وزير الدفاع يلتقي نظيره القبرصي لبحث التعاون المشترك بين البلدين    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لحماية المرأة    البورصات الأوروبية تغلق على تباين وسط ترقب تطورات المفاوضات التجارية    محافظ دمياط: إطلاق حزمة من الإجراءات لإحياء حرفة النحت على الخشب    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    محافظ الغربية يجرى جولة بمدينة طنطا سيرا على الأقدام    رومانيا تعين رئيس وزراء مؤقتا بعد هزيمة ائتلاف في انتخابات الرئاسة    اقتصادي: مصر قد تستفيد من الحرب التجارية بين الصين وأمريكا    الكرملين: بوتين سيزور الصين في أغسطس المقبل    بولندا تتهم روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الرئاسية    الأهلي يفوز على سبورتنج ويتأهل لنهائي كأس مصر لكرة السلة    سموحة يتعادل مع طلائع الجيش في الدوري    ضبط متهمين بالاستيلاء على مبلغ مالي من شخص بالجيزة    مدير المركز القومي للترجمة تبحث سبل تعزيز التعاون مع القائم بأعمال سفير الهند بالقاهرة    نجوم الفن وصناع السينما يشاركون في افتتاح سمبوزيوم «المرأة والحياة» بأسوان    أحدث ظهور ل ابنة نور الشريف    قصر ثقافة الفيوم ينظم محاضرة بعنوان "الأيدي العاملة"    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    سنن الحج المؤكدة ومتى يبدأ الحجاج بالتلبية؟.. التفاصيل الكاملة    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    أمين الفتوى: الزواج قد يكون «حرامًا» لبعض الرجال أو النساء    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني 2025    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    البابا تواضروس الثاني يزور البرلمان الصربي: "نحن نبني جسور المحبة بين الشعوب"    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنجلاديش    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    ضبط مصنعات لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمى فى حملة بسوهاج    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    نجم برشلونة يضع محمد صلاح على عرش الكرة الذهبية    في يومه العالمي- 5 زيوت أساسية لتخفيف أعراض الربو    مشروبات صحية يُنصح بتناولها لمرضى السرطان    وزير الاستثمار يلتقى رئيسة البنك الأوروبى لتعزيز الاستثمارات الأوروبية فى مصر    الأهلي يحيي الذكرى ال 23 لرحيل صالح سليم: الأب الروحي..لن ننساك يا مايسترو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    "الخارجية" تتابع موقف السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    مجلس مدينة الحسنة يواصل إزالة الآثار الناجمة عن السيول بوسط سيناء    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    باكستان تتهم الهند بوقف تدفق مياه نهر تشيناب    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    إلغاء الرحلات الجوية بعد استهداف مطار بورتسودان بمسيرات للدعم السريع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية العمر كله
آخر كلماتها ل «الأهرام» قبل أيام من الرحيل:«بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها.. والحياة حلوة ما تخليش حد يسرقها منك»
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 01 - 2015

فاتن حمامة هى أيامنا الحلوة، سيدة القصر، حكاية العمر كله، نهر الحب الذي عاش بيننا وسيبقى، سنوات البراءة، فى يوم سعيد، واحلام الشباب الصغير صاحبة القلب الجميل والرومانسية الدافئة.. سرنا معها الى ارض الأحلام .. هى التى قال لها طه حسين عميد الادب العربى عندما شاهد العرض الاول لفيلم دعاء الكروان: «لقد جسدت آمنة أفضل مما كتبت عنها».
فاتن.. رمز البراءة والجمال والعذوبة والإحساس والحب والحنان والقوة والصمود والدلال والكرامة والدقة والقلق.. صاحبة الذوق الرفيع والأدب الحقيقى والأصالة والكبرياء والشموخ والشجن.. صاحبة الصوت القوى الأنيق الراقى العذب.. فنانة القرن وسيدة الشاشة .. هى الباب المفتوح لكل ما له قيمة ولكل ما له عمق.. هى وجه القمر الفاتن المشرق السعيد دائما.. لم تكن أبدا تحكى عن أوجاعها وأحزانها.. كانت تقول دائما: «خلينا نفكر فى بكره وبلاش نفكر فى امبارح.. اللى فات فات».. كان لها كاريزما نادرة وجاذبية خاصة.
فاتن.. ضمير الفن، ولحن الخلود الدائم بيننا.. هى يومنا الحلو الذى رحل وتركنا.. هى الام الحائرة فى امبراطورية ميم، حائرة بين ابنائها الصغار واحتياجها للسند.. وهى التى جسدت تضحية الام بكل شئ بأروع أحساس.. هى التى علمتنا معنى الحب وكيف يكون، وكيف يحافظ الانسان على مبادئه مهما خسر ومهما فقد.. هى المؤمنة بفكرة الإحساس الاول وصدقه.
فاتن.. التى قدمت للسينما المصرية كل الأدوار وجسدت كل المعانى النبيلة والجميلة ..هى الطفلة الشقية والبنت اللطيفة والعاشقة الحزينة الفلاحة الذكية والصعيدية الأصيلة واليتيمة المقهورة والزوجة الحائرة والمطلقة المكسورة والأرملة الممزقة، هى الاستاذة والمعلمة، وهى دفتر أحوال الست المصرية، هى استاذة الدقة والرقة و الإحساس والموهبة.. هى عاشقة هذا الوطن.
أول لقاء بيننا فى عام 1996 منذ أكثر من 18 عاما، كنت فى بداية حياتى الصحفية اتصلت بها وعرفتها بنفسى وقلت لها اننى اجريت حوارا مع الاستاذ مصطفى أمين تم نشره على خمس حلقات فى مجلة نصف الدنيا..واننى أحلم بأجراء حوار مع فاتن حمامة.. قالت لى بصوتها الأثير: «شفت الحوار تعالى بكره الساعة 12».. ذهبت اليها فى منزلها فى عمارة ليبون بالزمالك ..وكان اللقاء الاول بيننا، وكانت هى كالعادة رقيقة وعذبة وأنيقة وجميلة.. وبدأنا الحوار.. كنت متلعثمة وقلقة وكانت هى تمتص قلقى رويدا رويدا.. كان علينا ان نكمل الحوار فى عدد من الجلسات ووافقت هى.. ولكن لظروف ما تعطل الحوار أسابيع بسبب أنشغالها.. وفى احد الايام اتصلت بها وقلت لها اننى فى الحقيقة أتمنى ان أكمل الحوار الجميل سريعال اننى أشعر بالتعب، لأننى على وشك الولادة.. وبمنتهى الاهتمام سألتنى عن صحتى.. وقالت: «أجلى الحوار لما بعد الولادة» ،فقلت لها اننى احلم ان يكمله معى جنينى وأن يبدأ حياته بعد أنه يكون قد التقى بسيدة الشاشة واستمع لها.. ضحكت، وبحنان الام حددت اليوم التالى فورا لاستكمال الحوار.
وبالفعل، تم نشر الحوار الاول بيننا على ثلاث حلقات.. وكانت سعيدة به.. وتوالت الحوارات الصحفية والإنسانية بيننا منذ ذلك اليوم.. وقدمت للصحافة المصرية عددا خاصا عن فاتن حمامة سنة 2003بأشراف أستاذة الصحافة المصرية القديرة سناء البيسى. وكان عددا غير مسبوق فى الصحافة المصرية، يقع فى حوالي مائتى صفحة، يضم حوار طويلا اخر معها.. فتحت فيه قلبها وعقلها أيضا على مصراعيهما.. قالت بتواضع اننى أخذت من السينما اكثر مما قدمت.. أرى أن تبحث أمريكا عن مكان اخر لتمثال الحرية.. لم أحقق كل احلامى.. بعد مرضى لم أعد اهتم بأشياء كثيرة.. اشعر بسوء حظ لعدم تقديمى رواية لنجيب محفوظ.. السينما القديمة وحشانى جدا.. انا مؤمنة بعمل المرأة لكن ليس على حساب اسرتها.. ولكن لابد ان يكون الزوج متعاونا ويتخلى عن فكرة سي السيد.. الزمن لن يعود مرة اخرى، لكن لو أفترضنا ذلك فإننى الان بعد مرور كل هذه السنوات وبعد أن فهمت أشياء كثيرة فهمًا عميقا أقول بداخلى: «خسارة يا ريتنى فهمت حقائق الأشياء قبل كده».. الانسان عليه الا يندم على ما حدث ولكن علينا التعلم من أخطائنا وان نصحح الأخطاء بقدر الإمكان،وان نعوض من أخطأنا فى حقه.
