كان صاحبنا، وهو يدرس دروسه فى آخر المرحلة الثانوية، عام 1955، دائم التفكير، قلقا، وخوفا من عدم الحصول على المجموع الذى يعفيه من 18 جنيها، رسوم الالتحاق بآداب القاهرة، حيث كان هذا المبلغ، مما تعجز ظروفه المادية عن أن تفى به، أو حتى بنصفه. وعندما ظهرت النتيجة، منبئة بكسب المجانية، شعر كأن الدنيا كلها قد حِيزت له. ولم يكن صاحبنا هذا وحده فى هذا، فقد كان هذا حال آلاف من شباب هذا الوطن، يعبّون من التعليم فى مدرسته المجانية أيضا، التى كان بها تعليم حقيقي، يغنى عن الدروس الخصوصية، وتنافس بين المدرسين لتحسين التعليم وتجويده، اكتفاء بما كانوا يتلقونه من مرتب متواضع، ومن ثم أمِلَ طلاب هذا الزمان مواصلة التعليم إلى نهاية مراحله، فيتخرجون وقد زادت مهاراتهم، وصقلت قدراتهم، وتفتقت أذهانهم، فيخرجون إلى ساحة العمل الوطنى يضيفون إليه، ويردون إليه بعض ما أعطاهم من خدمة تعليمية.. ولو تتبع قارئ حال آلاف من أبناء الوطن منذ هذه السنوات المبكرة، لتأكد كيف ساعدت هذه الظروف السابقة على تزويد الوطن بطاقات عمل وإنتاج وإبداع عوضته أضعاف ما أنفق عليهم.
تري، لو كان صاحبنا قد وُجد الآن، هل كان سيحصل على ما حصل عليه من مركز وصعود اجتماعى وثقافي؟ بالتأكيد ، كلا...لماذا، والتعليم الآن كما يقول الدستور- مجاني، أى أفضل حالا- من هذه الناحية- مما كان من قبل؟ المدارس «الموازية» دون الدخول فى تفاصيل كثيرة ، فالمدرسة اليوم تكاد تكون خاوية على عروشها بالنسبة لطلاب الثانوية العامة، فالكثرة الغالبة من التلاميذ منشغلون بتلقى العلم فى ( المدرسة الموازية) الدروس الخصوصية- سواء فى المنازل أو المراكز المتخصصة، وطبعا، المدرسون. أى أن صاحبنا كان سيطَالب بدفع آلاف الجنيهات فى السوق الموازية، لا يستطيعها، مثل مئات الألوف من الشباب، ليحصل على مجموع يؤهله للالتحاق بالجامعة..إلا من رحم ربي. ولأن التدافع والتسابق تحول إلى مشهد شبه مفزع، حيث يتزايد الطلاب بمعدل ضعف معدل توافر مقاعد فى الجامعات..يتساقط آلاف فى الطريق، لا يلتحقون بما أملوا من تعليم جامعي، لكن هؤلاء ، ينقسمون إلى فئتين فى سعيهم لتعويض الفرصة الضائعة، كيف؟ هذا ما يصوره مثلان شعبيان شهيران: ....اللى مامعهوش ..ما يلزموش !! ...اللى معاه قرش، يساوى قرش !! الأول، يعكس حالة الفقراء الذين لا تتمثل مأساتهم فى خلو جيوبهم من المال الذى يعينهم على الحياة، بل تتصاعد هذه المأساة، من حيث تجاهلهم فى بعض الاحتياجات الأساسية، المتطورة بتطور الحياة.. والمثل الثاني، على العكس، يصور من تتيح له ظروفه كسبا ماديا واسعا، حيث يعلو مقامه، كلما زاد رصيده المادى هذا... وتطبيق ذلك فى مجال التعليم عامة، والعالى خاصة: أبناء الفقراء، إما أن يكتفوا، أو يبحثوا عن سلعة تعليمية فى مؤسسات متواضعة الحال، تفتقد البريق التعليمي، والوجاهة الاجتماعية... أما أبناء القادرين، فهناك عملية ضخ للمال من ذويهم، لإلحاقهم بفئة من الجامعات، برزت، بعد ما سارت مصر شوطا مناسبا من سياسة الانفتاح» السداح مداح» ، وتتدفق ثروات ضخمة على آلاف من الناس، كثير منها بغير جدارة، مما تمتلئ الصفحات بحالهم ، فى كتابات أحمد النجار، ورمزى زكي، وإبراهيم العيسوي، وعبد العظيم أنيس، وغيرهم. الجامعة.. بين الجهد الرسمى والجهد الأهلي لظروف تاريخية جغرافية ، امتدت بعمق التاريخ المصرى ، منذ آلاف السنين ، مالت مصر إلى أن تكون مجتمعا « حكوميا « ، حيث تضخم تدريجى فى سلطة الدولة وهيمنتها ، وتضاؤل فرص ظهور ما أصبح معروفا فيما بعد بالمجتمع الأهلي. هنا كان من الطبيعى ، بالتبعية، ألا يعرف التعليم على وجه العموم نشاطا أهليا ، وخاصة على المستوى العالي، فتقوم به الدولة أو فى رحاب