لن تتقدم مصر إلا إذا عاد للكفاءات اعتبارها، وأصبحت الجدارة والكفاءة هما المعيار الأساسى للحراك الاجتماعي، وتولى الوظائف والمواقع القيادية فى الأماكن المختلفة، وهو ما حدث فى اختبارات وزارة الخارجية التى جرت خلال الفترة الماضية، وظهرت نتيجتها الأسبوع الماضى واعتمدها الوزير سامح شكري، بعد أن تقدم إليها 1244 شابا وفتاة من حملة المؤهلات العليا بجميع التخصصات، وتقدم إليها أبناء الوزراء والسفراء واللواءات، واستطاع 19 فقط الحصول على النسبة النهائية اللازمة للنجاح فى جميع الاختبارات المؤهلة للالتحاق بوظيفة ملحق دبلوماسي. الجديد فى الأمر أنه لم ينجح أحد من أبناء السفراء والوزراء واللواءات، وكان عددهم 11، إلا أنهم لم يحصلوا على النسبة المقررة للنجاح، ولم يستطيعوا اجتياز الاختبارات التحريرية أو الشفهية، فى حين استطاع بعض أبناء ذوى المهن البسيطة اجتياز الاختبارات والنجاح فى المسابقة، والحصول على الوظيفة، مما يعنى أننا نسير فى الطريق الصحيح من أجل أن تأخذ الكفاءات حقها فى المجتمع، بعد أن أصبحت «الواسطة» هى «السر» فى كل شيء بدءا من الحصول على «وظيفة»، وانتهاء بالترقية، ووصولا إلى أعلى المناصب القيادية، بما فيها رؤساء الهيئات والشركات والمؤسسات، وحتى المحافظون والوزراء، فالقاعدة هى أن تكون من أصحاب «الواسطة والشلة والمعرفة»، والاستثناء هو أن تكون الكفاءة هى المعيار!! للأسف هذا هو حال المجتمع الآن، مما أدى إلى تدهور جميع الخدمات، وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية، لأن أنصاف الكفاءات هم المسيطرون فى كل مكان، وهؤلاء غير قادرين على بذل الجهد والعرق، ولا يعرفون إلا أن يأخذوا فقط دون أن يعطوا أى شيء. لست ضد أبناء السفراء والوزراء واللواءات، فهم مواطنون لهم حقوقهم كاملة، لكننى ضد أن يأخذ هؤلاء أماكن لا يستحقونها، فهم مواطنون لهم كل الحقوق بشرط الكفاءة وليس لمجرد أنهم أبناء هذا أو ذاك. اختبارات الخارجية هى التطبيق الحى للدستور المصري، حيث أشارت المادة 9 منه إلى التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز. أما المادة 14 فقد نصت على أن «الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، دون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين عليها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا فى الأحوال التى يحددها القانون». وجاءت المادة 53 لتؤكد المساواة الكاملة بين المواطنين، حيث أشارت إلى أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي، أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر، كما أكدت المادة نفسها أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وألزمت الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. هذه هى نصوص الدستور، أما ما يحدث على أرض الواقع فهذا شأن آخر، فالتوريث أصبح سمة أساسية فى الوظائف، وأصبح ابن السفير سفيرا، وابن القاضى قاضيا، وابن الضابط ضابطا، وابن أستاذ الجامعة معيدا، وهكذا حتى أصبح البعض يطلق نكتة لها مغزاها حينما يقولون: إن الوحيد الذى فشل فى توريث ابنه هو الرئيس الأسبق مبارك بسبب الثورة عليه». فرق ضخم بين أن يأخذ ابن هذا المسئول أو ذاك فرصته، فهذا حقه الطبيعي، ويجب ألا تكون جريمته أن والده مسئول، لكن الجريمة أن يأخذ هذا الابن حق غيره وهو غير مؤهل لذلك، مما ينتج عنه خلل اجتماعى جسيم، والأغرب أن تضع بعض الهيئات مواصفات للآباء والأمهات، وضرورة حصولهن على المؤهل العالي، فما دخل المؤهل العالى للأب أو الأم بوظيفة الابن؟ وهل سيعملان بدلا منه أم سيذهبان لمساعدته؟ مواقف غريبة وغير مقبولة على الإطلاق أسهمت فى ضعف الانتماء الوطني، وفتحت أبواب الشك وعدم الثقة للعديد من أجيال الشباب فى ظل نقص الوظائف، نتيجة الأزمة الاقتصادية التى تجتاح مصر منذ أربع سنوات بسبب تداعيات الثورة. لابد من تطبيق حازم لنصوص الدستور على جميع الأصعدة والمستويات، بدءا من الوظيفة الصغيرة وحتى أرفع المناصب والمواقع، فالكفاءات حينما تأخذ حقها تفتح أبواب الأمل أمام الآخرين، والعكس صحيح حينما يقفز أصحاب «الواسطة والمحسوبية» فإن الأبواب يتم غلقها، وتزداد حدة الاحتقان والكراهية داخل المجتمع. تحية تقدير واحترام للوزير سامح شكرى وزير الخارجية، متمنيا أن تنتقل العدوى إلى مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات، بعيدا عن الواسطة والمحسوبية. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة