قمع, تسلط, اغتيال, تخلف, تكميم, محاصرة, عرقلة, فاشية, سيطرة, تشويه, تعنت, ثورة مضادة.. هذا مجمل اللعنات التي صبها عدد من العاملين في الجمعيات والمنظمات المدنية الممولة من الخارج, علي مشروع قانون جديد ينظم عمل الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية, حتي يصب عملها في خدمة المجتمع وتنميته, لا اختراقه وتدميره وتفجيره من الداخل, ولا أعلم ما الذي يضير هذه الجمعيات أو غيرها من اتباع القواعد والقوانين التي تراقب عملها مادامت تسعي في الخير! العمل الأهلي رسالة مقدسة, يقوم بها الأخيار القادرون علي فعل الخير, سواء قدرة مادية أو فكرية ثقافية, لخدمة المجتمع المحيط بهم, فينشرون السلام والمحبة, فيفيض عليهم ما صنعت أيديهم من حب وتقدير لا يقدر بثمن, وهذا الفعل الطيب, لا أعتقد أن هناك ما يضيره من قوانين, ولا تقدر سلطة إدارية أو حكومية علي أن تقيده, فمن أين تستمد يد البطش قوتها لتقف أمام الإيثار العام؟! ذلك الذي يعطي ولا يأخذ, فيد العطاء العليا أقوي من كل يد!هذا لا يعني انفلات العمل الأهلي, وخروجه عن الدولة وسلطتها العامة, فمراقبة النشاط الاجتماعي ومتابعة إنفاقه المالي حق وواجب الحكومة الأصيل, حتي يكون هذا النشاط حقا في خدمة البيئة, ومراعيا النظام العام والآداب والأمن الوطني, فمن غير المنطقي أن يترك الحبل علي الغارب لكل من يريد أن يتستر تحت شعارات مدنية, فكم من موسي وطلع فرعون! أصحاب المشروعات الخيرية الأبرار لا تفزعهم رقابة, ولا يتناقضون مع الدولة, بل يتكاملون معها في خدمة المجتمع, وتأدية رسالتهم الإنسانية بوضوح وشفافية, ولا يريدون شيئا إلا من وجه الله. مع هذا.. هناك من الجمعيات الخيرية التي تعرفت عليها من خلال الناس من حولي لا من الإعلام والدعاية, عندما قالت لي شقيقتي( يرحمها الله) بعفوية: لا تلقي بأشيائك القديمة تبرعي بها لرسالة, وسألتها أي رسالة؟ لتحكي لي حكاية( رسالة) بفخر نبيل يجسد قوة الخير الحقيقية عندما يجد الإرادة الصادقة في الفعل الإيجابي, والفكرة بدأت في محاضرة بكلية الهندسة جامعة القاهرة, لأستاذ شاب 35 سنة عن أخلاقيات المهنة, فتطورت المناقشة الأخلاقية إلي عدم الاكتفاء بالنقد, والحسرة علي الأوضاع السيئة, بل القيام بفعل إيجابي لخدمة المجتمع, بأي درجة بسيطة, وبدأت بحركة طلابية بكلية الهندسة بقيادة هذا الأستاذ, الذي استطاع أن يستوعب طاقات الشباب, وأخذت في النجاح في مجتمع متشوق لاستغلال طاقاته لينقذ بها نفسه بنفسه, ومن جماعة طلابية عام2000 إلي أكثر من50 فرعا في مختلف أنحاء الوطن, تخدم الناس دون أن يعرفوا حتي صاحب الرسالة د. شريف عبدالعظيم!رسالة نموذج مضيء للعمل الأهلي, الذي يتكامل مع الدولة, ولكنها وغيرها لم تكن كافية لاستيعاب طاقة الشباب الهائلة, التي تركت ليستغلها الآخرون, فانفجرت فينا من تجمعات متطرفة دينيا أو عرقيا أو كرويا, وأيضا بلا هوية ممن ألقوا في الشارع بالملايين, والأخطر ما حدث من قطيعة معرفية بين الحاضر والماضي لشباب الطبقة الوسطي, فلا يعرفون إلا اليسير عن ماضي بلدهم, كأن التاريخ والشخصية المصرية بثقافتها وطموحها أصبحت عبئا علي الدولة, فاختارت أن تزيل العبء عن كاهلها وألقت بعضه علي نفر من القطاع الخاص, والباقي ألقت به في الشارع! ومن رعي غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولي رعيها الأسد. فرطت مؤسسات الدولة في رسالتها تجاه توعية وتربية واستيعاب الشباب في المدارس والجامعات والأنشطة الثقافية والرياضية, مما أدي إلي الضمور الثقافي التعبوي لأهداف وطنية. العمل الأهلي في التنمية الاجتماعية الخيرية يجد قبولا عاما من الدولة والناس لوضوح أهدافه, بينما العمل في مجال التنمية السياسية عليه محاذير قانونية أساسية من واجب الدولة تنفيذها قانونيا