حمل عام 2014 في طياته العديد من الأحداث الساخنة التي ستظل لها تداعياتها خلال عام 2015، ولعل أبرزها مظاهرات بوركينا فاسو التي لفتت أنظار العالم بعد أن أطاحت خلال أسبوع ببليز كومباوري أحد أطول الزعماء حكما في القارة السوداء، وما أعقبها من صيحات دوت في سماء ميادين واجادوجو احتجاجاٌ على تخبط إدارة المرحلة الانتقالية لتحول دون تكرار نفس السيناريو الذي شهده البلد عبر حكامه الخمسة منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960. لكن المشهد الأخير تغير هذه المرة حيث تشكلت حكومة انتقالية مدنية لحين إجراء انتخابات رئاسية. ومن المرجح أن يشهد عام 2015، وعلى وجه الخصوص في شهر نوفمبر المقبل، ثمار ما دفعه الشعب البوركيني من دماء وتضحية باختيار رئيس ديمقراطي تعطش له الكثيرون طويلا من أجل بدء رحلة تحقيق حياة كريمة لن تأتي سوى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ومن الصعب للغاية أن يستطيع أحد تحديد مصير بوركينا فاسو التي يعني اسمها «بلد الأحرار» أو أن يرسم مستقبلها، لكن بعض المحللين السياسيين المعنيين بالشئون الإفريقية يرون أن مصلحة الدولة تقتضي بقاء قيادات الجيش على الساحة السياسية لضبط الأمن، بينما يفضل آخرون استمرار الرئيس المؤقت في مزاولة مهامه بدلا من البدء من الصفر، في حين يتوقع قليلون ظهور بطل جديد يجمع عليه الشعب في الفترة المقبلة. تكهنات أخرى تشير إلى أن أحداث بوركينا فاسو ستطلق عنان موجة من الثورات في أنحاء إفريقيا عام 2015، أو تطيح برؤساء آخرين، ورشح الخبراء أسماء دول بعينها. وقد انقسمت الآراء حول هذه المسألة، إذ استبعد بعض المحللين تكرار نموذج بوركينا فاسو في دول أخرى سريعا، أو تحديدا في عام 2015، نظراً لاختلاف الأوضاع الداخلية في بوركينا فاسو عن بقية الدول الإفريقية، فأحزاب المعارضة في العديد من الدول تواجه رؤساء ونخبا سياسية أكثر قوة من تلك التي واجهتها جموع المتظاهرين في بوركينا فاسو، وقد كان العامل الحاسم في نجاح الإطاحة بكومباوري هو تعاطف الجيش مع الجموع الناقمة بعد تمرد الجنود عام 2011 لعدم حصولهم على علاوات مالية، لكن رؤساء الدول الغنية المنتجة للبترول مثل أنجولا أو غينيا قد يستخدمون موارد الدولة لتمويل المحسوبيات السياسية وشراء ولاء أصحاب الرتب العسكرية، كما أن مصالح القوى الغربية خاصة الولاياتالمتحدةوفرنسا في الغرب الإفريقي ساهمت في سرعة إعادة الاستقرار السياسي لبوركينا فاسو. ويتوقع خبراء آخرون حدوث صراعات وثورات، خاصة أن ما حدث في بوركينا فاسو لم يكن سوى صورة متماثلة للمشكلات التي يواجهها العديد من الدول الإفريقية الأخرى، إلى جانب تكرار ظاهرة سعي الحكام لتعديل الدساتير لتمديد فترة رئاستهم، كما هو في أنجولا وزيمبابوي وغينيا وتشاد والكاميرون والجابون وتوجو وجيبوتي. وعلى طريقة المنجمين، يتوقع خبراء أن تكون جمهورية الكونجو الديمقراطية نقطة الاحتدام المقبلة، إذ أن مؤيدي جوزيف كابيلا الذي شغل مقعد الرئاسة لفترتين يشنون حاليا حملة لتمديد فترة حكمه، إلى جانب حملة الاعتقالات التى تنفذها قوات الأمن على حشود المعارضة. وفي هذا الشأن، يرى ويليام أسانفو الباحث في معهد جنوب إفريقيا للدراسات الأمنية أن تكرار ما حدث في واجادوجو سيقود إلى أعمال عنف فى برازافيل عاصمة جمهورية الكونجو، لأن الأنظمة في مثل هذه البلدان قد لا تلتزم بضبط النفس كما فعل جيش بوركينا فاسو، ففي الكاميرون على سبيل المثال، تأمل المعارضة في أن يرحل الرئيس بول بيا بالطريقة عينها التي رحل بها كومباوري الذي يواجه تهم فساد وانتهاك حقوق الإنسان خلال فترة حكمه التي استمرت 27 عاماً. وسواء حدث هذا أوذاك، فقد دخلت بوركينا فاسو تاريخ صراع الحكومات مع الشعوب، بعد أن صارت نموذجاً يحتذى به في التصدى للديكتاتورية، ودليلا واضحا على مدى تأثير صوت الشارع الذي بات لزاما عدم الاستهانة به، وأصبحت تجربتها أداة تحفيز لجميع الشعوب الإفريقية الأخرى، لتزيد من جرأتها في مواجهة حكامها العازفين عن ترك السلطة. ولكن على الرغم من كل هذه النبوءات، فإن مستقبل بوركينا فاسو نفسه يظل مجهولا حتى الآن، نظراً لما ستواجهه البلاد من مشكلات سياسية واجتماعية متوقعة في العام الجديد.