وباقتضاب كانت فاتن حمامة تذكر فترة الستينيات وقالت عنها: قهر الضغوط جعلنى أهرب من مصر فى تلك الفترة ولكن حينما وقعت هزيمة 1967كنت فى باريس ونظمت حملات لجمع المال والملابس لابناء الشهداء من مصر والعرب.
وفى ذلك العدد الخاص، قال أديب مصر الكبير نجيب محفوظ عنها: فاتن كانت رائعة فى «دعاء الكروان»، ونافست به على جائزة الأوسكار ووصلت للتصفية الاخيرة.. كنت أسعى دائما لمشاهدة أفلامها، فهى أفلام ممتازة وأدوارها ممتازة، وهى تستحق لقب سيدة الشاشة بجدارة. وقال عنها الأديب الكبير يوسف ادريس: انها عبقرية سينمائية.
وفى حوار مع الروائى الكبير خيرى شلبى قال: فاتن فوق الألقاب وهى تشبه يوسف ادريس فى القصة القصيرة وصلاح عبد الصبور فى الشعر وعبد الحليم حافظ فى الغناء.. هى علامة ونقلة كلاسيكية مهمة.. صوتها فيه أعجاز.. هى اللؤلؤة التى تبقى مضيئة فى ذاكرة ووجدان القوم الى ما لانهاية ..ان أفلام فاتن حمامة تشبه شجيرات زرعتها بيدها فى ارض الوجدان ..
وقال لى الناقد الكبير رفيق صبان: فاتن موهبة منحوتة على ملامح الوجه الجميل.. وهى من القلائل التى استطاعت ان تحول نفسها الى أسطورة ليس بالمعنى الكبير للكلمة وإنما بالمعنى الرمزى.. فاتن حمامة شديدة الذكاء ولا يماثل ذكاءها الا ذكاء محمد عبد الوهاب وأم كلثوم و عبد الحليم حافظ.. عادت الى السينما مرة اخرى بعد انقطاع كملكة متوجة فى الخيط الرفيع.
وضم العدد شهادة لمصطفى أمين صديق عمرها الذى كانت تعتز جدا به وبصداقته ونبل اخلاقه، كما ضم مذكراتها الوحيدة مع الإذاعى الكبير وجدى الحكيم وقالت فى هذه الحلقات: لم تكن بينى وبين شادية أى غيرة فنية بل بالعكس، وتقول ان فيلم لحن الخلود قدمنا عشر خطوات الى الامام وان فريد الاطرش غضب لان اجرى فى لحن الخلود كان اكبر من مديحة يسرى، كما أن الجمهور غضب جدا عندما ماتت البطلة فى فيلم أيامنا الحلوة..!!
وقالت ايضا: لى الفخر لأن فيلم «اريد حلا» قدم بقعة ضوء للسيدات المصريات و العربيات. وهو فيلم أرضى ضميرى الفنى ولا أنسى انى تركت ابنى طارق مريضا من اجل فيلم دعاء الكروان. وفى قصص حكاية وراء كل باب لم أقتنع بالديكور فقررت ان انقل اثاث منزلى الى الاستديو حتى تكون الصورة معبرة اكثر. وقال المخرج الكبير كمال الشيخ فيلم الليلة الاخيرة الذى عرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 1964 كان مجرد عرضه فى المسابقة الرسمية اعترافا من اللجنة بجودة و أهمية الفيلم.
وقالت عنها الأديبة سكينة فؤاد التى كتبت لها ليلة القبض على فاطمة..أهديت لها الروايةوفى اليوم التالى اتصلت بى وقالت لى لم اعرف طعم النوم ولابد ان اقدمها، وفعلا قدمت فاتن مباراة فى الصدق الفنى المدهش ،وكانت فاتن تريد ان تقول ان المرأة يجب ان تعيش وتحب وتحيا فى ايه مرحلة من عمرها،وعلينا ان نترك الموروثات الخاطئة،كانت فى ادائها كالحروب الحادة تجرح وتدمر وتقول كلمات فاصلة على لسان فاطمة..
وفى هذ العدد ايضا قالت منى ذو الفقار المحامية القديرة فيلم اريد حلا ساعد على إقرار قانون حق الخلع سنة 2000،وفيلمها لا عزاء للسيدات انصف المرأة وطالب بأن يكون للمرأة فرصة اخرى للاختيار ولا يقف المجتمع ضدها هكذا بكل قسوة .وان هذا الفيلم طالب بتغيير التقاليد السائدة العقيمة. وفى هذ العدد ايضا قالت زينب صالح سليم صديقة عمرها لمدة تزيد عن الستين عاما.. عشرة فاتن حمامة تطول العمر.
واتذكر ان سيدة الشاشة فاتن حمامة سألتنى عن الكتاب الذى أعده وما اذا كان يضم اى معلومات عن عمر الشريف فقلت لها «نعم» .. وعندئذ طلبت منى حذف هذا الجزء، فلم اجد إمامى الا النزول على ما ترغب.
وعند صدور ذلك العدد من مجلة «نصف الدنيا»، سعدت به سعادة غامرة وقالت لى "لما اموت انشرى هذا العدد مرة اخرى فهذا العدد هو انا"وقالت لى احيى أمانتك الصحفية.. واتمنى بالفعل ان يعاد نشر هذا العدد التذكاري عن سيدة الشاشة الرائعة فاتن حمامة.
وأتذكر أننى وأستاذتى سناء البيسى رئيسة التحرير لأهم مجلة فى مصر صاحبة الانفرادات الصحفية بحق وعادل صبرى مدير التحرير الفنى سهرنا نعمل حتى الصباح.. وجاء خطاب من أدارة التوزيع تبلغ الأستاذة سناء البيسى بأن العدد نفد من السوق فى ساعات محدوة.
وتوالت اللقاءات الانسانية بيننا فى منزلها البعيد فى القطامية وكانت دائما تقول لى مصر بلد جميل لابد ان نحافظ عليه،وكانت متابعة دائمة لكل ما يحدث فى مصر وكانت تقول «خايفة على مصر» ..وكانت حريصة دائما على النزول الى صناديق الاقتراع لتدلي بصوتها لاقرار الدستور ولاختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما تعددت اللقاءات الصحفية وقالت فى أخر حوار لها لى ونشر فى الاهرام منذعدة أشهر: سعدت بعودة عيد الفن ..لانه كانت هناك فى الحقيقة محاولة للاعتداء على الفن والتعامل معه باعتباره مهنة سيئة السمعة.. ..ومحاولة لاختطاف هوية مصر..المصريين محتاجين بعض الفرح
وارى ان 30 يونيو انقذ مصر ومن بعده يوم 4 يوليو ، كادت الهوية و العادات المصرية ان تضيع ، واكثر ما يؤكد على ذلك ان المصريين كانوا يباركون لبعضهم البعض بالشوارع ، شعرت ان مصر التى كادت ان تخطف رجعت مرة اخرى لنا.
كما قالت: كنت خائفة فى فترة حكم الاخوان ، ولكن لا أستطيع ترك مصر أبدا. فى الحقيقة كنت قلقة من ان يستمر حكم الاخوان, كنت أرى المشهد أسود قاتما. انا دائما اشعر بالخطر بشكل اكبر من حجمه، لكن الحمد لله .
