اليوم .. وزارة الداخلية تُعلن شروط قبول الدفعة العاشرة من معاوني الأمن (تفاصيل)    بطريرك الأقباط الكاثوليك يلتقي كهنة الإيبارشية البطريركية    اليوم.. «محلية النواب» تناقش إجراءات الحكومة بشأن تطوير وتحديث مواقف سيارات نقل الركاب    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    «المالية» تعلن تبكير مواعيد صرف مرتبات شهر يونيو    الطرق الصوفية تعلق على قرار السيسي بتطوير أضرحة آل البيت    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "سكن لكل المصريين" بالمدن الجديدة    جولة لأوقاف الإسكندرية على مساجد العامرية    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "الإبداع في التصميم التنفيذي للمنشآت الخشبية الخفيفة"    انطلاق فعاليات الملتقى التوظيفي الأول بجامعة طيبة التكنولوجية.. اليوم    أسعار اللحوم اليوم الأحد 12 مايو 2024.. البتلو ب 450 جنيهًا    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 12 مايو    الأونروا: نزوح قرابة 300 ألف شخص من رفح خلال أسبوع    شولتس: الهجوم الإسرائيلي البري على رفح سيكون عملا غير مسؤول    زوارق جيش الاحتلال الإسرائيلي تقصف رفح الفلسطينية    «القاهرة الإخبارية»: القيادة المركزية الأمريكية تسقط 3 مسيرات جنوب البحر الأحمر    موعد مباراة الزمالك ونهضة بركان في ذهاب نهائي الكونفدرالية والقنوات الناقلة    ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال اليوم    مصرع شاب في حادث تصادم بطريق شبرا بنها – الحر في القليوبية    «الأرصاد»: انخفاض درجات الحرارة في القاهرة اليوم بسبب كتل هوائية أوروبية    موعد عيد الأضحى المبارك 1445ه: تفاصيل الإجازة وموعد وقفة عرفات 2024    تحسين مظهر تطبيق واتسآب للأجهزة المحمولة    الرئيس السيسي: مصر لديها خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت والصحابة والصالحين    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    كلمة الرئيس السيسي خلال افتتاح أعمال تطوير مسجد السيدة زينب (فيديو)    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    طريقة عمل مولتن كيك، في البيت باحترافية    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    عاجل.. حدث ليلا.. قمع واعتقالات بمظاهرات تل أبيب وغضب في لبنان بسبب عصابة التيكتوكرز    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    رئيس اليمن الأسبق: نحيي مصر حكومة وشعبًا لدعم القضايا العربية | حوار    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12- 5- 2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية قد تبدأ خلال ساعات بشرط وحيد    ارتفاع مبيعات الجملة للسيارات في إبريل بواقع 9.3% سنويا    بطولة العالم للإسكواش 2024| تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة    الحكومة: تعميق توطين الصناعة ورفع نسبة المكون المحلى    «آمنة»: خطة لرفع قدرات الصف الثانى من الموظفين الشباب    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    تحذير مهم من "تعليم الجيزة" للطلاب وأولياء الأمور لهذا السبب    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    يسرا: عادل إمام أسطورة فنية.. وأشعر وأنا معه كأنني احتضن العالم    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 12 مايو 2024 (للبيع والشراء)    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    على خطى مبابي.. نافاس يعلن رحيله عن باريس سان جيرمان    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    أخبار × 24 ساعة.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    بعيداً عن شربها.. تعرف على استخدامات القهوة المختلفة    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية العمر كله
آخر كلماتها ل «الأهرام» قبل أيام من الرحيل:«بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها.. والحياة حلوة ما تخليش حد يسرقها منك»
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 01 - 2015

فاتن حمامة هى أيامنا الحلوة، سيدة القصر، حكاية العمر كله، نهر الحب الذي عاش بيننا وسيبقى، سنوات البراءة، فى يوم سعيد، واحلام الشباب الصغير صاحبة القلب الجميل والرومانسية الدافئة.. سرنا معها الى ارض الأحلام .. هى التى قال لها طه حسين عميد الادب العربى عندما شاهد العرض الاول لفيلم دعاء الكروان: «لقد جسدت آمنة أفضل مما كتبت عنها».
