"قِيلَ إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً".. هكذا لخص شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة من القواعد التي تقوم عليها الدنيا، وتمثل معيار الفوز في الآخرة، مشيرا إلى ناموس الله في الكون، وهو: إقامة العدل، ومنع الظلم. إن العدل فريضة الله تعالى على عباده.. به أمر، وأمره واجب الإتباع. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".(النحل:90). من هنا، قامت الأديان على العدل، ومن أجله حارب الإسلام الظلم، بل حرمه تعالى على نفسه.. فعن أبي ذَرٍّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قال: "يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا".(رواه مسلم). والأمر هكذا، وجه الله تعالى نبيه الكريم إلى أن يكون شعاره مع قومه قوله: "وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُم". (الشوري:15). ولا تنتفع البشرية من أفعال الظالمين بشئ، بل يمثل ظلمهم خصما منها، وعبئا على الحضارة الإنسانية، وإهانة للكرامة الآدمية. قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". (القصص:50). وقال: "إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ". (الأنعام:21 )، وتكررت برقم 23 بسورة "يوسف". والمعنى أن الله تعالى لا يترك ظالما يقضي حياته باستخدام جبروته في إيذاء خلق الله ثم ينجو بفعلته، أو يفلح بها، دون أن يدفع الثمن غاليا من سعادته وفلاحه في الدنيا والآخرة.. قال الإمام الشافعي: "بئس الزاد إلى المعاد.. العدوان على العباد". ولقد اعتبر العلماء أن: "إعانة المبطل إحدى الكبائر"، فمن تولى ظالما، أو أحب ظلمه، أو أعانه عليه؛ هو ظالم مثله.. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ".(رواه أحمد). وقال ميمون بن مهران: "الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء". لهذا كله نهى الرسول -صلي الله عليه وسلم- عن الظلم، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (رواه مسلم). وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ظلم قيد شبر من الأرض طُوقه من سبع أراضين".(متفق عليه). وفيما حسنه الشيخ الألباني في "الصحيحة" ورد أن الرسول -صلي الله عليه وسلم- قال: "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ". والمعنى أن الله تعالى يستجيب لها، وينصر صاحبها، ولو كان كافرا..ألا يكفي هذا كي نطمئن إلى "عدل الله"؟ لمزيد من مقالات