لم تشغله خبرته الاقتصاديه وعمله كملحق اقتصادي بجدة بالمملكة العربية السعودية عن كتابة الشعر هوايته الأولى منذ مقتبل العمر ونشر العديد من القصائد المطولة والقصيرة والأغاني والأوبريتات الوطنية التى برع فيها خاصة أوبريت « وطنى حبيبى الوطن الأكبر « الذي لحنه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وشارك فيه بالغناء : عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة وفايدة كامل وصباح وشاديه وغيرهم وحقق نجاحاً مدوياً واستطاع خلال عمله بالسعودية أن يلتقى كبار الشعراء والملحنين الذين كان يستضيفهم ورغم تعرفه على كبار نجوم الغناء فلم يكن من بين أحلامه وامنياته أن يلتقي ولو بعمل واحد تتغنى به سيدة الغناء العربى أم كلثوم ولم يفكر أو يبحث عن أحد الصحفيين أو الكتاب الكبار ممن لهم علاقة وثيقة بها أن يرشحه لها كشاعر ، وكان يكتفى بعلاقته الوثيقة بالموسيقار محمد عبدالوهاب الذي تعامل معه لفترة طويلة ورشح له كبار المطربين والمطربات الذين تغنوا بعمله الفنى « وطنى حبيبي الوطن الأكبر» ولكن الظروف ربما تغير كل شئ لتأتى إليه فرصته مع أم كلثوم على طبق من ذهب دون أن يسعى إليها وهو ما حدث في رائعته الكبرى « انت عمرى» التى كانت ضمن أعمال محمد عبدالوهاب ليغنيها بنفسه وبدأ في تلحينها بالفعل دون نشر أي أخبار عن ذلك وكان الثلاثة القريبون من عبد الوهاب د. مصطفى محمود صاحب البرنامج الشهير «العلم والإيمان» والصحفى الشهير كمال الملاخ «مكتشف مراكب الشمس» والشاعر الكبير فاروق شوشة صاحب برنامج «لغتنا الجميلة» الذي كان يحرص عبدالوهاب على سماعه أما عازف الجيتار الأول أحمد الحفناوى الصديق الصدوق لعبدالوهاب وأم كلثوم كان قد قرأ بعد المقالات والأعمدة الصحفية لمشاهير الكتاب الذين يطالبون فيها أم كلثوم بالتعامل مع عبدالوهاب ولو بأغنية واحدة خاصة بعد أن طال تعاملها مع ملحنها المفضل الموسيقار رياض السنباطى وآن الأوان أن تغنى لعبدالوهاب ذلك الحدث الفنى الذي ينتظره الجميع وتشاء الظروف أن ينقل الحفناوى هذا الاحساس وهذه الرغبة لأم كلثوم وكانت تثق فى رأيه أن يلتقى القمتان معاً مما جعل أم كلثوم تحبذ الفكرة وتطلب منه أن يكون حمامة السلام فى هذا الحدث الفنى الكبير ، ويعرض الحفناوى الفكرة على عبدالوهاب الذي رحب بها وأبدى استعداده ألا يمر الموسم الغنائي القادم دون أن يلتقى بأم كلثوم ويبحث فى جعبته عن عمل كبير يرقى لهذه المناسبة وتقفز إلى ذهنه رائعة أحمد شفيق كامل التى كان قد بدأ في تلحين مطلعها بالفعل وعلم بذلك الأستاذ كمال الملاخ ونشر مانشيت الصفحة الأخيرة الذي كان يكتبه بخط يده فى بابه الشهير من غير عنوان «لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبدالوهاب وأحمد شفيق كامل في انت عمرى « ونشر المذهب الذى يقول «رجعونى عنيك لأيامي اللى راحوا .. علمونى أندم .. على الماضى وجراحه .. واللى شفته .. قبل ماتشوفك عينيه .. عمر ضايع .. يحسبوه ازاي عليه .. إنت عمري .. اللى ابتدا بنورك صباحه « وما أن نشر الملاخ هذا الخبر حتى أسرع عشاق عبد الوهاب وأم كلثوم فى مصر والوطن العربى مسبقاً بحجز أماكنهم فى سينما قصر النيل لكى يستمتعوا بلقاء السحاب ، ونفذت تذاكر الحفل بالفعل بعد الأسبوع الأول من فتح باب الحجز .. أما الحكاية التى أرويها فى هذا المقال فتتلخص في أن الأستاذ ممدوح طه رئيس قسم الأخبار وأشهر