مشروع قانون تنظيم المستشفيات الجامعية المقترح نموذج صارخ لفكر قديم قامت الثورة لتغييره.. ولكن يبدو أن كثيرين من المسئولين فى مصر لم يستوعبوا بعد مغزى هذا التغيير فمن المفترض أن أمرا كهذا، وبهذه الأهمية لا تتم مناقشته فى الغرف المغلقة وبعيدا عن العاملين، والمتخصصين، والمهتمين.. وباعتبارى طبيبا، وأستاذا جامعيا، ومسئولا سابقا فى ادارة كلية طب القاهرة أوجه بعض الأسئلة للمسئول عن هذا المشروع. أولا ما المقصود باستقلالية المستشفيات الجامعية؟ أليست هذه المستشفيات جزءا أساسيا وحيويا من كليات الطب؟ فكيف يستقل الجزء عن الكل؟ ثانيا هل المستشفيات الجامعية بما تعانيه من ترهل وتضخم ادارى كبير فى حاجة إلى المزيد من المديرين، والأمناء وأعوانهم؟ ثالثا من أين ستأتى الموارد المالية بعلاج المرضى فى هذه المستشفيات، وهل تخلت الدولة عن علاجهم المجاني؟ رابعا ما مغزى التعاقد مع الأستاذ الجامعى لكى يعمل فى المستشفيات؟.. ألا تعلموا أن هذا الأستاذ مسئول بحكم واجباته الوظيفية عن المشاركة فى تعليم الطلاب، وعلاج المرضي، والمشاركة فى الأبحاث العلمية؟ خامسا أين دور قطاع التعليم الطبى فى المجلس الأعلى للجامعات والذى من المفترض أن يكون المسئول الأول عن التعليم الطبى والذى بالضرورة يتم فى المستشفيات الجامعية أساسا؟! أعلم يقينا أن المستشفيات الجامعية فى وضعها الحالى تعانى مشكلات مزمنة ولا تؤدى دورها المطلوب منها على الوجه الاكمل وعلى سبيل المثال.. ميزانية ضعيفة لا تليق إطلاقا ولا تفى بالحد الأدنى المطلوب للعلاج الطبى.. وإدارة طبية لا تمتلك الرؤية، ولا الخبرة، ولا القدرة على تعظيم الامكانات والايرادات.. وعدم وجود رقابة جادة على إشراف أعضاء هيئة التدريس على علاج المرضى، ناهيك عن شبهة استخدام بعض المرضى فى تجارب اكلينيكية خاصة فى مراكز الأورام وغيرها الكثير.. من أجل ذلك كله أطالب بفتح حوار موسع على مستوى جميع المستشفيات الجامعية فى كل كليات الطب لرفع كفاءة هذه المستشفيات من أجل صحة المريض من ناحية، وتطوير التعليم الطبى من ناحية أخري، إننى أثق أن كليات الطب عندنا تزخر بالعديد من الكفاءات الشابة الواعية ذات الرؤية والقادرة على حمل المسئولية. وقد سبق لى أن طالبت باجراء غير تقليدي، وحاسم للقضاء على مهزلة وفوضى مراكز تقديم الخدمة الطبية فى مصر، وذلك بإنشاء المعهد القومى للصحة على غرار ماهو موجود فى العالم المتقدم، ويكون مسئولا عن التنسيق بين كل المستشفيات والمؤسسات الطبية فى مصر جامعية وغير جامعية وربطها جميعا بشبكة اتصالات ومعلومات على أعلى مستوى وهو الذى يضع المعايير اللازمة للعمل فى ثلث المراكز الطبية بالتنسيق مع العاملين فيها.. بعيدا عن وزارة الصحة التى ينبغى أن يقتصر دورها على وضع السياسة الصحية العامة للدولة ومراقبة الأداء وضمان جودة الحياة الصحية للمواطن المصرى فى مختلف الجوانب.. والوقاية من الأمراض.. أعلم يقينا أن المهمة ثقيلة، ولكنها بالطبع غير مستحيلة.. إذا صدقت النيات، وقويت العزيمة، ونحينا جانب المصالح الخاصة ورفعنا من شأن المصلحة العامة.. من أجل مصرنا الجديدة.. د.صلاح الغزالى حرب