النيل.. جوهر مصر وجوهرتها، كيان مصر وكينونتها، هدية السماء إلى أغلى بقاع الأرض... في خطر. فهو يئن من تصرفات أبنائه الذين لم يقدروه حق قدره. فأساءوا إليه بصرف صحي غير معالج من 85 % من القرى المطلة على جانبيه، وصرف صناعي محمل بالسموم والملوثات الكيميائية شديدة الخطورة، وتحول قاعه إلى سلة قمامة تستقبل أطنانا من المخلفات التي تلقى فيه ليل نهار. وفي الوقت الذي يتعرض فيه لكل هذه الإساءات، ما زال المصدر الوحيد للوفاء بمعظم احتياجاتنا للمياه. والأمر هكذا، بدأت أمس أول الحملة القومية لإيقاف التعديات على النيل التي أطلقها رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب بمشاركة وزرارات الرى والزراعة والإسكان والداخلية. وفي الوقت نفسه يحذر علماء مصر وخبراؤها من أن تتحول هذه الحملات إلى مبادرات موسمية تبدأ، وتنتهي، وتظل المشكلة كما هي، مطالبين بتحديث شبكات الري والصرف لوقف هدر مياه النهر، ومحذرين من وجود أنابيب البترول أسفل مجرى النيل وفوقه. يقول الدكتور مغاوري شحاتة خبير البيئة والمياه إن أبرز المشكلات التي تتعلق بالنيل هي إهدار مياهه، مما يشكل تحديا كبيرا إذ أن هناك فاقدا في النشاط الزراعي يصل إلى نحو عشرة مليارات متر مكعبة سنويا نتيجة سوء شبكات الري والصرف، وكذلك هناك زراعة محاصيل مستهلكة للمياه بالمخالفة لما تقرره الدولة التي يجب أن تتعامل بفاعلية مع تلك المشكلات، وأن تنهض فورا بشبكات الري والصرف، وتحسين نظم الصرف، والعودة إلى الدورة الزراعية. فاقد.. وإهدار مشكلة تلوث مياه نهر النيل تمثل تحديا كبيرا أيضا من حيث النفقات التي تهدر على معالجة المياه لتصبح صالحة للاستخدام المنزلي والشرب، وعبئا اقتصاديا وصحيا على المواطنين، نتيجة تلوث المياه ومعالجتها، إذ تمثل مشكلة الفاقد من شبكات مياه الشرب -التي تصل إلى نحو 35%- عقبة أمام احتياجاتنا المائية، إذ يُقدر الفاقد بنحو ثلاثة مليارات متر مكعبة سنويا من المياه النقية المعالجة. ويشدد الدكتور مغاورى على أن الحديث عن إصلاح مليوني فدان غرب وداي النيل وغرب الدلتا كلام مبالغ فيه نظرا لمحدودية كميات المياه الجوفية، ورداءة نوعها. ومن هنا وجب الحفاظ كما يقول على كل قطرة من مياه النيل، واعتماد برامج ترشيد استخدام المياه، وصيانة الشبكات لتقليل الفاقد، وسد الفجوة التشريعية التي تجعل القوانين الحالية غير كافية لمواجهة التعديات على النهر والتصرفات الجائرة. التلوث بالبترول أشكال التلوث التي تواجه النيل متعددة - كما يقول القبطان محمود إسماعيل خبير البيئة البحرية- ومن أخطرها التلوث بالزيت، بعد تعدد حوادث انسكاب البترول داخل النهر خلال السنوات الماضية. فإلى جوار 42 ميناء نهريا بطول النهر و 10 مراس منها 8 مراس لتحميل وتفريغ المواد البترولية (بنزين- سولار- مازوت)، يتم نقل 800 ألف طن من مشتقات البترول سنوياً عبر النهر، ويوجد 108مراس سياحية نهرية منها 50 مرسى بالقاهرة و40 بالأقصر و40 بأسوان. كما يوجد نحو 927 صندلا تجاريا، ونحو 354 سفينة سياحية منها نحو 280 سفينة تعمل بين الأقصر وأسوان، و 1600 وحدة نهرية لنقل الركاب. ومن المخطط قيام وزارة النقل بإنشاء 5 موانى نهرية جديدة، والتوسع في حركة النقل النهري، وزيادة أعداد سفن نقل البضائع العاملة بنهر النيل، مما يزداد معه مخاطر التلوث الناجم عن منظومة النقل النهري. وكذلك يخترق نهر النيل خطا أنابيب قطر 180 سم بمنطقة التبين جنوب حلوان تابعان للشركة العربية لأنابيب البترول «سوميد» يتم خلالهما نقل 117 مليون طن زيت خام من العين السخنة، وحتى سيدي كرير، إذ تصل قدرة ضخ الزيت بالخط إلى 9 آلاف طن في الساعة. ويحذر محمود إسماعيل من أي كسر في خطوط سوميد سوف ينتج عنه كارثة بيئية، مشيرا إلى أنه حدث بالفعل كسر خلال أكتوبر عام 1999 بخط سوميد بمحطة تخفيف الضغط بالتبين نتج عنه تسرب نحو 1200 طن من الزيت الخام دمرت نحو 10 أفدنة من الأراضي الزراعية المحيطة، وعلى مقربة من النيل . ومن مصادر الخطر أيضا شبكة خطوط الأنابيب التابعة لشركة أنابيب البترول المصرية، وهي تصل لنحو 14 ألف كم منتشرة بربوع مصر لتوصيل المواد البترولية إلى مناطق التوزيع والاستهلاك، وتعبر نهر النيل .