صحفى أخبار في المنطقة العربية وتخرج على يديه كبار الصحفيين وتعلموا منه قيمة الانفراد بالأخبار الصحفية التى تخص الأهرام وكان أحد اصدقائه المقربين منه يعمل في السلك الدبلوماسى قد طلب منه أن يساعده في حجز تذكرتين له ولزوجته بعد أن فشل في الحصول على أي تذاكر من شباك سينما قصر النيل ويخشى أن يفوته لقاء السحاب الكبير الذي يجمع القمم الثلاثة وأبلغه الأستاذ ممدوح أنه سيحاول ذلك مع مندوب وزارة الإعلام « كاتب هذه السطور » واعتبرت هذا التكليف من جانبه أمتحاناً لابد أن انجح فيه مع الأستاذ الذي علمنى فنون الصحافة والسبق الصحفى وكانت تربطنى في ذلك الوقت علاقة طيبة بأحد موظفى الأذاعة في شارع الشريفين واسمه كما أذكر» الهجان « وكانت أم كلثوم تترك معه حوالى عشر تذاكر دعوة لأكثر المقربين إليها وقد اتصلت به بالفعل ووعدنى بأنه سيهدينى آخر تذكرتين معه وطلب منى الحضور لأستلامهما بمنزله بأحد الشوارع الجانبية في نهاية كبرى عباس فى اتجاه الجيزة وكان لا يذهب الى الاذاعة مع اقتراب موعد الحفل هرباً من كثرة طلبات عشاق أم كلثوم الذين يطلبون منه التذاكر وصعدت الي شقته في الطابق السادس في الشارع الذي وصفه لى وما أن طرقت باب الشقة حتى فوجئت بكلب كبير كالوحش الكاسر يدفع باب الشقة برجله وينطلق ورائي بنباحه المستمر والمرعب دون توقف وأنا أهرول مسرعاً الي أسفل وكاد أن يمزق بنطلون البدلة دون أن يساعدني أو ينقذنى أحد منه وكان ذلك في الثامنة مساء حتى وصلت الي الدور الأرضى ويعود الكلب الي مكانه ووجدت نفسي جالساً علي كنبة البواب ألتقط أنفاسى وأنا في قمة الإرهاق والتعب والاعياء من هول ما حدث لى وعدت الى منزلى في آخر الليل لأتصل في الصباح بالأستاذ الهجان وابلغه بما حدث فتعجب وقال ماتخفش وتعالى بكره فى نفس الموعد وانا سأربط الكلب وأحبسه في الغرفة المجاورة ولكنى لم أقتنع بذلك وخشيت أن يحدث لي ما حدث بالأمس وزيادة في طمأنتي أكد لى أنه سيكلف أحد أقاربه بانتظاري أسفل المنزل ليصاحبني بعد ذلك وهو ما حدث بالفعل وأستلمت التذاكر وشكرت له ذلك وعدت بالسلامة الي منزلي لألتقي في الصباح بالأستاذ ممدوح رحمه الله وقدمت له التذكرتين دون أن أروي له ما حدث لى وشعرت اننى قدمت خدمة لصديقه الذي تربطه به علاقة وثيقة منذ زمن طويل ، ليعود في الصباح هو وزوجته الي الأهرام ليشكرا الاستاذ ممدوح الذي حقق لهما امنية غالية وقضيا ليلة من أجمل ليالي العمر بسماع انت عمري .. وتتوثق العلاقة بيني وبين الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل ويتواصل الاتصال بيننا كلما عاد من السعودية الي القاهرة، وكثيراً ما كان يدعوني لزيارته في منزله 4شارع حندوسه – جاردن سيتى وروي لي ذات يوم حكاية انت عمرى التي اصبحت من نصيب أم كلثوم وكانت مكتوبة أساساً ليغنيها عبد الوهاب ولكن عندما تحمست أم كلثوم وبلغ تحمسها ذروته في ان تغني من الحان عبدالوهاب وطلبت منه البحث عن كلمات جديدة ولضيق الوقت وحتى لا تضيع الفرصة على عبد الوهاب أقنعه شفيق كامل أن يقدم لها انت عمري كأغنية جديدة وغنتها أمام عشاق فنها علي مستوى الوطن العربي وحقق نجاحاً مبهراً دون أن يذكر شفيق لأم كلثوم أن عبد الوهاب فضلها عن نفسه في هذا الحدث الفني الكبير وأهدانى نسخة من البروفات الاولى لرائعته انت عمري بصوت عبد الوهاب كأجمل ما يهديه شاعر كبير من جيل الرواد لشاعر صديق يعتز به .