فاتن.. رمز البراءة والجمال والعذوبة والإحساس والحب والحنان والقوة والصمود والدلال والكرامة والدقة والقلق.. صاحبة الذوق الرفيع والأدب الحقيقى والأصالة والكبرياء والشموخ والشجن.. صاحبة الصوت القوى الأنيق الراقى العذب.. فنانة القرن وسيدة الشاشة .. هى الباب المفتوح لكل ما له قيمة ولكل ما له عمق.. هى وجه القمر الفاتن المشرق السعيد دائما.. لم تكن أبدا تحكى عن أوجاعها وأحزانها.. كانت تقول دائما: «خلينا نفكر فى بكره وبلاش نفكر فى امبارح.. اللى فات فات».. كان لها كاريزما نادرة وجاذبية خاصة.
فاتن.. ضمير الفن، ولحن الخلود الدائم بيننا.. هى يومنا الحلو الذى رحل وتركنا.. هى الام الحائرة فى امبراطورية ميم، حائرة بين ابنائها الصغار واحتياجها للسند.. وهى التى جسدت تضحية الام بكل شئ بأروع أحساس.. هى التى علمتنا معنى الحب وكيف يكون، وكيف يحافظ الانسان على مبادئه مهما خسر ومهما فقد.. هى المؤمنة بفكرة الإحساس الاول وصدقه.
فاتن.. التى قدمت للسينما المصرية كل الأدوار وجسدت كل المعانى النبيلة والجميلة ..هى الطفلة الشقية والبنت اللطيفة والعاشقة الحزينة الفلاحة الذكية والصعيدية الأصيلة واليتيمة المقهورة والزوجة الحائرة والمطلقة المكسورة والأرملة الممزقة، هى الاستاذة والمعلمة، وهى دفتر أحوال الست المصرية، هى استاذة الدقة والرقة و الإحساس والموهبة.. هى عاشقة هذا الوطن.
أول لقاء بيننا فى عام 1996 منذ أكثر من 18 عاما، كنت فى بداية حياتى الصحفية اتصلت بها وعرفتها بنفسى وقلت لها اننى اجريت حوارا مع الاستاذ مصطفى أمين تم نشره على خمس حلقات فى مجلة نصف الدنيا..واننى أحلم بأجراء حوار مع فاتن حمامة.. قالت لى بصوتها الأثير: «شفت الحوار تعالى بكره الساعة 12».. ذهبت اليها فى منزلها فى عمارة ليبون بالزمالك ..وكان اللقاء الاول بيننا، وكانت هى كالعادة رقيقة وعذبة وأنيقة وجميلة.. وبدأنا الحوار.. كنت متلعثمة وقلقة وكانت هى تمتص قلقى رويدا رويدا.. كان علينا ان نكمل الحوار فى عدد من الجلسات ووافقت هى.. ولكن لظروف ما تعطل الحوار أسابيع بسبب أنشغالها.. وفى احد الايام اتصلت بها وقلت لها اننى فى الحقيقة أتمنى ان أكمل الحوار الجميل سريعال اننى أشعر بالتعب، لأننى على وشك الولادة.. وبمنتهى الاهتمام سألتنى عن صحتى.. وقالت: «أجلى الحوار لما بعد الولادة» ،فقلت لها اننى احلم ان يكمله معى جنينى وأن يبدأ حياته بعد أنه يكون قد التقى بسيدة الشاشة واستمع لها.. ضحكت، وبحنان الام حددت اليوم التالى فورا لاستكمال الحوار.
