إلي أي مدي نجحت الثورة المصرية في انجاز أهدافها؟ سؤال محوري يحتاج إلي فرق علمية ومقاييس منهجية وجهد علمي محترم يضع 25 يناير 2011 كنقطة انطلاق وخط أساس للمقارنة بين ما قبل ومابعد هذه اللحظة الزمنية التاريخية الفاصلة علي جميع الأصعدة إلا أن انتخاب رئيس الجمهورية يضع الثورة محل اختبار حقيقي. فالثورة تتراجع بقدر اختيار رئيس مرتبط بالعهد البائد أيا كان موقعه حتي ولو كان وزيرا نابها أو رئيسا للوزراء ملهما, يدعي الاستقلال في الفكر والبراءة من الفساد, والقدرة علي العبور بمصر الثورة, والثورة تنتكس إذا وقع الاختيار علي رئيس ذي خلفية عسكرية مع كامل التقدير لشخصه لأن نجاح الثورة مرتبط بإجراء تحول جذري يكون من شأنه الإتيان برئيس مدني يضع حدا لدور ثورة 1952 التي قادها الجيش وكرس بفضلها الحق في أن يكون الرئيس عسكريا, والثورة تتهاوي إن جاء الرئيس القادم مدنيا بدعم كلي أو جزئي من المجلس العسكري, لأن دور الأخير له طبيعة قومية حيادية نزيهة لإدارة التنافس الشريف بين المرشحين جميعهم دون ميل لمرشح بعينه, ودعمه لمرشح معين يجعل الثورة تتقدم للخلف, وأخيرا فإن الثورة تفقد دلالتها إذا جاء الرئيس نتيجة صفقة أو توافق بين القوي السياسية الضاربة والمجلس العسكري لما يعنيه ذلك من مصادرة لحق الناخب وإرادته المستقلة في الاختيار الحر, أما أن تتحالف بعض القوي السياسية معا لدعم مرشح بعينه فهو ما يدخل في العمل السياسي والديمقراطي المشروع, فالمصالح المشتركة قد تجمع بين أعداء الأمس لدعم مرشح بعينه, علي ألا يكون من شأن مثل هذا التحالف تضليل الرأي العام أو تزييف وعي المواطن, ليظل حق الناخب صاحب القرار الأخير هو الحكم الفصل في تقرير شخص الرئيس المنتخب. وعلي المستوي الإعلامي تتراجع الثورة بقوة ما لم يتعامل الإعلام القومي والخاص مع مرشحي الرئاسة من منظور مستقل يكفل التغطية المتوازنة والعادلة بغض النظر عن موقف الصحيفة أو القناة المبدئي من المرشح, فليس يكفي أن يكون للمرشح حملته المدفوعة, ولكن من حقه أن يصل عبر الإعلام المتاح إلي كل ناخب في مصر, ومن واجب التلفزيون القومي إجراء المناظرات يوميا مع اثنين من المرشحين علي الأقل لمدة زمنية تكفي لأن يتعرف الناخب المتعلم ونصف المتعلم وغير المتعلم علي التفاصيل المهمة للبرامج الانتخابية ليتسني له المقارنة بين المتنافسين وليتمكن من اتخاذ قراره الانتخابي وفقا لرؤية عقلانية ترجح المصلحة العامة علي الخاصة وتنتصر للمعايير الموضوعية علي الجوانب الشكلية وتهمش الاعتبارات الشخصية والقبلية. إن أهم مظاهر الفساد الانتخابي في مصر هو تفشي ظاهرة القرار الجماعي حيث يكفي أن يشير العمدة أو كبير العائلة أو زعيم القبيلة وربما إمام المسجد في اتجاه معين ليسير من خلفه أتباعه دون إعمال للعقل أو تفكير في مسئولية القرار الفردي وهنا يقل تأثير الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لصالح قنوات الاتصال الشخصي والقبلي وتحالف المصالح التي تحول دون وصول الرسالة إلي مراكز التمييز بعقل الناخب فتصل محرفة ومشوهة, ناهيك عن ذوبان الفرد في الجماعة, وفقدانه القدرة علي أن يكون نفسه, وعليه فإن مهمة الإعلام المستقل في الحملة الانتخابية مزدوجة لأن عليه أولا أن يحارب ظاهرة الانتخاب الجماعي ليكون قرار الناخب مستقلا عن الانتماء القبلي أو العائلي أو حتي السياسي وليكون انتماؤه الوحيد لمعايير وشروط موضوعية تتطلبها طبيعة المرحلة الثورية, وثانيا أن يتبني مفهوم إعلام الخدمة العامة كوسيط أمين بين الأطراف المتنافسة وجمهور الناخبين بهدف تحقيق الاستنارة لدي الناخب, وتبصيره بالحقائق المجردة دون تحيز لصالح أو ضد مرشح معين, لايفرض الوصاية, ولا يتحدث نيابة عن المرشح, فالهدف الوحيد هو التقديم الأمين للحقائق. انتخاب الرئيس هو اختبار لنجاح الثورة ونزاهة واستقلالية الإعلام في آن واحد, فالأداء المستقل للإعلام القومي والخاص أثناء الحملة الانتخابية يتطلب تسويق المعايير والشروط والمؤهلات التي يجب أن يعتمد عليها الناخب في قراره الانتخابي بغض النظر عن الترويج لمرشح بعينه وهذه الشروط هي أولا: القدرة علي تحقيق التوافق بين الاتجاهات المتضاربة والمصالح المتعارضة والانسجام العام بين جميع التيارات السياسية بحيث يكون رئيسا دافعا للقوي الثورية في الاتجاه بمصر للأمام لا للخلف, محفزا للطاقات والكفاءات البشرية غير المستغلة في الداخل والخارج, فأزمة مصر تكمن في الطاقات المعطلة, فالتقدم لايعرف العمل الفردي ونحن في أمس الحاجة لرئيس لديه مهارات العمل في هذا الاتجاه, ثانيا: القدرة علي ترجمة الرؤي الكلية إلي برامج عمل وحلول عملية للمشكلات المتراكمة قابلة للقياس وفق مؤشرات منضبطة, فالمرشح الذي يتحدث عن الاستقلال الوطني عليه أن يضع خطة زمنية متضمنة مؤشرات التبعية الحالية ومؤشرات الاستقلال المستقبلي علي أن يكون ذلك مترجما بالأرقام لا الشعارات الجوفاء, والذي يتحدث عن سد العجز في الموازنة العامة عليه أن يفعل الشيء نفسه وهكذا, ثالثا: أن تكون لديه رؤية علمية تحترم دور التعليم والبحث العلمي في النهضة الشاملة, فلا سبيل للنهضة بدونهما, رابعا, أن يعرف لسيادة القانون قدرها بحيث يخضع لها شخصيا كأي مواطن مصري يمشي في الأسواق ليمنحه الحق في أن يسأله ويقاضيه كما فعل من قبل عمر بن الخطاب, وأخيرا فإن الشرط الأهم لرئيس مصر المقبل هو احترام إرادة الرأي العام, فليس يكفي أن يكون هناك مجلس للشعب حر ومستقل وليس يكفي احترام القانون وسيادته, الأمة دائما بتوجهاتها وفكرها هي مصدر السيادة ومحور السلطة, وعلي الرئيس المحتمل أن يكشف عن موقع الرأي العام في فكره ففي ذلك اختبار لديمقراطيته, كما أن انتخابات الرئاسة اختبار لنجاح الثورة. المزيد من مقالات د.بسيونى حمادة