المؤسسة الدينية بحكم تماهيها مع الدولة فى تلك العصور. لكن الأمر اختلف عندما دخلت مصر فى رحاب الإسلام ، فالذين أقاموا الحكم الإسلامى فى عهوده الأولى هم عرب شبه الجزيرة التى لم تكن قد عرفت من قبل الدولة الموحدة المركزية، بحكم الطبيعة الجغرافية واعتماد المناطق المختلفة على الرى المطري، والذى هو بطبيعته مُفَرق بين أرجاء مختلفة ، فإذا بالحكم الجديد ينحو نحو اللامركزية فى كثير من الجوانب ، وإذا بالتعليم يغدو شأنا أهليا لا تسعى الدولة إلى الهمينة عليه ، وإذا حدث أن قام أحد رجال السلطة السياسية بإنشاء مؤسسة تعليمية، كان يقوم ذلك بصفته الفردية لا باسم الدولة ، كما رأينا فى المدرسة النظامية، والمدرسة المستنصرية فى العراق فى العصر العباسى . وعرف التعليم العالى طريقه إلى المساجد الكبرى فى أنحاء شتى بالعالم الإسلامي، مثل المسجد الأموى بدمشق، والأزهر بمصر، والقيروان والزيتونة والقرويين ببلاد المغرب0 ثم حدث تحول تاريخى كبير مع ظهور الدولة الحديثة فى مصر على يد محمد على بدءا من عام 1805 ، حيث عادت الدولة المركزية بقوة ، وتسود سياسة الاحتكار، وتقوم الدولة بنفسها بإنشاء أول صورة من صور التعليم العالى تمثلت فيما سمى وقتها المدارس الخصوصية مثل الطب والمحاسبة والحربية والهندسة وغيرها ، حيث كان الإنفاق حكوميا تماما ، لكن الطلاب تلقوا هذا المستوى من التعليم مجانا . وعندما عاود الجهد الأهلى الظهور متمثلا فى مشروع إنشاء الجامعة الأهلية المصرية عام 1908 ، كان من أسسه ألا يستهدف الربح ، وأن يقوم على التبرع، لكنه تعثر بعد سنوات قليلة، حيث بدأت الجهود التطوعية تتراخى ، وبدأ الإقبال على الجامعة يقل ، لظروف مختلفة، لا مجال لها حاليا. من هنا فقد تفاوض مسئولو الجامعة مع المعنيين حتى قبلت الدولة ضمها إليها واعتبارها جامعة حكومية ، تنفق عليها الدولة، وتتلقى مصروفات من طلابها . لكن عام 1919 شهد حادثا تعليميا فريدا فى ذلك الوقت ، ألا وهو بدء ظهور أول مؤسسة تعليمية عالية خاصة ألا وهى الجامعة الأمريكية ، ويرى البعض أن قبول الحكومة المصرية تولى أمر الجامعة المصرية ، كان بضغط من مسئولى الاحتلال البريطانى فى ذلك الوقت لما رأوا أن الأمريكان قد بدأوا يضعون أقدامهم الأولى على الأرض المصرية بإنشاء الجامعة الأمريكية . وعندما قامت ثورة يوليو 1952 ، حرصت على ألا تسمح بالترويج للتعليم العالى الخاص ، وإن لم يمنع هذا من استمرار بعض معاهده التى وصل عددها على وجه التقريب إلى تسعة معاهد ، معظمها معاهد خدمة اجتماعية فى بداية الأمر، ثم وصل عددها إلى 39 معهدا عام 1962 . ومع هذا التزايد الملحوظ فى عدد المعاهد العالية الخاصة ، صدر القانون رقم 52 لسنة 1970 فى شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة. بدء الدعوة إلى الجامعات الخاصة: ومنذ أواخر السبعينيات وأواسط الثمانينيات ، أطلت بعض الدعوات على استحياء شديد تدعو إلى إنشاء ما سمى الجامعة الأهلية، وكانت تلك دعوة حق يراد بها باطل، فالجامعة الأهلية مشروع وطنى يتم عن طريق جهد مجموعة متطوعة لا تستهدف الربح ، ولا تكلف طلابها كثيرا، بينما كان المراد فى واقع الأمر ، هو جامعة (خاصة) يمتلكها رأس مال خاص تستهدف الربح . وكان من أبرز المحركين من وراء الستار لفكرة الجامعة الخاصة ، المهندس عثمان أحمد عثمان فى العهد الساداتى ، فى أواسط السبعينيات . كانت الدعوة تقابل بمعارضة شديدة ، فتتوارى زمنا لتعاود الظهور مرة أخرى . والذى قد لا يعرفه كثيرون أن الدعوة إلى « جامعة أهلية « بدأت فى عهد ثورة يوليو 1952، بل وعلى صفحات جريدة المساء التى كانت حاملة الراية الماركسية بقيادة خالد محيى الدين ، وكان ذلك عام 1958 ، ولابد