وبالفعل، تم نشر الحوار الاول بيننا على ثلاث حلقات.. وكانت سعيدة به.. وتوالت الحوارات الصحفية والإنسانية بيننا منذ ذلك اليوم.. وقدمت للصحافة المصرية عددا خاصا عن فاتن حمامة سنة 2003بأشراف أستاذة الصحافة المصرية القديرة سناء البيسى. وكان عددا غير مسبوق فى الصحافة المصرية، يقع فى حوالي مائتى صفحة، يضم حوار طويلا اخر معها.. فتحت فيه قلبها وعقلها أيضا على مصراعيهما.. قالت بتواضع اننى أخذت من السينما اكثر مما قدمت.. أرى أن تبحث أمريكا عن مكان اخر لتمثال الحرية.. لم أحقق كل احلامى.. بعد مرضى لم أعد اهتم بأشياء كثيرة.. اشعر بسوء حظ لعدم تقديمى رواية لنجيب محفوظ.. السينما القديمة وحشانى جدا.. انا مؤمنة بعمل المرأة لكن ليس على حساب اسرتها.. ولكن لابد ان يكون الزوج متعاونا ويتخلى عن فكرة سي السيد.. الزمن لن يعود مرة اخرى، لكن لو أفترضنا ذلك فإننى الان بعد مرور كل هذه السنوات وبعد أن فهمت أشياء كثيرة فهمًا عميقا أقول بداخلى: «خسارة يا ريتنى فهمت حقائق الأشياء قبل كده».. الانسان عليه الا يندم على ما حدث ولكن علينا التعلم من أخطائنا وان نصحح الأخطاء بقدر الإمكان،وان نعوض من أخطأنا فى حقه.
وباقتضاب كانت فاتن حمامة تذكر فترة الستينيات وقالت عنها: قهر الضغوط جعلنى أهرب من مصر فى تلك الفترة ولكن حينما وقعت هزيمة 1967كنت فى باريس ونظمت حملات لجمع المال والملابس لابناء الشهداء من مصر والعرب.
وفى ذلك العدد الخاص، قال أديب مصر الكبير نجيب محفوظ عنها: فاتن كانت رائعة فى «دعاء الكروان»، ونافست به على جائزة الأوسكار ووصلت للتصفية الاخيرة.. كنت أسعى دائما لمشاهدة أفلامها، فهى أفلام ممتازة وأدوارها ممتازة، وهى تستحق لقب سيدة الشاشة بجدارة. وقال عنها الأديب الكبير يوسف ادريس: انها عبقرية سينمائية.
وفى حوار مع الروائى الكبير خيرى شلبى قال: فاتن فوق الألقاب وهى تشبه يوسف ادريس فى القصة القصيرة وصلاح عبد الصبور فى الشعر وعبد الحليم حافظ فى الغناء.. هى علامة ونقلة كلاسيكية مهمة.. صوتها فيه أعجاز.. هى اللؤلؤة التى تبقى مضيئة فى ذاكرة ووجدان القوم الى ما لانهاية ..ان أفلام فاتن حمامة تشبه شجيرات زرعتها بيدها فى ارض الوجدان ..
وقال لى الناقد الكبير رفيق صبان: فاتن موهبة منحوتة على ملامح الوجه الجميل.. وهى من القلائل التى استطاعت ان تحول نفسها الى أسطورة ليس بالمعنى الكبير للكلمة وإنما بالمعنى الرمزى.. فاتن حمامة شديدة الذكاء ولا يماثل ذكاءها الا ذكاء محمد عبد الوهاب وأم كلثوم و عبد الحليم حافظ.. عادت الى السينما مرة اخرى بعد انقطاع كملكة متوجة فى الخيط الرفيع.
وضم العدد شهادة لمصطفى أمين صديق عمرها الذى كانت تعتز جدا به وبصداقته ونبل اخلاقه، كما ضم مذكراتها الوحيدة مع الإذاعى الكبير وجدى الحكيم وقالت فى هذه الحلقات: لم تكن بينى وبين شادية أى غيرة فنية بل بالعكس، وتقول ان فيلم لحن الخلود قدمنا عشر خطوات الى الامام وان فريد الاطرش غضب لان اجرى فى لحن الخلود كان اكبر من مديحة يسرى، كما أن الجمهور غضب جدا عندما ماتت البطلة فى فيلم أيامنا الحلوة..!!