وحقوقيا, فإعطاء المجال للتنمية السياسية والحقوقية لا يعني انفلات هذا القطاع عن رقابة الحكومة, خاصة في الإنفاق المالي, ونتيجة لاستهتار الحكومة سابقا بهذه الرقابة, استباح المال الأجنبي البلاد, وأسس فروعا لمنظمات دولية لها أهدافها الخاصة دون ترخيص, وتمادي في إجراء بحوث واستطلاعات رأي, ودعم حملات انتخابية لأحزاب معينة, وأعد تقارير بها وأرسلت للمقار الأجنبية الرئيسية, كل ذلك برغم الحظر الصريح الذي يمنع التدخل السياسي الأجنبي في الشأن السياسي الداخلي, وهو ما لا تسمح به أي دولة ذات سيادة, عليها مسئولية حماية مواطنيها, من شر التدخل الأجنبي بالمال السياسي المشبوه, الذي يخشي الرقابة والشفافية, خاصة أن العاقل لا يرفض أبدا الشرط الذي في آخره نور! رسالة العمل الأهلي المكملة لرسالة الدولة في شراء الأمن والاستقرار لوطن يتمتع بروح الجماعة والتعاون والتكافل فيد الله فوق يد الجماعة تم بيعها لجهات دخيلة تعمل علي زرع الفتن وإثارة القضايا التي تخص مكونات الوطن الإثنية والطائفية بشكل تحريضي, يبث الشكوك وعدم الثقة, ليعيش المجتمع في حالة من الكذب المنظم, يشترك فيه نفر وشباب قليل الخبرة, لم يمر بالتربية الوطنية ولا القومية ولا الأخلاقية بالشكل اللائق بوطن تاريخي كمصر.. فلا يكذب المرء إلا من مهانته أو مكان السوء أو قلة الأدب لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جد وفي لعب. تحت غطاء حقوق الإنسان والحرية, يتم اللعب بأسس الوطن الجامعة ومؤسساته الحيوية, فليس التطاول علي الجيش الوطني الممثل الموضوعي لكل مكونات الوطن, بعيدا عن الأطراف الخارجية, التي لا تكف عن إمداد أذرعها الداخلية بموضوعات مثيرة لزعزعة استقرار الشرطة والقضاء, لتنهار سلطة القانون وأداة تنفيذها وبالتالي الدولة. المعركة الآن ليست بين الحرية والاستبداد, أو بين حقوق الإنسان والطغيان عليها, ولكنها بين السيادة الوطنية الحامية لكل الأسس الوطنية, وبين الاستعمار العالمي والإمبراطورية الجديدة, التي تفرض العولمة الرافضة للكيانات الوطنية وخصوصيتها, وتفرض هيكلا من القيم والاتجاهات تسعي لتثبيته, وفرضه علي الشعوب, وهي ليست مجرد مفاهيم نظرية فكرية, ولكن إجراءات ملموسة في السياسة والاقتصاد والإعلام, تخرج المسحوقين والطبقات الكادحة من حساباتها, وتلغي كل ما هو جماعي وطني أو قومي لمصلحة الفرد وأنانيته, وهي الإجراءات الأساسية التي لم يتحملها المصري في كل مكان, فخرج في ثورة( يناير) الأخيرة, ضد هذه السياسة العولمية, التي تقضي علي استقلال الوطن, والانتماء لأهله وهويته. وتحاول بعض المنظمات الدولية التي اخترقت الداخل بأساليب وأدوات إعلامية وسياسية عديدة, تجيير هذه الثورة وبيعها لمصلحة هذه القوي الاستعمارية, التي تسببت فيها من الأصل! السيادة الوطنية لا تعني الانغلاق عن العالم, ولكن حماية المصالح الوطنية لجموع الشعب ليعيش بكرامة, فقد علمتنا ثورة(52) أن الوطنية المصرية لا تتناقض مع العروبة, ولا مع الإنسانية العالمية, والاحتكاك بالثقافات الأخري, وتبادل المعارف دون الانسلاخ عن شخصيتنا الوطنية, ولا التفريط في مصالح شعبنا, وهو ما يحتاج إلي إعادة تفعيل بعد ثورة يناير, ليسترد الشعب سلطته بالفعل لا بالشعارات المدفوعة الأجر! آن لصوت بلدنا أن يعلو ويدوي بأبعاد المعركة الحقيقية وهي تحتاج إلي رجال مخلصين لأوطانهم, صحيح أن عيب الرجالة.. قلتهم, كما يقول المثل الشعبي, إلا أن بيننا ما يكفي منهم لحماية الأوطان, بل هناك من النساء من يملكن عزائم الرجال, كالسيدة( فايزة أبوالنجا) وزيرة التخطيط والتعاون الدولي, التي تصدت بشجاعة للاختراق الخارجي المدمر, كأنها علي درب( أم كلثوم) التي هتفت من قبل.. إعلي ودوي يا صوت بلدنا فكلتهما ست.. لكن بميت راجل! المزيد من مقالات وفاء محمود