كان حقاً للناس أن يتساءلوا فى حيرة ، بحثاً عن معنى العدالة الانتقالية .. ولماذا هى انتقالية.. أليست العدالة يجب أن تكون دائمة، وأن تكون هدفاً وطريقاً ناجزاً فى كل وقت، وازدادت الحيرة عندما شُكلت وزارة مستقلة ووزير بحقيبة وزارية مسئولة عن تحقيقها ، خاصة اذا كانت الوزارة حديثة، وقد أنشئت لأول مرة بعد الثورة فى 16 يوليو2013 بأسم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ثم أصبحت فى التعديل الوزارى الأخير أغسطس 2014 وزارة العدالة الانتقالية ومجلس النواب، وهكذا فلم تكن وزارة العدالة الانتقالية من الوزارات العتيقة. وتساءل الناس كذلك عن العلاقة بين وزارة العدالة الانتقالية ووزارة العدل واختصاصات كل منهما. ووسط كل هذه التساؤلات لم يجد الناس اجابة كافية، أو نتائج عملية ملموسة، أو أعمالاً بارزة تكشف عن ماهية العدالة الانتقالية ، وكثيرون لا يعرفون عنها أو عن اختصاصاتها رغم ما نقرأ عنه من نشاط إعلامى وتصريحات صحفية.. معظمها عن الانتخابات وتقسيم الدوائر.. ومجلس النواب.. والحقوق والحريات.. ويكون ذلك أحياناً بمناسبة لجنة للإصلاح التشريعى.. وعند انعقاد مؤتمرات حقوق الانسان، أو زيارة دور السجون. لكن الحقيقة تقول لنا ما تكشف عنه تجارب الدول التى سبقتنا فى وجود عدالة انتقالية بأنها ضرورة عقب الثورات، منذ الحرب العالمية الثانية ومحاكمات مجرمى الحرب.. وطوكيو ونورمبرج ، ودول جنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية.. وبولندا والتشيك .. والمجر وغيرها من دول المغرب، تكشف لنا هذه التجارب عن أن الهدف من العدالة الانتقالية ، تهيئة المناخ للتخلص من الاستبداد والفساد الذى فجر الثورة، وتضميد الجراح للمضرورين من الأنظمة السابقة، وهم أغلبية الشعب الكاسحة، كما تهدف العدالة الانتقالية إلى إصلاح مؤسسى للقضاء على آثار الماضى واستعادة الثقة بين المواطنين والحكومة، وتشكيل لجان لتقصى الحقائق وإعلانها، ومعاقبة المذنبين ، وتعويض المضرورين، والأهم من ذلك إزالة الصراع والتصادم بين أبناء الوطن، والكف عن الاتهامات والاستغراق فى المحاكمات الجنائية أوالوقوف بها عند حد العدالة العقابية والتعليقات عليها حتى لا يستغرقها الزمن، والتنبيه إلى عدم تسييس تلك الإجراءات وإلا انقلب السحر على الساحر ، كل ذلك تطلب وجود وزارة تختص بتحقيق العدالة الإنتقالية بعد الثورة بالانتقال من الماضى الأليم إلى حاضر مشرق ومستقبل أكثر تفاؤلاً وأملاً، وبما يتطلب أن يكون ذلك الانتقال آمنا وعادلا .. ولهذا كانت العدالة انتقالية حتى يتحقق هدفها، ويتوقف مصير الثورات بين الفشل والنجاح ، على مدى ما تحققه نتائج هذه المرحلة الانتقالية من عدالة آمنة حتى لا تستمر الصراعات السياسية والتصادم والفوضى لسنوات، فتقف عقبة ضد التنمية والإصلاح والمستقبل. وحرص دستورنا الجديد فى المادة 241 أن يتجه إلى تحقيق ذات الهدف، فألزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له، بعد نفاذ الدستور، باصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة ، والمحاسبة ، واقتراح المصالحة الوطنية ، وتعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية. لكن القانون لم يصدر بعد بسبب غياب مجلس النواب، كما خلت السوابق والتقاليد والأعراف عن مفهوم العدالة الانتقالية فى البلاد. ولهذا السبب، ظل مفهوم العدالة الانتقالية ومعاييرها غائباً غامضاً وتائهاً وسط الزحام، فازدادت الصراعات السياسية والتصادم رغم وجود المحاكمات لتحقيق العدالة الانتقالية.. واذا كنا قد شاهدنا بعض الصور فى الطريق إلى العدالة الانتقالية، مثل تشكيل لجان لتقصى الحقائق أو انشاء المركز القومى لرعاية أسر الشهداء والمصابين منذ 19 ديسمبر 2011، الذى حل محل صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لضحايا ثورة 25 يناير، وأنه قد أنشئت وزارة لتحقيق العدالة الانتقالية منذ يوليو 2013 مسئولة عن تحقيقها ، كما صدرت بعض القرارات التى تخفف المعاناة عن الطبقات الفقيرة أو المتوسطة ، الا أننا ما زلنا فى حاجة قصوى إلى منظومة متكاملة للبدء فى اتخاذ أسلوب ومنهج لتحقيق العدالة الانتقالية. ومن المؤكد أن القرارات والتشريعات ليست وحدها كافية، ولعل ذلك هو السبب فى عدم الوقوف على طريق العدالة، فاستمر الحال على ما هو عليه، وهى عقبات فى سبيل تحقيق العدالة الانتقالية ذاتها، ولا تكفى النصوص التى تضمنتها التصريحات، أو صدور قرار رئيس الوزراء رقم 1476 منذ 21 أغسطس 2014 يكشف عن أهداف وزارة العدالة الانتقالية ومسئولياتها، بضمان العبور الآمن للمرحلة الانتقالية، والمصالحة الوطنية الشاملة ، وترسخ قواعد المحاسبة ، وتعزيز مفهوم العدالة الانتقالية ، وتدعيم احترام الحقوق، وتكريم المضارين، والتطور المؤسسى لبناء نظام ديمقراطى ، وجبر الاضرار حتى ولو كانت هذه الأهداف هى ذاتها العدالة الانتقالية، وهى أهداف وأختصاصات ضخمة بلغت واحدا وثلاثين أختصاصاً شاملاً ، لكن الأهم من ذلك كله أن تتحقق تلك الأهداف على أرض الواقع حتى لو كنا فى بداية الطريق !! ان تعزيز مفهوم العدالة الانتقالية وتحقيق أهدافها يتطلب الاجابة عن تساؤلات عدة حتى تعزز من وجودها. فماذا عن العلاقة بين العدالة الانتقالية .. والعدالة العقابية ؟ وكيفية التعاون بينهما، ومتى تكون كل منها ناجزة ؟!! وهل يمكن لوزارة العدالة الانتقالية أن تتحمل مسئولية شئون مجلس النواب وأن تجمع بيننا؟ حقاً ان العدالة الانتقالية أيها السادة، ضرورة قصوى. لتجتاز البلاد تلك المرحلة المهمة بنجاح.. ولنعبر الطريق بالعدالة الانتقالية فى البلاد وهى ضرورة قصوى لتحقق الثورة أهدافها وإلا نكون قد فقدنا الطريق. لمزيد من مقالات د . شوقى السيد