فى الشارع الرئيسى الذى يشق قرية «الشعراء» بدمياط يشمخ تمثال تنم نظرات صاحبه عن هيبة ووقار وشموخ وهو يمسك بلفافة من ورق كناية عن الكتاب والعلم، وأطلق على هذا المكان ميدان العالم الجليل الدكتور على مصطفى مشرفة، وعلى مقربة منه مدرسة إعدادية باسمه. يفخر به أبناء محافظته فى كل المحافل كواحد من أعظم علماء الفيزياء والرياضيات فى العالم وصاحب مقولة «إن الحكومة التى تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها»، وإن كان كثيرون لا يعرفون بالتفصيل سجل منجزاته ولا تأثيره العلمي. على مشرفة الذى ولد فى دمياط فى 11 يوليو 1898، وتوفى فى 15 يناير 1950، وتحيى مصر بعد شهرين ذكرى مرور 65 عاما على وفاته. وأضاف الدكتور مشرفة نظريات جديدة فى تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، وتعد نظريته فى الإشعاع والسرعة من أهم نظرياته وسببًا فى شهرته وعالميته، حيث أثبت أن المادة إشعاع فى أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشىء واحد يتحول إحداها للآخر، ولقد مهدت هذه النظرية العالم ليحول المواد الذرية إلى إشعاعات. وفى عام 1907 حصل مشرفة على الشهادة الإبتدائية، وكان ترتيبه الأول على القطر المصرى، وحفظ القرآن الكريم منذ الصغر، كما كان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية، وفى عام 1914 التحق الدكتور على مشرفة بمدرسة المعلمين العليا، التى اختارها حسب رغبته رغم مجموعه العالى فى البكالوريا. وفى عام 1917 اختير لبعثة علمية لأول مرة إلى إنجلترا بعد تخرجه، والتحق بكلية «نوتنجهام» ثم بكلية «الملك» بلندن، حيث حصل منها على بكالوريوس علوم مع مرتبة الشرف فى عام 1923، ثم حصل على دكتوراة الفلسفة فى العلوم من جامعة لندن فى أقصر مدة تسمح بها قوانين الجامعة. فى عام 1925 رجع إلى مصر، وعين أستاذًا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم مُنح درجة "أستاذ" فى عام 1926 رغم اعتراض قانون الجامعة على منح اللقب لمن هو أدنى من الثلاثين، واعتمد الدكتور على عميدًا للكلية فى عام 1936، وانتخب للعمادة أربع مرات متتاليات، كما انتخب فى ديسمبر 1945 وكيلاً للجامعة. بدأت أبحاث الدكتور على مشرفة تأخذ مكانها فى الدوريات العلمية وعمره لم يتجاوز خمسة عشر عامًا، وكان أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية "ألبرت أينشتاين" تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك فى مجال الجاذبية. وكان الدكتور مشرفة أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتيت الذرة، وأحد العلماء الذين رفضوا استخدامها فى الحرب، بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهى أن الأيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة، إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الأيدروجينية، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات فى الولاياتالمتحدة وروسيا. وتتلمذ على يديه أجيال من العلماء أشهرهم سميرة موسى التى اغتالها الموساد الإسرائيلى فى أمريكا. وتقدر أبحاث الدكتور "على مشرفة" المتميزة فى نظريات الكم، الذرة والإشعاع، الميكانيكا والديناميكا بنحو خمسة عشر بحثًا، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته إلى حوالى 200 بحث. ويرى مشرفة أنه خير للكلية الجامعية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً من أن تخرج كثيرين أنصاف علماء، وكان يقول فى سلسلة محاضراته الإذاعية "أحاديث العلماء": هذه العقلية العلمية تعوزنا اليوم فى معالجة كثير من أمورنا، وإنما تكمن الصعوبة فى اكتسابها والدرج عليها.. فالعقلية العلمية تتميز بشيئين أساسيين: الخبرة المباشرة، والتفكير المنطقى الصحيح". وتنفى الدكتورة سلوى على مشرفة ابنة العالم المصرى الكبير الأنباء التى ترددت عن وفاة والدها بالسم عن طريق إسرائيل أو عملاء الملك فاروق، مشيرة إلى أن إسرائيل كان عمرها سنتين حين وفاته ولم يكن الموساد بالحجم أو القوة التى عرفت عنه فيما بعد، ورجحت وفاته بأزمة قلبية، كما قال الطبيب الخاص به. وأكدت أنه أول من نادى بتصنيع القنبلة الذرية فى مصر لحفظ التوازن فى المنطقة، ودعا الحكومة المصرية إلى البحث الذرى وتصنيع القنبلة الذرية، لا لكى تستخدمها، ولكن لكى تحفظ بها توازى القوى فى المنطقة. وأضافت الدكتورة سلوى أن والدها أول من انطلق يقول بأعلى صوته إن معدن اليورانيوم موجود فى صحراء مصر الشرقية، لكن كلماته اصطدمت بآذان لا تسمع. وفى نعيه لوفاة العالم مشرفة قال أينشتاين:" لا يمكننى أن أصدق أن مشرفة مات، إنه مازال حيا من خلال أبحاثه. إننا فى حاجة ماسة لمواهبه وهذه خسارة كبيرة، لقد كان عبقريا، ولقد اعتدت على متابعة أبحاثه فى الطاقة الذرية، وبالتأكيد إنه واحد من أفضل العلماء فى الفيزياء".