وأضافت: أخشى على مصر من الاٍرهاب. للأسف الجهلة الذين يسوقون أفكارا مثل انك ستدخل الجنة اذا قتلت فلانا او ان القتل حلال هم السبب الرئيسي فى هذه الحالة ..انا حزينة على هؤلاء الجنود الشباب الذين يموتون كل يوم. اعتقد ان هناك مخططا غربيا تجاه مصر بالطبع لأننا أفسدنا عليهم المشروع الذى كانوا يريدون تحقيقه وأنقذنا هويتنا من الضياع .
وباحساسها الصادق دوما، قالت: خايفة على سيناء جدا جدا. هذه أرضنا التى ارتوت بدماء الجنود المصريين. فى وقت ما أعتقدت انها اصبحت خالية من العنف والارهاب لكن للأسف رجع الارهاب لها مرة اخرى .
سألتها قائلة: فى فيلم امبراطورية ميم ، كان هناك مشهد بديع غير مألوف على المُشاهد للسينما المصرية وهو مشهد الدعاية و الصناديق الانتخابية ، فقالت جاءت هذه الفكرة من إحسان عبد القدوس فهو الذى كتب القصة من الألف للياء ، كان هذا الفيلم عبارة عن رواية قصيرة مكتوبة فى ثلاث صفحات لكن عندما بدأ كتابة السيناريو ..أكتشفنا أن هناك أشياء كثيرة ناقصة فذهبت لإحسان عبد القدوس لأرجوه أن يكتب لنا الحوار ، وخصوصا حوارات الاطفال التى كانت تحتاج لحرفية عالية ، وكان اصل الرواية ان البطل رجل وليس امراة ولكننا قمنا بتوظيفه لتقوم به امرأة.
قلت لها: هل كانت ستختلف نهاية الفيلم اذا تم عمله الان، هل كانت الام تملك القدرة اكثر على الحفاظ على أولادها وحبها معا أم ستضحى الام بحبها خوفا على أبنائها؟
ردت قائلة: مهما اختلف الزمن.. الأم هى الأم والاولاد هم الاولاد وحب امتلاكهم لأمهم سيمثل مشكلة، وخصوصا ان نصف عدد الاولاد كانوا صغيرى السن فكان من الصعب ان يحدث هذا التوازن ولذلك تركنا النهاية مفتوحة الى حد ما .لعل الزمن يتغير.
وتقول ان الفن كان يلعب الدور الثاني فى الاقتصاد المصرى بعد زراعة القطن ، كان زراعة القطن وتصديره فى المركز الاول ومن بعده الفن فالسينما المصرية فى ذلك الوقت كانت تنتج حوالى مائة فيلم فى العام الواحد وكان ذلك يدر على مصر الكثير من قبل البلاد العربية .
سألتها: كيف قامت فاتن حمامة بدور عزيزة، ذلك الدور البديع، السيدة الفلاحة التى تساعد اسرتها و زوجها المريض وتتعرض لمحنة رهيبة وتحاول ان تحل الامر باقل خسائر ؟
فقالت: حبيت شخصية البطله جدا، وبمجرد ان قرات الرواية وافقت عليها ثاني يوم ، فى الحقيقة يوسف ادريس كان فى غاية البراعة فى هذه الرواية
وايضا قمت بدور الصعيدية فى عمل للمبدع عبد الرحمن الابنودى ؟
هذا الفيلم ايضا كان رائعا ولا اعرف لماذا لا يعرض هذا الفيلم ، ولا اعرف طريق نيجاتيف هذا الفيلم ، أحببت هذا الفيلم كثيرا وخصوصا أغنية مشهد الموت، فالمرأة جاءت بمن يقتل ابنها من اجل الا تتعرض للعار ، وبعد موته راحت تلطم بعد ذلك .
