لايزال الحديث عن الإرهاب ومخاطره وتداعياته حديثا موصولا وممتدا مادام يوجه ضرباته وتهديداته إلى كيان الدولة ومؤسساتها، وإلى أبرياء الوطن وشهدائه، شريطة ألا يمتد هذا الحديث إلى مجرد سرد للأحداث أو حكى للوقائع بقدر ما يكون الحديث منصبا على قراءة فى الأسباب والدوافع وتقدير للتداعيات والخسائر وطرح للرؤى والأفكار لكيفية مواجهة هذا الخطر المستمر. فكما يقال بأن لكل حادثة حديثا يتناسب مع طبيعتها ويتلاءم مع مستجداتها، فإن مناسبة هذا القول ما يردده البعض من أن كثرة الأحاديث والحوارات حول قضايا الإرهاب عديمة الجدوى لأنها لم تأت بنتائج أو مردودات إيجابية على الدولة والمجتمع، وهو قول وإن كان ينقصه الدقة فى جزء منه، إلا أنه صحيح فى جزئه الآخر. فصحيح أن مرتكبى جرائم الإرهاب يطورون كل يوم من أساليبهم وينوعون من أهدافهم، بما يستوجب أن يتنقل الحوار إلى مساحات جديدة لم يتطرق إليها من قبل. إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذه الأحاديث والحوارات تأتى دائما كرد فعل على مثل هذه الجرائم، وهو ما يفقدها فى كثير من الحالات جدواها وأهميتها خاصة إذا ما اقتصرت موضوعاتها على مجرد تحليل لما جرى وكيف جرى؟ دون أن يمتد إلى طرح رؤى عملية لمعالجة آثار وتداعيات ما جرى، ورؤى أخرى بشأن كيفية مواجهة القادم الجديد بحيث يكون لدينا نظرة مستقبلية قادرة على التعامل بايجابية مع أى تهديدات يمكن أن تطرأ على الساحة لتقلل آثار مثل هذه الجرائم والعمليات فى حدها الأدنى. وفى سبيل تصحيح مسارات الحوارات المجتمعية والمعالجات الإعلامية والدراسات البحثية التى يقوم بها المتخصصون ومراكز البحث، وجب تسجيل ملاحظتين مهمتين: الأولى - لايزال الخلط مستمرا بين الإرهاب والدين، فلا يزال ثمة لبس لدى كثيرين بشأن موقف الدين وتحديدا الدين الإسلامى مما يجرى فى المنطقة برمتها وما يجرى فى مصر على وجه التحديد. فكما سبق القول إن الدين الإسلامى مبرأ من الاتهامات التى تحاول هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية أن تتمسح فى قدسيته وسماحته .هذا اللبس والخلط لا تزال مؤسسات الدولة المعنية تتحمل وزره، وتحديدا مؤسستى الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، صحيح ان هناك جهودا مضنية تُبذل فى هذا الإطار، لكنها لاتزال تحتاج إلى المزيد من الدفع والدعم والتوسع والانتشار. أضف إلى ذلك دور الوزارات والهيئات المسئولة عن إيجاد الوعى الثقافى الصحيح وعلى رأسها وزارات التربية والتعليم والإعلام والشباب والثقافة، حيث تتحمل هذه الأجهزة والمؤسسات دورا كبيرا فى كيفية تصحيح الوعى وفك الالتباس الذى يقع فيه عدد كبير من شبابنا تحت دعاوى باطلة واجتهادات خرافية لا علاقة لها بالدين الاسلامى الحنيف من قريب ولا من بعيد. الثانية، لاتزال الرؤية المسيطرة على كيفية مواجهة الإرهاب يغلب عليها الطابع الأمني، بمعنى أكثر وضوحا لاتزال المعالجة الأمنية هى صاحبة النصيب الأكبر من جانب الدولة فى التعامل مع الإرهاب. وفى هذا المقام، نكرر القول إن المعالجة الأمنية خطوة أساسية ولازمة، بل هى الخطوة الأولى الأكثر جدوى فى التعامل مع هذه الظاهرة، ولعل الموقف الأخير الذى اتخذته الدولة، سواء بتعديل قانون القضاء العسكرى لحماية المؤسسات العامة والخاصة، أو المتعلق بإخلاء الشريط الحدودى فى شمال سيناء لحماية الأهالى وتعويضهم التعويض المناسب، يعكس رؤية صحيحة لدى صانع القرار فى كيفية المواجهة، لما تمثله هذه الخطوات وغيرها من أهمية، وضرورة فى تلك المرحلة. إلا أنها غير كافية على المستويات كافة، فمحاربة الإرهاب تحتاج إلى معالجة أكثر شمولا بحيث تكون هناك معالجة لقضايا أخرى إلى جانب المعالجة الأمنية. وتأتى على رأس هذه المعالجات البعد التنموى فى سياسات الدولة وتوجهاتها بصفة عامة وحيال المناطق الحدودية وتحديدا سيناء على وجه الخصوص. فالإرهاب لا ينمو فى بيئات تحقق معدلات تنمية حقيقية وملموسة يشعر بها المواطن البسيط وإنما ينجح فى البيئات التى تعانى من الفقر والتهميش. فضلا عن ذلك لاتزال عملية التنمية السياسية للأجيال الصاعدة دون المستويات المطلوبة وخاصة فى المناطق الحدودية والريفية، بما يفرض على الأجهزة والوزارات المعنية وتحديدا وزارتى الشباب والتنمية المحلية أن تقوما بدورهما فى هذا المضمار. ملخص القول إن الحديث عن الإرهاب وكيفية مواجهته لا يمكن ان يقتصر على مجرد مقال رأى أو دراسة تحليلية يقوم بها باحث او محلل، وإنما تحتاج إلى أن يكون هناك مشروع فكرى وبحثى ممتد يشترك فى إعداده مراكز بحثية مشهود لها بالكفاءة والمهنية، للوصول إلى رؤى كلية تنبع منها سياسات تنفيذية وخطوات عملية واجراءات تفصيلية حول كيفية مواجهة هذه الظاهرة واقتلاعها من جذورها، دون أن يقتصر الأمر على مجرد مسكنات سرعان، يزول تأثيرها ويعود المرض أكثر شراسة وقوة ليدمر الدولة والمجتمع. فاذا كان هناك ترحيب كبير بدعوة الرئيس السيسى لعقد مؤتمر عن الانتخابات البرلمانية، فثمة أهمية لوجود دعوة أخرى مماثلة لعقد مؤتمر وطنى بشأن كيفية محاربة الإرهاب واقتلاعه من جذوره. لمزيد من مقالات عماد المهدى