وقالت ايضا: لى الفخر لأن فيلم «اريد حلا» قدم بقعة ضوء للسيدات المصريات و العربيات. وهو فيلم أرضى ضميرى الفنى ولا أنسى انى تركت ابنى طارق مريضا من اجل فيلم دعاء الكروان. وفى قصص حكاية وراء كل باب لم أقتنع بالديكور فقررت ان انقل اثاث منزلى الى الاستديو حتى تكون الصورة معبرة اكثر. وقال المخرج الكبير كمال الشيخ فيلم الليلة الاخيرة الذى عرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 1964 كان مجرد عرضه فى المسابقة الرسمية اعترافا من اللجنة بجودة و أهمية الفيلم.
وقالت عنها الأديبة سكينة فؤاد التى كتبت لها ليلة القبض على فاطمة..أهديت لها الروايةوفى اليوم التالى اتصلت بى وقالت لى لم اعرف طعم النوم ولابد ان اقدمها، وفعلا قدمت فاتن مباراة فى الصدق الفنى المدهش ،وكانت فاتن تريد ان تقول ان المرأة يجب ان تعيش وتحب وتحيا فى ايه مرحلة من عمرها،وعلينا ان نترك الموروثات الخاطئة،كانت فى ادائها كالحروب الحادة تجرح وتدمر وتقول كلمات فاصلة على لسان فاطمة..
وفى هذ العدد ايضا قالت منى ذو الفقار المحامية القديرة فيلم اريد حلا ساعد على إقرار قانون حق الخلع سنة 2000،وفيلمها لا عزاء للسيدات انصف المرأة وطالب بأن يكون للمرأة فرصة اخرى للاختيار ولا يقف المجتمع ضدها هكذا بكل قسوة .وان هذا الفيلم طالب بتغيير التقاليد السائدة العقيمة. وفى هذ العدد ايضا قالت زينب صالح سليم صديقة عمرها لمدة تزيد عن الستين عاما.. عشرة فاتن حمامة تطول العمر.
واتذكر ان سيدة الشاشة فاتن حمامة سألتنى عن الكتاب الذى أعده وما اذا كان يضم اى معلومات عن عمر الشريف فقلت لها «نعم» .. وعندئذ طلبت منى حذف هذا الجزء، فلم اجد إمامى الا النزول على ما ترغب.
وعند صدور ذلك العدد من مجلة «نصف الدنيا»، سعدت به سعادة غامرة وقالت لى "لما اموت انشرى هذا العدد مرة اخرى فهذا العدد هو انا"وقالت لى احيى أمانتك الصحفية.. واتمنى بالفعل ان يعاد نشر هذا العدد التذكاري عن سيدة الشاشة الرائعة فاتن حمامة.
وأتذكر أننى وأستاذتى سناء البيسى رئيسة التحرير لأهم مجلة فى مصر صاحبة الانفرادات الصحفية بحق وعادل صبرى مدير التحرير الفنى سهرنا نعمل حتى الصباح.. وجاء خطاب من أدارة التوزيع تبلغ الأستاذة سناء البيسى بأن العدد نفد من السوق فى ساعات محدوة.
وتوالت اللقاءات الانسانية بيننا فى منزلها البعيد فى القطامية وكانت دائما تقول لى مصر بلد جميل لابد ان نحافظ عليه،وكانت متابعة دائمة لكل ما يحدث فى مصر وكانت تقول «خايفة على مصر» ..وكانت حريصة دائما على النزول الى صناديق الاقتراع لتدلي بصوتها لاقرار الدستور ولاختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما تعددت اللقاءات الصحفية وقالت فى أخر حوار لها لى ونشر فى الاهرام منذعدة أشهر: سعدت بعودة عيد الفن ..لانه كانت هناك فى الحقيقة محاولة للاعتداء على الفن والتعامل معه باعتباره مهنة سيئة السمعة.. ..ومحاولة لاختطاف هوية مصر..المصريين محتاجين بعض الفرح
وارى ان 30 يونيو انقذ مصر ومن بعده يوم 4 يوليو ، كادت الهوية و العادات المصرية ان تضيع ، واكثر ما يؤكد على ذلك ان المصريين كانوا يباركون لبعضهم البعض بالشوارع ، شعرت ان مصر التى كادت ان تخطف رجعت مرة اخرى لنا.