سألتها هل ترى ان المرأة المصرية مازال امامها الكثير لكى تأخذ حقوقها ؟
قالت: بدأت المرأة المصرية تأخذ حقوقها بالفعل واثبتت جدارة هايلة فى الفترة الماضية ولابد ان تستمر بنفس الاداء ، فقد استوقفتنى مشاهد الرقص والغناء من قبل النساء اثناء التصويت الاخير على الدستور ، نحن شعب لا يستطيع أحد أن يحجمنا فنحن نحب الفن بطبعنا .
قلت: الافلام المأخوذة دائما من روايات ادبية يكون لها عمق اكثرمثل نهر الحب المستند لرواية تولستوى انا كارنيننا ولا وقت للحب عن رواية يوسف ادريس والباب المفتوح ل لطيفة الزيات ؟
قالت الراحلة فاتن: بالتأكيد ، فعندما يكتب الرواية أديب تختلف كثيرا عن اى شخص اخر ، فالاديب يبنى الشخصيات بناء محكما ويكتب تفاصيل بديعه وتشعرى ان الشخصية شخصية حقيقية من لحم ودم .
قالت: ايضا للأسف الحقد و الكره زاد فى مجتمعنا :"يا ساتر يارب، مفيش اتنين متفقين طول الوقت ، الناس بتتخانق وبتضرب بعض ، شئ مخيف جدا ، الناس مش طايقة بعض".
وقالت: افتقد للأسف وسط البلد الذى كان جميلا. الان اصبح منطقة عشوائية ! افتقد الروقان، والزحمة وهذا العدد الهائل من السيارات اصبح خانقا جدا ولا يطاق، وعندما ارى النيل او الاشجار التى حوله وانا فى وسط الزحام اشعر اننى لا استطيع التنفس، غير ذلك لا ارى سوى عدد مهول من السيارات وخاصة على الطريق الدائرى الملئ باللوريات الضخمة المفزعة .
سألتها: ما الذى يدخل البهجة على فاتن حمامة ؟ فقالت: الأطفال الصغار.
قلت: وكيف تستقبلين تحيات جمهورك الذى يحبك فى الشارع؟ ردت سريعا: باسعد بهم جدا .
وعن حصاد ثورتين فى ثلاث سنوات وما اذا كان المصريون لا يزالون مفتقدين للحرية، قالت: للأسف نحن فهمنا الحرية غلط ، فالحرية لها واجبتها ايضا فإذا اردت ان تعبر عن رأيك لابد ان تسمع الرأى الاخر، وقد فقدنا الصبر ، الناس بقت بتتخانق اكتر ما بتضحك .
وفى الوعكة الصحية الاخيرة التى ألمت بها، قالت ل «الاهرام»: لدينا رئيس يحاول النهوض بالبلاد ،أشعر بالصدق الشديد بكل مجهوداته،وخاصة مشروع قناة السويس.الذى يمثل املا ونورا جديدا للاجيال الجديدة ..بدأنا نرى الأمل..
ومنذ ايام قليلة، قبل الرحيل الأخير، أتصلت بها ليأتينى صوتها المشرق ذو النبرة المحبة العبقرية، وأتفقنا على اللقاء أول الأسبوع المقبل،حتى تنتهى موجة البرد الشديد ،وان نجرى حوارا للعام الجديد، وقالت لى انها قضت رأس السنة فى أسوان..«الله على أسوان.. جميلة ونظيفة .. من أبدع مايمكن.. بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها». وسألتنى عن أحوالى وقالت لى «الحياة حلوة، متخليش حد يسرقها منك».
لم أكن أعرف أنها المرة الأخيرة التى سأستمع فيها الى صوتها، وأنه كان وداعا لا وعدا بلقاء لن يتم. فقد رحلت أيقونة الفن والحب والصدق.. لكنها ستبقى رمزا سيدوم ذكره الى مئات السنين، ستبقى دائما فاتن حمامة تتسيد قائمة فنانى العصر الذهبي للسينما المصرية ، فمهما طال الزمن ومهما كثرت الاعمال ستبقى فاتن حمامة صاحبة العزف الاوركسترالى المنفرد الذى لن يستطيع أن يعزف مثله أعتى الملحنين. فوداعا يا من كانت حكاية العمر كله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.