15 عامًا هى عمر تجربة إنشاء الجامعات الخاصة فى مصر، هذه التجربة والتى وإن بدت أن عمرها ليس كبيرًا، إلا أنها فى تاريخ الجامعات تمخضت عنها إنشاء 19 جامعة حتى الآن، وهو ما يستدعى التوقف أمامها لتقييمها وبيان ما لها وما عليها.. وماذا ستقدم فى الفترة لقادمة؟ ولنضع إجابة للسؤال: هل أدت الجامعات الخاصة دورها فى تطوير التعليم وكانت مكملة للجامعات الحكومية؟ بداية أكد د. عبد السلام عبد الغفار وزير التعليم الأسبق - والذى كان له تجربة بإحدى الجامعات الخاصة - أن تجربة الجامعات الخاصة ناجحة بكل المعانى وإن كانت هناك بعض الصعوبات التى تواجهها، ومنها عدم وجود هيئة التدريس الخاصة بها، فالمفروض أن هذه الجامعات حتى تستطيع الوقوف على قدميها أن يكون لديها هيئة تدريس من المتفرغين ولا تقوم بالانتداب لكل العاملين بها، فإحدى المشاكل الرئيسية التى تواجه الجامعات الخاصة أن هيئات التدريس بها معظمهم من المنتدبين من الجامعات الحكومية! وأضاف: أما المشكلة الثانية فهى صعوبة وجود نظام الدراسات العليا بها، فعندما لا يكون هناك استقرار فى هيئة التدريس لا تستطيع الجامعات إنشاء قسم للدراسات العليا التى تتطلب وجود هيئة تدريس متفرغة وثابتة. والمشكلة الثالثة هى أن نقص أقسام أو نظام للدراسات العليا يجعل الجامعات الخاصة لا تستطيع أن تقدم نظامًا تعليميًا جيدًا موازيًا للجامعات الحكومية. وحول إنشاء الجامعات الخاصة لكليات معظمها نمطية وتقليدية قال د. عبدالسلام: هذا لا يعيبها لأنها تنشئ الكليات التى يحتاج إليها المجتمعات سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. وتابع: أن الجامعات الخاصة بالرغم من أنها تقبل أعدادا كبيرة من الطلاب من ذوى المجاميع الأقل فإنها جاءت حلًا لسفر آلاف الطلاب إلى الخارج من القادرين ماديًا لإتاحة الفرصة أمام الطلبة غير القادرين.. وهذا لا يعنى القضاء على المجانية، فالتعليم المجانى متوافر للطالب الذى مستواه العلمى يساعده على التميز، مطالبًا الدولة بمساعدة ومساندة الجامعات الخاصة وعدم وضع العراقيل أمامها. نجحت بنسبة 75% ومن جانبه، رأى د. فاروق إسماعيل رئيس جامعة الأهرام الكندية أن الجامعات الخاصة حققت 75% من النجاح بالرغم من العقبات التى صاحبتها فى بداية إنشائها، مشيرًا إلى أنه عندما صدر القرار بإنشائها فى مايو 1996 استشعر البعض الخوف لعدم التنفيذ وكانت المفاجأة عندما سمح لها بالدراسة فعلًا بعد 4 شهور فقط. وأضاف د. فاروق: ساند التجربة فى بدايتها أن أولياء الأمور كانوا يرسلون أبناءهم للسفر للخارج إلى رومانيا ودول شرق أوروبا لكى يلتحقوا بالكليات التى يريدونها، وكان أولياء الأمور وقتها يتكبدون مشاكل كبيرة منها تعرض أبنائهم للانحراف والضياع كما كانت الأردن تستوعب جزءًا كبيرًا من الطلبة المصريين للدراسة عندها وبالتالى كانت الفائدة المالية تعود على هذه الدول، ومن هنا كانت فكرة الإسراع فى إنشاء الجامعات الخاصة حماية لأبنائنا من ناحية والحفاظ على العملة الأجنبية من ناحية أخرى فقد شكل إنشاء الجامعات الخاصة إضافة للاقتصاد المصرى. وأشار د. فاروق إلى أن التجربة شابها فى بدايتها سلبيات كثيرة مثل قبول طلاب من الشعبة الأدبية فى كليات الطب والهندسة كما كان معظم القائمين على الدراسة لا يحملون درجات أكاديمية مثل الدكتوراه إضافة إلى قبول