على مقاهى وسط البلد تعايش الشباب الغاضب مع قيادات السبعينيات والثمانينيات مما أنتج جيلا مختلفا تربى على الثقافة السمعية والبطولات الفردية ومصطلحات اليسار والتفاخر بعدد مرات الاعتقال والوقفات الاحتجاجية. كانت البداية بظهور جيل المدونين المهجن بين أكاذيب جيل انتهت صلاحيته السياسية وجيل متشبث بالغد وشهدت تلك المقاهى معارك الفصائل الماركسية حول مفهوم التطبيق الاشتراكى مابين ستالين وتروتسكى فى قهوة عّم فتحى وبعد يناير احترف شباب القوى التى أصبحت ثورية فى تنظيمات جديدة وظهر معهم نجوم الائتلافات ليتخذوا من الفنادق الكبرى ومكاتب الصحف ورجال الاعمال مقار جديدة وكما شهدت تلك المقاهى بدايات حركة 6 أكتوبر شهدت انقساماتها على مقهى الليبراليين ومع الانقسامات بين الحركة والحزب انتقل بعضهم لمقهى افتر ايت خلف الجريون وأغرت تلك الانقسامات بعض الثوريين لافتتاح مقاه واستقطبت الصحفيين والمراسلين الباحثين عن قصص إخبارية مثيرة وكانت تلك المقاهى حلما لشباب الاخوان فكانت الملجأ لبعضهم حينما انشقوا عن قيود الجماعة الحديدية مثلما فعل محمد عادل وأحمد عبد الفتاح وظهروا على مقهى التكعيبية مع شباب حزب التجمع واستقطب ذلك المزيد من شباب الجماعة مثل احمد دومة الذى كان متأخونا وأسس على التكعيبية حركة غاضبون وهناك المقاهى السرية للاشتراكيين الثوريين كقهوة عّم زكريا امام البنك المركزى وهكذا كانت أرصفة وسط البلد هى المقر الرسمى لتجمع الغاضبين والحركات الاحتجاجية قبل يناير وخلاله كانت استراحة للمتظاهرين واستمرت بوصلة وقبلة لأحوال مصر السياسية فيها نبض الشباب والثورة والاحتجاج والغضب والقلق والرفض ودعمت وجودها بقوة ميدان التحرير وشرعيته وسطوته ولروادها الدائمين أو عابرى السبيل حكايات وذكريات مع الميدان ويومياته غير تلك التى صدعتنا بها شلة الائتلافات والفضائيات والتأريخ الحقيقى لما حدث فى هذا البلد خلال السنوات الأربع الماضية موجود على أرصفة تلك المقاهى، وفى رأيى أن الصخب والضجيج فى مقاهى وسط البلد أصدق أنباء وأطهر وأشرف من كل مايدور من مساومات ومفاوضات الفنادق وردهات الأحزاب لاقتسام كعكة البلد اليتيم وحوارات وحيوية مقاهى وسط القاهرة تفضح كل أحزاب النخبة والسبوبة ويظل الكيلو متر مربع الممتد من مقهى ريش مرورا بمقاهى البورصة هو ترمومتر الحياة السياسية بعد يناير وهو المطبخ السياسى الحقيقى للشباب وهو الملاذ والملجأ للشباب لتفريغ فائض الطاقة الفكرية والسياسية بعد أن حاصرت كل الأنظمة هؤلاء الشباب فى الأحزاب والجامعات وعجزت عن ترويضهم فى الهياكل الأمنية التى اخترعتها، صحيح أن تلك المقاهى كانت مصيدة ووسيلة مراقبة وموقعا استراتيجيا للامنجية ولكنها كانت أيضا حضانة لتفريخ الجيل الغاضب الذى خرج منتفضا قبل يناير وحتى الآن وفيما يبدو أن معظم الأنظمة فى هذا البلد لاتتعلم أبدا الدرس إلا فى الوقت الضائع بمعنى أنها تكرر نفس الأخطاء بمنتهى الدقة والحماقة وتحت زعم انها مقاه عشوائية تواصل قوات الأمن حملاتها اليومية لإزالة الكراسى والشيشة من على الأرصفة بالرغم من أن معظم الأحزاب الرسمية أكثر عشوائية من تلك الارصفة ولا يفكر مسئول واحد أين يذهب هؤلاء الشباب بعد أن أصبحت كل المنافذ المشروعة مسدودة فى وجوهم فاشتراك الأندية بمئات الآلاف والأحزاب، تحولت لدور المسنين من عجزة الساسة وكهنة الأحزاب ولعل هذا مايفسر ظاهرة الاولتراس فى المدرجات والملاعب وربما تكون الظاهرة قديمة بدليل أن صاحب نوبل النبيل نجيب محفوظ كان يتخذ من تلك المقاهى مقرا يوميا لندوات فى قشتمر وعرابى والفيشاوى وكازينو الأوبرا، وتاريخيا كانت المقاهى هى المقر الرسمى للثوار كحالة ريش مع ثورة 1919 وزهرة البستان التى احتضنت كل مبدعى هذا البلد ومازالت المقاهى هى نبض مصر والمتحدث الرسمى للشارع السياسى. ببساطة مشكلة السيسى أنه يريد كأس العالم بفريق من الهواة. كل فراغ سياسى تملؤه داعش وكل فراغ إعلامى تسكنه الجزيرة. تطهير الاعلام يبدأ بتطهير رجال الأعمال والإعلان. ليس من الدستور ولا المواطنة تقسيم مصر بين الشباب والمرأة والأقباط. برامج الجن والجنس هى الوجه الآخر لداعش كلاهما يستدعى الخرافة. كلما زادت دماء ضحايا داعش بالمنطقة زاد دوران مصانع الأسلحة الأمريكية. ذهب مبارك من أربع سنوات ولاتزال الأحزاب تشكو من تضييقه عليها. عودة مراكز القوى تثير مخاوف تكرار أيام ماقبل وبعد 67. العلاقات الدولية ليست كعلاقات الجمعيات الخيرية بالمتبرعين. معظم مشكلات القضاة ستختفى عند إلغاء نقل الضباط للنيابة. هيبة الدولة فى الانحياز للمظلوم والمريض والفقير. لمزيد من مقالات سيد علي