أن هذا قد يفاجئ البعض ، وسبق لنا أن أثبتناه فى كتابنا ( التعليم فى ظلال ثورة يوليو، 2004 ). ومن خلال هذه الخبرة المصرية فى مجال التعليم العالى الخاص ، نجد أنه ، إذا كانت الجامعة المصرية منذ الخمسينيات ، وطوال الستينيات من القرن الماضى قد حكمتها فلسفة تقوم على التوجيه المركزى ، تحت مظلة ما عرف بالاشتراكية ، وكان من مظاهر هذا أن تكفلت الدولة بتقديم التعليم الجامعى مجانا لكل قادر عليه علميا، حيث قام مكتب التنسيق على معيار القدرة العلمية ، بتحكيم المجموع الكلى لدرجات الثانوية العامة . أسانيد أنصار الجامعات الخاصة: المبررات ومعارضوها: وإذا كانت بدايات الحديث عن التعليم الجامعى الخاص، قد زعمت أن هذا التعليم هو « أهلي»، على غير الحقيقة، وفى ضوء هذا يمكن أن ننظر فيما سيق من مبررات فى الدعوة إلى تعليم جامعى خاص، وهو ما عبر عنه تقرير لشعبة التعليم العالى بالمجلس القومى للتعليم منذ عدة سنوات: أنه لا يوجد ما يحول دستوريا دون إنشاء الجامعة الأهلية، فقد نصت المادة (60) من دستور 1971على أن التعليم فى مراحله المختلفة ، فى جميع مؤسسات الدولة بالمجان، ولم يتعرض للنشاط الأهلى فى أى مجال ، فإذا ما أنشئت جامعة أهلية، أو خاصة، فلا يوجد ما يمنع أن تتقاضى مصروفات مناسبة، أسوة بالمدارس الخاصة والمعاهد العالية الخاصة. أن كثيرين من العاملين المصريين فى الدول العربية، يشكون أن قواعد مكتب التنسيق والنسب التى يحددها لقبول أبنائهم بالجامعات تقف حائلا دون قبولهم فى الكليات التى يرغبونها ، وقد يكون إنشاء الجامعة الأهلية هو العلاج لهذه المشكلة. أنه بعد أن تم إغلاق الباب الخلفى أمام الطلاب الذين تسمح لهم مواردهم المالية بالالتحاق ببعض جامعات الخارج والعودة مرة أخرى عن طريق التحويل إلى الكليات المناظرة، فقد أصبح إيجاد منفذ لهم إلى التعليم الجامعى الذى لا يرضون بغيره بديلا مطلبا ملحا، وقد تكون الجامعة الأهلية هذا المنفذ. أن الجامعة الأهلية إذا تم إنشاؤها وفق أنماط ومقومات جديدة ومتميزة، وأمكن لها اجتذاب بعض من أصحاب الدخول المرتفعة من الطلاب، فإن هذا يعنى تزايد فرص الالتحاق بالجامعات الحكومية أمام الفئات الأقل دخلا. وجود طلب ملح على التعليم الجامعى يتزايد عاما بعد عام ، وفقا لزيادة عدد السكان، والإمكانات المتاحة بالجامعات الحكومية تتناقص فى مواجهة الأعداد الكبيرة من الطلاب، ولذلك فإن إنشاء الجامعة الأهلية قد يسهم فى سد الفجوة القائمة فعلا ، والتى سوف تتزايد بين الاحتياجات التعليمية للطلاب والإمكانات المتاحة بالجامعات ، كما أن إنشاء الجامعة الأهلية قد يؤدى إلى إيجاد نوع من التنافس بينها وبين الجامعات الحكومية، وهذا يجيء لمصلحة التعليم الجامعي. أما أوجه التحفظ التى أبداها المجلس القومى للتعليم، فى أحد تقاريره، فتلخصت فيما يلي: لقد أصبحت الحكومات هى المصدر الرئيسى اليوم لتمويل الجامعات فى مختلف دول العالم، على اختلاف نزعاتها ومذاهبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهذا هو الاتجاه السائد فى عالمنا اليوم، فالجامعة تحتاج إلى نفقات رأسمالية ضخمة، الأمر الذى جعل تكاليف التعليم الجامعى كبيرة، ولا تستطيع أى جامعة تغطيتها من الهبات والتبرعات والإعانات والرسوم الدراسية وحدها ، وعلى ذلك فإنه لا مناص من الاعتماد بصفة رئيسية على الموارد الحكومية فى تمويل الجامعة الأهلية. القول بأن الجامعة الأهلية سوف تعنى بإيجاد التخصصات الجديدة، قول يصعب إثباته، لأن هذه الجامعة لم يتوافر لديها أعضاء هيئة تدريس مؤهلون فى تخصصات جديدة أو قديمة، وستلجأ إلى الاستعانة بأعضاء هيئات التدريس من الجامعات القائمة. وإذا كان الأمر كذلك، فهل لا تستطيع هذه الجامعات بإمكانياتها أن تنشئ مثل هذه التخصصات ؟ وإذا أضفنا أن هذه التخصصات سريعة التغيير وفقا لتسارع تغير التكنولوجيا، وأعداد الطلاب المطلوب دراستهم لهذه التخصصات ستكون قليلة، والتكلفة ستكون عالية جدا لا تقدر عليها الجامعة الأهلية؟ أن ما يقال تبريرا لإنشاء الجامعة الأهلية- أن معظم الجامعات الإقليمية قد بدأت دون إمكانات مناسبة، قول يجانبه الصواب، فقد بدأت هذه الجامعات فروعا للجامعات الأقدم التى تولت رعايتها والأخذ بيدها ، وكان وراء هذا الجهد إمكانات الدولة التى دعمتها حتى استكملت معظم مقوماتها. أن تجربة إنشاء معاهد عالية خاصة ليست تجربة مضيئة ، فهى لم تقدم جديدا ، بل على العكس من ذلك، أضاف وجودها عبئا على التعليم العالي، وأفرزت زيادة كبيرة لأعداد من الخريجين لا يتطلبهم سوق العمل، بل إن هناك صيحات بشأن بعضها تنادى بضمها إلى وزارة التعليم العالي. إن بطالة خريجى الجامعات قد أصبحت ظاهرة شملت معظم التخصصات الجامعية ، وهى ولا شك ذات دلائل خطيرة وبعيدة، أليس مثل هذا الوضع جديرا بأن يكون له الاعتبار الأول عند النظر فى إنشاء الجامعة الأهلية؟ وكشف الدكتور محمد الجوهري، أستاذ الاجتماع، (على أومليل( تحرير) : الجامعات الخاصة فى البلدان العربية، منتدى الفكر العربي، عمان، 1996ص 96) عن أن من المشكلات المهمة المرتبطة بدخول القطاع الخاص ميدان التعليم الجامعي، أن نذكر أنفسنا بأن التعليم الجامعى فى أى وطن ، هو أحد بوابات الدخول إلى جماعة الصفوة فى المجتمع، وهو فى مصر أهم تلك البوابات ، فهو غير بعيد عن علاقات القوة القائمة، وهو قادر على تعديلها وإعادة تشكيلها، فلو سمحنا بإنشاء تعليم عال خاص يكلف الفرد فيه ربما عشرات الألوف سنويا، فى مقابل تعليم عال حكومى يكلف بضع مئات أقل من أصابع اليد الواحدة، فذلك يصب فى النهاية فى قنوات معينة ، تضفى على جماعات الصفوة ملامح معينة ، وتضع مسئولية الحكم فى المستقبل فى أيد معينة. ومع كل هذا، فبتاريخ 22 يوليو لسنة 1992 صدر القانون رقم 101 بشأن إنشاء الجامعات الخاصة ، حيث نص على جواز إنشاء جامعات خاصة تكون أغلبية الأموال المشاركة فى رأسمالها مملوكة للمصريين، ولا يكون غرضها الأساسى تحقيق الربح، ويصدر بإنشائها وتحديد نظامها قرار من رئيس الجمهورية، بناء على طلب جماعة المؤسسين ، وعرض وزير التعليم، وموافقة مجلس الوزراء. ولم يقف الجوهرى عند هذا ، بل أشار إلى تجربته الخاصة فى تقييم أول جامعتين خاصتين فى مصر، عام 1992( ص107)، حيث: سيطر على تكوين مجلس أمناء الجامعة فى المشروعين تقدم السن بشكل لافت للنظر ، فأكثر من ثلث الأعضاء فى حوالى سن السبعين، أو تجاوزها، كما أن بعض أعضائها ينتمون إلى أسرة واحدة، وبعضهم لا تسمح له مؤهلاته الأكاديمية بالنهوض بمسئولية إنشاء جامعة. بدأت الجامعة عملها فى المبانى التى تستخدم حاليا مدارس لأصحاب المشروعين، وبنفس التجهيزات، بل بنفس هيئة التدريس تقريبا، ولذلك سأل : أين ستعمل المدرسة، وأين ستعمل الجامعة؟ وإذا كانتا ستعملان بنفس الإمكانيات ، على نفس الأرض ، فإن المصروفات المقررة ستصبح مبالغا فيها جدا ، بالإضافة إلى ضرورة التساؤل عن صلاحية ذلك تربويا. أوضحت ميزانية السنة الأولى التى قدمت من المؤسسين أن الرسوم الدراسية المقدر أن يدفعها الطالب سنويا تبلغ ما يقدر ب 25 ألف جنيه، ولو خصصنا 10% من عدد الطلاب المقبولين لمنح دراسية مجانية، لارتفعت مصروفات الطالب إلى حوالى 28 ألف جنيه، أى نحو ذلك. معنى هذا أن رسوم الدراسة مرتفعة ارتفاعا خياليا لا يتناسب ومستوى دخول أسر الطلاب، ولا طبعا مستوى الدخول فى مصر، كما لا يتناسب والدخول التى سيحصل عليها الخريج ، ولا يصح المقارنة مع مصروفات الجامعة