طلبة من دول عربية دون الالتزام بالحضور والحد الأدنى للقبول وإعطائهم تسهيلات غير متوافرة فى أية جامعة محترمة، فضلًا عن عدم وجود مستشفى تعليمى بكليات الطب.. كل هذه الأمور أدت فى بداية التجربة إلى بعض الفشل مما دفع وزارة التعليم العالى للتدخل لإصلاح الحال استنادًا لمقولة للدكتور مفيد شهاب عندما كان وزيرًا للتعليم العالى - وقتها - بأن الجامعات الخاصة «وجدت لتبقى. ولا بد من إصلاح حالها» فتم تعديل اللائحة التنفيذية لها فى اغسطس 2002 لتحكم أسلوب إنشاء وعمل هذه الجامعات.. والحقيقة أن د. شهاب - وقتها - كان له الفضل فى وضع هذه اللائحة التى ضبطت الأمور وصححتها. وأشار د. فاروق إلى أن التجربة - حتى الآن - والتى نتج عنها حوالى 19 جامعة خاصة وإن كانت تضم عددًا قليلًا من الطلبة يصل إلى 45 ألفًا فقط فإنه يتوقع خلال السنوات الثلاث القادمة أن يصل عدد الطلبة الملتحقين بالجامعات الخاصة إلى 100 ألف طالب لما تتميز به الجامعات الخاصة من المرونة فى الأداء والتعاقد وتبادل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس. وعن اتهام بعض الجامعات الخاصة بأنها أصبحت الباب الخلفى لدخول كليات القمة قال د. فاروق: هذا غير صحيح لأن هناك حدًا أدنى يسمح بالقبول فى القطاع العلمى بألا يقل المجموع عن 80%، وإذا لم تلتزم هذه الجامعات بالمجموع المحدد فإن وزارة التعليم العالى لن تسمح بمعادلة شهاداتها. تجربة المدارس الخاصة وتوقع د. فاروق أن تشهد السنوات القادمة منافسة شديدة بين التعليم الجامعى الخاص والحكومى، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى تجربة المدارس الخاصة وعددها 40 ألف مدرسة فى مصر كانت فى بدايتها تعانى من هذه المشاكل ومع الوقت تغلبت عليها وأصبحت تقدم تعليمًا متميزًا يتهافت عليه الطلبة وأولياء الأمور كما يتهافت على خريجيها سوق العمل.. فإنه خلال 8 إلى 10 سنوات قادمة سوف تهدد الجامعات الخاصة الجامعات الحكومية، بل وستتفوق عليها، وأنه بالتدريج سوف تحدث أيضًا موجة انتقالات من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية للاتجاه للعمل فى الجامعات الخاصة، وضرب مثالًا بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، فقد كانت عند بدايتها فى الستينيات مستواها متدنيًا للغاية، ثم تحسن فى السبعينيات وازداد تحسنًا فى الثمانينيات حتى وصلت لهذا المستوى، حيث يتسابق الطلبة وأولياء الأمور للالتحاق بها. أفادت وفى نفس السياق قال د. على عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة الأسبق إن تجربة الجامعات الخاصة فى مصر أفادت الطلبة من الراغبين فى الالتحاق بالتخصصات التى لم يمكنهم مجموعهم فى الثانوية العامة من الالتحاق بالجامعات الحكومية بها، خاصة الصيدلة والطب والهندسة وطب الأسنان، حيث وجد أولياء الأمور والطلبة فى إنشاء هذه الجامعات خروجًا من مأزق المجموع الكبير لتحقيق الطموح والآمال. واستطرد: ولكن يؤخذ على الجامعات الخاصة أن الكليات النظرية التى أنشأتها لم تكن على نفس الفائدة للمجتمع المصرى لأن كلها جاءت نمطية وغير مفيدة! ورأى د. على أن هناك بعض الجامعات الخاصة جادة تمامًا فى طرح خدمة تعليمية جيدة بالتوازى مع تحقيق الربح، وفى المقابل هناك البعض منها وضع فى مقدمة أهدافه المكسب بعيدًا عن أى حسابات أخرى، مؤكدًا أنه