي والتعنت مع بيونج يانج, والابتعاد عن التدخل في الشئون الداخلية لهذا البلد, علي الأقل من باب اللباقة الدبلوماسية من أجل تفويت الفرصة علي محاولات إفشال المحادثات السداسية والدور الأكبر الآن سيكون علي الصين, فهي الطرف الوحيد القادر علي العمل كجسر بين كوريا الشمالية والدول الأربع الأخري, وسيكون دورها في فترة التصعيد الحالية هو تقريب وجهات النظر وإعادة الأمور إلي نصابها وإقناع الجميع بأن المحادثات السداسية هي الحل الوحيد ولا حل غيره, لأن البديل لا يقدر عليه أحد من الأطراف الستة. المحادثات السداسية هي حل المشكلة النووية الكورية الشمالية, بشرط أن تكون الأطراف كلها مستعدة لتقديم تنازلات قد تكون مؤلمة حتي يكون لهذه المحادثات معني.