الأمريكيةبالقاهرة لأسباب كثيرة، لا مجال للخوض فيها. تدخل المؤسسون فى مسائل أكاديمية خالصة ، تصل حتى تعيين رئيس القسم. لم يوضح المشروعان المقدمان بيانات محددة عن شروط تعيين عضو هيئة التدريس ، رغم أهميتها الكبري. السياسة التعليمية الرسمية فى « تربيع الدائرة» : وإذا كان أحد أوجه الليبرالية فى التعليم أن تتيح الدولة الفرصة للقطاع الخاص أن يشارك فى التعليم بجميع مراحله وأنواعه ، ومن ذلك بطبيعة الحال ، التعليم الجامعى ، ومن هنا كان السماح بإنشاء جامعات خاصة ، لكن من غير المفهوم حقا أن تقوم السلطات التعليمية الرسمية نفسها بذلك ، بمنافسة القطاع الخاص، كما حدث أثناء وزارة أحمد نظيف قبل ثورة يناير 2011، لولا أن أوقفت الثورة هذه المسيرة فترة، ثم عاودت القضية سيرها نحو التنفيذ. والذى يثير الحيرة حقا، أن ما تقدمه الدولة من خدمة جامعية بمصروفات ، مثل التعليم المفتوح، والبرامج المتميزة ، والتعليم بلغة ، يتم باستخدام الأراضى والأماكن المخصصة أصلا للتعليم الجامعى المجانى ، وفى معظم قاعاته ومدرجاته وحدائقه ومكتباته . إن هذا فى حد ذاته، يثير علامات ريبة : فإذا كان ولابد من مثل هذه البرامج والنظم ، فلتنشأ لها أماكنها ، وليُعَد لها أعضاء هيئة تدريسها ، لكنها جميعا تقوم على أرض مملوكة ملكية عامة ، خصصت لتقديم خدمة تعليمية مجانية ، واقتطاع مساحات تتزايد تدريجيا لصورة من التعليم الخاص الذى تقدمه الدولة ، يعنى اقتطاعا مستمرا مما خصص لتعليم عموم الناس بالمجان . وفضلا عن ذلك ، فإن الاعتماد أيضا على أعضاء هيئة التدريس القائمين بالعمل فى الجامعات الرسمية ، تشجيع على بعض التراخى فى العمل الرسمى ، حتى ليشيع القول لدى البعض بأن هذه محاضرة مما هو « ببلاش « ، وتلك محاضرة مما هو « بقرش « ، وهذا يعكس أن الجهد يكون مضاعفا فى الثانية ، وغير ذلك فى الأولى ، فضلا عما يثيره من تدافع من البعض ليحظى بما هو « بقرش « ، وسوف يحقد بعض آخر ممن لا تسعفه الظروف بمثل ذلك!! كذلك فإن صفحات التاريخ المصرى فى العهد الليبرالى الأول قبل ثورة يوليو 1952 ، وكذلك استقراء دول تتقدم صفوف الليبرالية والرأسمالية ، تشير إلى أن بعضا من الأثرياء يقوم بالمساهمة فى تقديم الخدمة التعليمية الجامعية لا من منطلق تجارى فقط ، وإنما كذلك من منطلق وطني، ولعل أبرز الأمثلة تبرع إحدى بنات الخديو إسماعيل ( فاطمة هانم ) بكل الأرض التى بنيت عليها جامعة القاهرة ، وكذلك قيام الأمير يوسف كمال بتسفير بعثة من بعض الراغبين فى دراسة الفنون الجميلة إلى إيطاليا على حسابه الخاص!! صحيح أن الأثرياء يدفعون أو هكذا من المفروض ما يُستحق عليهم من ضرائب ، تسهم فى مساعدة الدولة فى تقديم خدماتها لملايين الفقراء ومنها الخدمة التعليمية ، لكن مثل هؤلاء عندما يفكرون بعقلانية وعدل ، يجدون أن المزيد من المساهمة فى رفع المنسوب الحضارى للمجتمع ، من شأنه أن يصب لا فى مصلحة الفقراء وحدهم، وإنما فى مصلحة الأثرياء كذلك ، إذ إن من شأنه أن يرفع القدرة الشرائية لأكبر عدد ممكن ، فتروج السلع التى ينتجها الأغنياء أكثر ، وكذلك تقل ، إن لم تنمح ، احتمالات زرع مشاعر حقد طبقى وتفاقمها، مما يمكن أن يعكر صفو التماسك الاجتماعى . كذلك فإن مزيدا من العطاء للجامعات ، يزيد من قدرتها على فتح آفاق الإبداع والابتكار الذى يمكن أن يعين بدوره مواقع الإنتاج التى يستثمر الأثرياء أموالهم فيها ..