يحسم تلك المشكلة التطبيق الجاد لقانون ضمان الجودة فى تلك المؤسسات وإدخاله إلى حيز التنفيذ لضمان الجودة التعليمية فى تلك المؤسسات التعليمية ومنها مستوى الخريجين. وأكد د. على أنه مع الوقت واستمرار التجرية سوف تنضج الجامعات الجيدة والجادة منها وتندثر الأخرى التى تضع الربح والمكسب فى مقدمة أهدافها، حيث سينصرف عنها الجميع. وأشار د. على عبد الرحمن إلى أن تجربة الجامعات الخاصة شهدت إنشاء مجموعة من الجامعات المقترنة بجامعات أجنبية بدعم أجنبى مثل الجامعة الألمانية والبريطانية والفرنسية وغيرها، مؤكدًا أنه يرى أن بعضها كانت فعالة والأخرى غير فعالة، وأنه مع استمرار الوقت سوف يظهر للمجتمع مدى ارتباط مسمى هذه الجامعات بنوع التعليم المرتبط باسم الجامعة، فمثلًا هل الجامعة البريطانية تعلم وفقًا للنظام البريطانى وهى اسم على مسمى، وكذلك الفرنسية والأمريكية والألمانية.. إلخ. وعن مستقبل الجامعات الخاصة يرى د.على أن زيادة أعدادها أمر مرغوب فيه، وأن هيئة ضمان الجودة والاعتماد التى تم إنشاؤها مؤخرًا ستبقى الضمانة لمراقبة هذه الجامعات واستمراريتها، مطالبًا بضرورة التكامل بين الجامعات الخاصة ونظيرتها الحكومية بأن يكون التعاون بينهما مؤسسيًا وليس فرديًا بما يحقق فرص التدريب بالجامعات الحكومية لطلاب الجامعات الخاصة. بعض القصور اتفق مع الآراء السابقة تقريبًا د. عبد الحى عبيد رئيس جامعة حلوان الأسبق، حيث رأى أن الجامعات الخاصة تجربة ناجحة، وإن كان يشوبها بعض القصور المتمثل فى عدم وجود هيئة التدريس الخاصة بها، مشيرًا إلى أن نجاحها لا يعنى أنها أدت الدور. والمطلوب منها هو أن تجذب أكبر عدد من الطلاب للالتحاق بها للمساعدة فى تقليل التكدس الطلابى بالجامعات الحكومية، رغم أن هذا الغرض كان الهدف الأساسى من إنشائها وهو يتطلب منها تقليل المصروفات فى الفترة القادمة ليزداد الإقبال عليها ويتحقق الهدف. وعن رأيه فى مغالاة بعض الجامعات الخاصة فى الربح، قال د. عبيد إن قانون إنشائها لم يتطرق إلى الأسعار والمصروفات وترك الحرية لكل جامعة تحدد مصروفاتها وفقًا لما تقدمه من خدمة تعليمية، وعمومًا لا ضرر فى ذلك ما دامت الدولة توفر لكل طالب مكانًا بالجامعات الحكومية. رافد جديد وقال د. عباس الحفناوى رئيس جامعة المنوفية الأسبق إنه بعد 15 عامًا من بدء التجربة فإن هناك مجموعة من هذه الجامعات الخاصة تقدم تعليمًا متميزًا وأصبحت رافدًا آخر من روافد التعليم فى مصر، والمفروض أن يكون لكل 2 مليون مواطن جامعة وبالتالى فإنه وفقًا لهذا يكون المطلوب هو إنشاء 35 جامعة خاصة. وأضاف د. الحفناوى: ينبغى أن نشجع إنشاء الجامعات الخاصة التى تتبع شركات وهيئات أو جمعيات أهلية وليس لأشخاص لأن هدفها الأول سيكون تقديم خدمة تعليمية وليس الربح، مشيرًا إلى ضرورة تشجيع الجامعات الخاصة على الفصل بين مجلس الأمناء ومجلس الجامعة على أن تكون الرقابة على الجودة فى هذه الجامعات فى الفترة القادمة هى المرجع للحكم على صلاحيتها. وأشار د. الحفناوى إلى أن أبرز مساوئ الجامعات الخاصة فى المغالاة فى مصروفاتها وأسعار الخدمات التى تقدمها، وهو ما يتطلب التمسك بالرافد الآخر للتعليم العالى وهو المعاهد لأن اسعارها ومصاريفها أقل من الجامعات الخاصة، مؤكدًا إيمانه الكامل بالتعليم الجامعى الخاص بشرط أن يخضع لمعايير