كما قالت: كنت خائفة فى فترة حكم الاخوان ، ولكن لا أستطيع ترك مصر أبدا. فى الحقيقة كنت قلقة من ان يستمر حكم الاخوان, كنت أرى المشهد أسود قاتما. انا دائما اشعر بالخطر بشكل اكبر من حجمه، لكن الحمد لله .
وأضافت: أخشى على مصر من الاٍرهاب. للأسف الجهلة الذين يسوقون أفكارا مثل انك ستدخل الجنة اذا قتلت فلانا او ان القتل حلال هم السبب الرئيسي فى هذه الحالة ..انا حزينة على هؤلاء الجنود الشباب الذين يموتون كل يوم. اعتقد ان هناك مخططا غربيا تجاه مصر بالطبع لأننا أفسدنا عليهم المشروع الذى كانوا يريدون تحقيقه وأنقذنا هويتنا من الضياع .
وباحساسها الصادق دوما، قالت: خايفة على سيناء جدا جدا. هذه أرضنا التى ارتوت بدماء الجنود المصريين. فى وقت ما أعتقدت انها اصبحت خالية من العنف والارهاب لكن للأسف رجع الارهاب لها مرة اخرى .
سألتها قائلة: فى فيلم امبراطورية ميم ، كان هناك مشهد بديع غير مألوف على المُشاهد للسينما المصرية وهو مشهد الدعاية و الصناديق الانتخابية ، فقالت جاءت هذه الفكرة من إحسان عبد القدوس فهو الذى كتب القصة من الألف للياء ، كان هذا الفيلم عبارة عن رواية قصيرة مكتوبة فى ثلاث صفحات لكن عندما بدأ كتابة السيناريو ..أكتشفنا أن هناك أشياء كثيرة ناقصة فذهبت لإحسان عبد القدوس لأرجوه أن يكتب لنا الحوار ، وخصوصا حوارات الاطفال التى كانت تحتاج لحرفية عالية ، وكان اصل الرواية ان البطل رجل وليس امراة ولكننا قمنا بتوظيفه لتقوم به امرأة.
قلت لها: هل كانت ستختلف نهاية الفيلم اذا تم عمله الان، هل كانت الام تملك القدرة اكثر على الحفاظ على أولادها وحبها معا أم ستضحى الام بحبها خوفا على أبنائها؟
ردت قائلة: مهما اختلف الزمن.. الأم هى الأم والاولاد هم الاولاد وحب امتلاكهم لأمهم سيمثل مشكلة، وخصوصا ان نصف عدد الاولاد كانوا صغيرى السن فكان من الصعب ان يحدث هذا التوازن ولذلك تركنا النهاية مفتوحة الى حد ما .لعل الزمن يتغير.
وتقول ان الفن كان يلعب الدور الثاني فى الاقتصاد المصرى بعد زراعة القطن ، كان زراعة القطن وتصديره فى المركز الاول ومن بعده الفن فالسينما المصرية فى ذلك الوقت كانت تنتج حوالى مائة فيلم فى العام الواحد وكان ذلك يدر على مصر الكثير من قبل البلاد العربية .
سألتها: كيف قامت فاتن حمامة بدور عزيزة، ذلك الدور البديع، السيدة الفلاحة التى تساعد اسرتها و زوجها المريض وتتعرض لمحنة رهيبة وتحاول ان تحل الامر باقل خسائر ؟
فقالت: حبيت شخصية البطله جدا، وبمجرد ان قرات الرواية وافقت عليها ثاني يوم ، فى الحقيقة يوسف ادريس كان فى غاية البراعة فى هذه الرواية
وايضا قمت بدور الصعيدية فى عمل للمبدع عبد الرحمن الابنودى ؟
هذا الفيلم ايضا كان رائعا ولا اعرف لماذا لا يعرض هذا الفيلم ، ولا اعرف طريق نيجاتيف هذا الفيلم ، أحببت هذا الفيلم كثيرا وخصوصا أغنية مشهد الموت، فالمرأة جاءت بمن يقتل ابنها من اجل الا تتعرض للعار ، وبعد موته راحت تلطم بعد ذلك .