وهكذا . وهكذا نجد أنه إذا كان ظهور تعليم عال خاص من شأنه كما هو مفروض أن يساعد على اشتعال المنافسة ، وأن المنافسة مفروض أن تعين على مزيد من الجودة ، بيد أن هذا إذا كان يحدث بين الجامعات الخاصة نفسها ، لكنه لا يحدث بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي، بحيث تعوض الدولة طالبى التعليم الرسمى فتزيد من مستوى الخدمة التعليمية ، وتوسع من رقعة التعليم الجامعى ، ذلك أن الحادث هو العكس ، فكما حدث لكثير من مؤسسات القطاع العام ، من حيث تركها للإهمال والفساد وعدم الإحلال والتجديد ، بحيث أصبحت تخسر خسائر كبيرة ، مما قدم مبررا للبيع ، فهذا بدأ يحدث فى الجامعات المصرية ، من ناحية البطء الشديد الذى يكاد لا يرى من حيث التوسع فى رقعة انتشار وتزايد الجامعات الحكومية وتزايد قاعاتها والقائم منها ، وتحديثه وتجديده ، وبذلك تظهر المبررات التى يستندون إليها والادعاء بأن الجهد الحكومى قاصر، والجامعات مثقلة بالأعباء ، ولن ينقذنا من هذا إلا التوسع فى دائرة التعليم الخاص . وإذا كان عدد الجامعات الحكومية قد تزايد ، فهو تزايد شكلى ، فكل ما هنالك أن فروع الجامعات قد استقلت ليصبح كل منها جامعة مستقلة ، لكن ، لو نظرنا إلى المعيار العالمى فى انتشار الجامعات ، حيث قد اتفق على أن المفروض أن يكون لكل مليون نسمة جامعة ، وبالنظر إلى الظروف المصرية ، فغاية ما يمكن الطموح إليه أن يكون لكل مليونين من السكان جامعة ، أى أن من المفروض أن يكون لدينا خمس وأربعون جامعة ! إن هذا ليثير أمامنا مسألة معنى التعليم الخاص ؟ فإذا كان الشائع أنه هو التعليم المملوك لأفراد ،مستهدفا الربح ، فكيف تدخل الدولة هنا فى المنافسة وهى الوكيلة المفروضة عن جموع المصريين ، وهم يمولونها بعشرات المليارات من الضرائب والرسوم ، منتظرين أن يعود عليهم هذا بخدمات تبدو شكلا أنها مجانية، لكنها مدفوعة مسبقا فى هذه الأموال الطائلة التى يتم تحصيلها من عشرات الملايين من أبناء المصريين ؟ ومما زاد الطين بلة ، ما حدث فى العام 2009، حيث أعلنت وزارة التعليم العالى عن فتح باب القبول فى التعليم المفتوح على مصراعيه ، ما دام الطالب سوف يدفع التكلفة ، حتى ولو كان بمجموع 50% ، بما يعنى أن تتجاور فى الكلية الواحدة فئتان ، فئة من الذين بذلوا جهدا علميا وماليا وجسديا حتى حصلوا على مجموع عال يبيح لهم التعلم مجانيا ، وفئة أخرى على العكس من ذلك ، لكنها تملك المال الذى يتيح لهم الالتحاق بجامعة رسمية ،ما داموا يملكون المال ، فكأن الدولة هنا دخلت منافسا للجامعات الخاصة ، لا بتوسيع دائرة الفرص لمن لا يملكون ، ولكن العكس : توسيع دائرة الفرص لمن يملكون ، ويكون ذلك بالضرورة على حساب الفقراء ، ما دام هذا سوف يتم ، كالعادة ، على نفس الأرض والمبانى المملوكة ملكية عامة ، ويقوم بالتدريس نفس الأساتذة الذين هم موظفون فى الدولة !! وعلى سبيل المثال ، فكما نشرت صحيفة الشروق فى عددها الصادر يوم الثلاثاء 128/8/2009 ، فإن مدير التعليم المفتوح بجامعة عين شمس صرح بأن الذين تقدموا للتعليم المفتوح بالجامعة وصل عددهم إلى 2182 طالبا ، منهم 53 % تتراوح مجاميعهم ما بين 50و59% ، ونسبة 43% من الطلاب تتراوح مجاميعهم ما بين 60، و69% ، أما الطلاب الذين تفوق مجاميعهم 80% فقد بلغت 1% فقط من إجمالى الطلاب ، وتستقبل الجامعة 140 طالبا يوميا . هل سعت الجامعة الحكومية إلى إنشاء مكاتب وأجهزة وتعين أعضاء هيئة تدريس خاصة لكل هذه الأعداد ؟ كلا ، وإنما أخذت تنفق عليهم من المال العام القائم ، ولابد أن هذا كان يعنى بالضرورة اقتطاعا صارخا من حساب تعليم أولاد الجارية ! ونشرت كثير من الصحف ( الفجر ، والوفد ، والدستور ، والأسبوع ) فى يوم السبت 15/8/2009 عن مشاركة رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، الدكتور أحمد نظيف فى مشروع إنشاء جامعة خاصة ، حيث كانت قد تكونت ، منذ خمس سنوات سابقة جمعية باسم ( المؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجى ) ، معظم مؤسسيها من الكبار ، وأولهم الدكتور أحمد نظيف ، ووفقا لرواية جريدة الفجر فى هذا اليوم المشار إليه، قدم وزير الاتصالات الدكتور أحمد نظيف لرقم واحد فى الجمعية، الذى هو أيضا الدكتور أحمد نظيف، الأرض والمنشآت المطلوبة لإنشاء الجامعة التى اختير لها اسم « جامعة النيل «. وقد وافق رئيس مجلس الوزراء على تخصيص أرض للجامعة فى مدينة الشيخ زايد ، وأصدر وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة قرار تخصيص غرب القاهرة بإجمالى 127 فدانا ( نصف مليون متر مربع بسعر المتر ألفى جنيه ) ، وجرى التنسيق بين وزارتى التخطيط والمالية لبدء إجراءات سداد أقساط الأرض خصما من الموازنة الاستثمارية لوزارة الاتصالات ، مقابل عدد من المنح الدراسية لصالح الوزارة ، ووصل المبلغ المدفوع للأرض وحدها مليارا و160 مليون جنيه، بخلاف مثل هذا المبلغ للمنشآت والمعدات وباقى الأجهزة العلمية والتعليمية، تماما مثلما خصصت أرض ( مدينتى ) لمجموعة طلعت مصطفى ، التى تضم آلاف الأمتار ، مجانا نظير تخصيص 7% من المساكن للحكومة ! وتساءلت الجريدة « ما الذى أدخل وزارة حكومية فى جمعية أهلية كل ما بينهما أن الوزير هنا مؤسس هناك ؟!» وفى 18 يناير عام 2006 نجح الدكتور أحمد نظيف بسهولة ، وقد أصبح رئيسا للوزراء فى الحصول على موافقة من مجلس الوزراء بإنشاء الجامعة . لقد حصل على الموافقة من نفسه لنفسه ! وفى يوم 15 يوليو من تلك السنة صدر القرار الجمهورى رقم 255 لنفس السنة بإنشاء الجامعة ، وبعد 3 سنوات تقريبا نجح الدكتور أحمد نظيف وهو على قمة مجلس الوزراء فى خروج التشريع رقم 12 لسنة 2009 الخاص بإعادة تنظيم الجامعات، وأصبحت الجمعية الأهلية التى على رأسها أحمد نظيف تمتلك جامعة النيل والأرض والمبانى التى عليها، والتى دفعت الحكومة ثمنها بالمليارات من أموال وزارة الاتصالات . حال التعليم الجامعى الخاص فى الوقت الراهن: وفى تقرير للمجلس القومى للتعليم والبحث العلمي( أبريل 2014) أشار إلى أن عدد الجامعات الخاصة عشرين جامعة. والمثير للسخرية حقا أن القانون جاء به نص يفيد أن هذه الجامعات لا تستهدف الربح! أى أنه تضمن منذ البداية ما يتيح الفرصة لمخالفته، ذلك أن كل ذى عقل لابد أن يتساءل: ولم يتحمل س، وص وأ، وغيرهم من الناس أن يدفعوا مئات الألوف من الجنيهات فى مشروع دون أن ينتظروا منه عائدا؟ صحيح أن القانون ربما يقصد ألا يكون ذلك على حساب الهدف المبتغي، وهو نشر التعليم، وفتح الطريق لفرص تعليم جامعى أكثر مما تقدمه الدولة، لكن تظل الحقيقة المؤكدة أن كل صاحب رأس مال ، استثمره فى التعليم، فهو يستهدف الربح! بل إن الحديث يمكن أن يتسع للبرهنة على أن الاستثمار فى التعليم الخاص الآن أصبح أضمن من كثير من المشروعات التجارية والصناعية وغيرها مما تشكل مجالات للاستثمار. وإذا كان إنشاء الجامعات الخاصة صورة من صور إيجاد صيغة تتمتع بالاستقلال، إلا أن هذه الصيغة عندما تفتقد عددا من الشروط والمقومات الأساسية لقيامها بدورها التربوى والمجتمعي، فإن هذا الاستقلال يفقد مضمونه، فما قصد مفكرو التعليم الجامعى وآباؤه الاستقلال إلا لتفعيل دوره الثقافى والمجتمعي، ولا يتسنى له هذا إلا بكفاءة ذاتية، وقدرة علمية وبحثية وبشرية على ذلك، وهو الأمر الذى يغيب عن وقائع ما جرى ويجري.. ولابد من لفت الانتباه إلى خريطة توزيع تلك الجامعات الخاصة، حيث نلاحظ انحيازا واضحا للعاصمة والجيزة المجاورة لها، مما له دلالته على مدى ما توفره هذا الجامعات من عدل تربوي: القاهرة : تسع جامعات. الجيزة : خمس جامعات. جامعة واحدة بكل من : الاسكندرية- بنى سويف- شمال سيناء- الشرقية- الدقهلية- الإسماعيلية صورة كمية، وأخرى كيفية: بلغت نسبة الطلاب بالجامعات الخاصة فى العام 2011/2012 (3,76%) من إجمالى المقيدين بالتعليم الجامعى والتعليم العالي، بينما بلغت هذه النسبة 6% من إجمالى المقيدين بالجامعات الحكومية، بدون التعليم المفتوح، وجامعة الأزهر، ( جمال نوارة، 2014): وشهدت الجامعات الخاصة فى الفترة من العام 2007/2008، إلى العام 2013/2014 تزايدا ملحوظا فى أعداد الطلاب، فبينما بلغ عددهم فى بداية الفترة 14830، وصل فى نهايتها إلى 28517 وقد سجل تقرير المجلس القومى للتعليم 2014 عددا من السلبيات، مثل: خضوع معظم الجامعات الخاصة لمبدأ «الشركات العائلية» بمعنى أن يديرها بعض أفراد عائلة واحدة مما جعل البعض يطالب بضرورة فصل مجلس الأمناء، وملاك الجامعات الخاصة عن العملية التعليمية. قصور الأسس والمعايير التى يتم تصنيف الجامعات الخاصة على أساسها. انخفاض مستوى خريجى بعض الكليات، مثل كليات الطب، عن مستوى خريجى نظرائهم بالجامعات الحكومية الذين مازالوا أفضل تدريبا وعلما. معاناة بعض الكليات العملية من قلة أعداد الكوادر العلمية والفنية ذات المستوى العالي، رغم توافر الإمكانات والتجهيزات الفنية. انخفاض مجموع درجات الثانوية العامة عن التحاق الطلاب بالجامعات الخاصة، وفى كليات الطب وطب الأسنان. قصور نظم الامتحانات والمذكرات الدراسية والكتب فى بعض الجامعات الخاصة عن أداء رسالتها حيث إن المفروض أن يبحث الطلاب أنفسهم عن مصادر المعلومات الأصلية بأنواعها المختلفة الإلكترونية والورقية، والوصول إلى هذه المعلومات تحت إشراف الأساتذة. مازالت بعض الجامعات الخاصة فى حاجة إلى مزيد من الخبرة التعليمية، وبخاصة فى الكليات العملية. المناهج التعليمية واللوائح فى بعض الكليات غير متطورة بالصورة المناسبة، بل تنتقل مباشرة عن نظائرها بالجامعات الحكومية. بعض الجامعات الخاصة تهتم فى المقام الاول بتحقيق الربح، دون النظر إلى مستوى العملية التعليمية. وهكذا نجد أن مربط الفرس فى قضية استقلال الجامعة التى ظلت تؤرق المجتمع الجامعى فى مصر، عبر عدة عقود، أن الدولة مادامت هى التى تتفق عليها، يصبح ذلك مدخلا لتدخل منه صور الهيمنة المختلفة، رغم وجود مؤسسات أخرى تتفق عليها الدولة، وتتمتع باستقلال نسبى إذا قيست بالجامعة. من هنا، فعندما بدأت الدعوة إلى الجامعات الخاصة، كان من المبررات المهمة، أن هذه الجامعات، مادامت لن تتمول من الدولة، فسوف تتحرر من رقابتها وكان هذا توقعا غير صحيح. فمن النحية الاجتماعية فان سيطرة الدولة إذا كانت تستند إلى ملكية رأس المال، فان المر فى حقيقته لايتغير فى الجامعات الخاصة، فأصحاب رأس المال سيحلون محل الدولة فى الهيمنة والسيطرة بل ان الحال فى الجامعات الحكومية قد يكون أفضل، لان الدولة هنا دولة الجميع، والمال مال الشعب كله، لكن فى حال الجامعات الخاصة فالمال مال هذا الفرد، وذاك وأحيانا هذه الاسرة أو تلك. كذلك فان الجامعات الخاصة إذ تتمول من الطلاب، فى ظل تكاليف متزايدة وضخمة لخدمة التعليم الجامعي، فهذا يعنى استدعاد شرائح بعينها من الشرائح الاجتماعية العليا اقتصاديا، تعتمد الجامعة الخاصة على اقبالهم عليها، مما يفتح الباب إلى محاولة استرطائهم على حساب بعض القواعد والاصول، وهو الامر الذى شهدنا أمثلة له فى المدارس الخاص ذات المصروفات العالية، حيث يتصرف الطالب بكل أنفة وكبرياء وغرور وإذا حدث خلاف بينه وبين عضو هيئة تدريس قلما تنحاز الجامعة أو المدرسة الخاصة إلى العض، خوفا من انسحاص الطالب، الذى يعنى انسحاب مبلغ كبير من الدخل. وهكذا يكون السيد هنا: رأس المال بديلا عن الدولة! وعندما ينتهى الامر إلى هذا الحال، يهتز ميزان محكمة العدل التربوى. لمزيد من مقالات د.سعيد اسماعيل على