الجودة. الشروط الثلاثة ويرى د. سمير أبو على عميد تربية الإسكندرية الأسبق أن الجامعات الخاصة يمكن أن تساعد فى التخفيف عن الجامعات الحكومية ولكن إذا ضمنا التزامها بعدة شروط.. الأول أن تخضع لضمانات الجودة وتقييم الأداء ومواصفات الخريج العصرى الذى يمكن أن ينجح فى سوق العمل، والشرط الثانى أن يكون لها التزام تجاه الجامعات الحكومية المجانية بالمساهمة فى تطوير معاملها وورشها ومرافقها فى مقابل الإعارات والندب والاستعانة بأساتذة الجامعات الحكومية، أما الشرط الثالث فهو ألا تعمل الجامعات الخاصة فى جزر منعزلة عن الجامعات الحكومية بمعنى التوسع فى تبادل الخبرات والتجارب واللوائح وأساليب التقويم مما يجعلها جزءًا من التعليم فى مصر. ويضيف د. أبو على أنه من حسن الحظ فى إنشاء الجامعات الخاصة أنها تابعة فى الإشراف والرقابة لوزارة التعليم العالى ولها قانون وضوابط ومجلس أعلى خاص بها يقوم على رسم السياسيات لها وكذلك أمانة مجالس تقوم على تنفيذها لكن التحدى يتمثل فى درجة التكامل فى إنجاح العملية التعليمية دون تحويلها إلى الربحية والتكسب على حساب مواصفات خريج المستقبل.. وأن تؤدى دورًا يجب ألا يقل بأى حال عن دور خريج الجامعات الحكومية. إيجابياتها وسلبياتها فى تقييمه للإيجابيات والسلبيات فى تجربة الجامعات الخاصة قال د. حسن شحاتة المدير الأسبق لمركز تطوير التعليم الجامعى بجامعة عين شمس وعضو المجالس القومية المتخصصة إن من سلبياتها أنها أنشأت كليات نمطية مكررة على غرار كليات الجامعات الحكومية مما يزيد من جيوش المتخرجين العاطلين، كذلك اعتمادها فى القبول على اصحاب المجاميع المتدنية فى الثانوية العامة مما يجعل مدخلاتها دون المستوى العلمى وهو ما يؤثر على نوعية مخرجاتها بالسلب، وكذلك عدم عدالة توزيع تلك الجامعات الخاصة على محافظات الجمهورية وطبقًا للكثافة السكانية وبيئة كل محافظة، حيث تتركز معظم الجامعات الخاصة فى القاهرة. أيضًا من السلبيات - كما رأها د. شحاتة - عدم وجود أجهزة تقييم وقياس تحكم بكل جامعة لوضع معايير ورفع مستويات الأداء، وكذلك الاعتماد على استقدام واستعارة أساتذة من الجامعات الحكومية ليس معظمهم على المستوى المتميز، فضلًا عن أن برامج الإعداد فى الجامعات الخاصة لا ترسخ القومية والوطنية أو تسعى لتنمية ثقافة الإبداع والتفكير أو استخدام وسائط التعلم الذاتى والبحث العلمى بالقدر المنشود. وعن الإيجابيات قال د. شحاتة تشجيع الدولة لرجال الأعمال بالاستثمار فى التعليم الجامعى الخاص عن طريق منحهم الأراضى اللازمة لإنشاء الجامعة بأسعار رمزية وقروض ميسرة وإعفاء من الضرائب. وأيضًا من الإيجابيات توفير القدر المناسب والكافى من الحرية الأكاديمية والإدارية للجامعات الخاصة وكذلك إعطاؤها الاستقلالية فى صياغة سياستها وخططها بما يحقق لها النمو والازدهار المستمر. وأكد د. شحاتة أن الجامعات الخاصة هى المستقبل إذا ما قدمت تعليمًا جامعيًا متميزًا ومتطورًا لتخريج شباب مصرى يمتلك القدرة التنافسية الفائقة، مما يستوجب على كل جامعة خاصة إعداد مركز للتميز فى التعليم والبحث العلمى واستخدام التكنولوجيا الحديثة، كما أنه على الجامعات الخاصة أن تقيم علاقات وثيقة بين مراكز الإنتاج والصناعة والمؤسسات الإنتاجية والخدمية ومراكز البحث العلمى تعظيمًا لقدرات ومهارات منتجها التعليمى.