سألتها هل ترى ان المرأة المصرية مازال امامها الكثير لكى تأخذ حقوقها ؟
قالت: بدأت المرأة المصرية تأخذ حقوقها بالفعل واثبتت جدارة هايلة فى الفترة الماضية ولابد ان تستمر بنفس الاداء ، فقد استوقفتنى مشاهد الرقص والغناء من قبل النساء اثناء التصويت الاخير على الدستور ، نحن شعب لا يستطيع أحد أن يحجمنا فنحن نحب الفن بطبعنا .
قلت: الافلام المأخوذة دائما من روايات ادبية يكون لها عمق اكثرمثل نهر الحب المستند لرواية تولستوى انا كارنيننا ولا وقت للحب عن رواية يوسف ادريس والباب المفتوح ل لطيفة الزيات ؟
قالت الراحلة فاتن: بالتأكيد ، فعندما يكتب الرواية أديب تختلف كثيرا عن اى شخص اخر ، فالاديب يبنى الشخصيات بناء محكما ويكتب تفاصيل بديعه وتشعرى ان الشخصية شخصية حقيقية من لحم ودم .
قالت: ايضا للأسف الحقد و الكره زاد فى مجتمعنا :"يا ساتر يارب، مفيش اتنين متفقين طول الوقت ، الناس بتتخانق وبتضرب بعض ، شئ مخيف جدا ، الناس مش طايقة بعض".
وقالت: افتقد للأسف وسط البلد الذى كان جميلا. الان اصبح منطقة عشوائية ! افتقد الروقان، والزحمة وهذا العدد الهائل من السيارات اصبح خانقا جدا ولا يطاق، وعندما ارى النيل او الاشجار التى حوله وانا فى وسط الزحام اشعر اننى لا استطيع التنفس، غير ذلك لا ارى سوى عدد مهول من السيارات وخاصة على الطريق الدائرى الملئ باللوريات الضخمة المفزعة .
سألتها: ما الذى يدخل البهجة على فاتن حمامة ؟ فقالت: الأطفال الصغار.
قلت: وكيف تستقبلين تحيات جمهورك الذى يحبك فى الشارع؟ ردت سريعا: باسعد بهم جدا .
وعن حصاد ثورتين فى ثلاث سنوات وما اذا كان المصريون لا يزالون مفتقدين للحرية، قالت: للأسف نحن فهمنا الحرية غلط ، فالحرية لها واجبتها ايضا فإذا اردت ان تعبر عن رأيك لابد ان تسمع الرأى الاخر، وقد فقدنا الصبر ، الناس بقت بتتخانق اكتر ما بتضحك .
وفى الوعكة الصحية الاخيرة التى ألمت بها، قالت ل «الاهرام»: لدينا رئيس يحاول النهوض بالبلاد ،أشعر بالصدق الشديد بكل مجهوداته،وخاصة مشروع قناة السويس.الذى يمثل املا ونورا جديدا للاجيال الجديدة ..بدأنا نرى الأمل..
ومنذ ايام قليلة، قبل الرحيل الأخير، أتصلت بها ليأتينى صوتها المشرق ذو النبرة المحبة العبقرية، وأتفقنا على اللقاء أول الأسبوع المقبل،حتى تنتهى موجة البرد الشديد ،وان نجرى حوارا للعام الجديد، وقالت لى انها قضت رأس السنة فى أسوان..«الله على أسوان.. جميلة ونظيفة .. من أبدع مايمكن.. بلدنا جميلة لازم نحافظ عليها». وسألتنى عن أحوالى وقالت لى «الحياة حلوة، متخليش حد يسرقها منك».
لم أكن أعرف أنها المرة الأخيرة التى سأستمع فيها الى صوتها، وأنه كان وداعا لا وعدا بلقاء لن يتم. فقد رحلت أيقونة الفن والحب والصدق.. لكنها ستبقى رمزا سيدوم ذكره الى مئات السنين، ستبقى دائما فاتن حمامة تتسيد قائمة فنانى العصر الذهبي للسينما المصرية ، فمهما طال الزمن ومهما كثرت الاعمال ستبقى فاتن حمامة صاحبة العزف الاوركسترالى المنفرد الذى لن يستطيع أن يعزف مثله أعتى الملحنين. فوداعا يا من كانت حكاية العمر كله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.