قيل عن هذا الحدث إنه «إرهاص» وإرهاص، لغة، أمر خارق للعادة، أى خارج عن المألوف. والسؤال اذن: ماذا حدث من ظواهر خارقة عن المألوف ومهدت لأحداث 11/9، وهى تدمير مركز التجارة العالمى بنيويورك وقتل آلاف من البشر؟ للجواب عن هذا السؤال أصدر الرئيس الأمريكى بوش قراراً فى 27/ 11/ 2002 بتشكيل لجنة برئاسة توماس كين الحاكم السابق لولاية نيوجرسي. إلا أن السؤال الخفى والذى لم يكن معلناً هو على النحو الآتي: لماذا عجزت المخابرات الأمريكية عن التنبؤ بأحداث 11/9 أو عن محاولة منع حدوثها؟ جاء فى تقرير اللجنة أنه فى فبراير 1998 ارتحل أسامة بن لادن و أيمن الظواهرى من أفغانستان إلى لندن لنشر فتوى فى جريدة عربية، مفادها أن أمريكا قد أعلنت الحرب على الله وعلى رسوله. وبناء عليه فإنه من اللازم قتل أى أمريكى على وجه الأرض، وأن هذا القتل فريضة على كل مسلم. وبعد ثلاثة أشهر علَق بن لادن على فتواه فى حوار تليفزيونى جاء فيه أن «قتل المسلمين للأمريكان أهم من قتلهم للكفار». وعندما سئُل عن مدى تأييده للإرهاب وقتل المدنيين كان جوابه أنه يعتقد أن أسوأ لصوص فى عالم اليوم، وأسوأ ارهابيين هم الأمريكان. وجاء فى التقرير أيضاً أن بن لادن يستند فى فتواه إلى تعاليم سيد قطب. وعندما أثار الأمريكان السؤالين الآتيين: لماذا «همس يكرهوننا؟ وما العمل للحد من قتلنا؟ كان جواب بن لادن على النحو الآتي: «لقد هاجمت أمريكا الاسلام، وهى مسئولة عن كل الصراعات الموجهة ضد المسلمين». واللافت للانتباه أن أجوبة بن لادن تعبر عن رؤيته للتاريخ الإسلامى التى فيها يستدعى رؤية الأصوليين الاسلاميين الذين وجهوا اللوم إلى القيادات الاسلامية التى هجرت الطريق المستقيم، ومن ثم سمحوا بتدمير إعادة الخلافة. واستناداً إلى هذه الرؤية دعا بن لادن المسلمين إلى الاستشهاد بدعوى أن حوائط القهر ليس فى الامكان تدميرها إلا بسيل من البنادق الرشاشة. إلا أن بن لادن يرى أن هؤلاء الأصوليين، وإن كانوا قد برعوا فى أداء دورهم فى الهجوم على الاستعمار، إلا أنهم فشلوا فى تدمير «وجود» العلمانيين إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأيا كان الأمر فإن اللافت للانتباه فى أمر أحداث 11/9 أنه لم يكن الحدث الأول الخاص بتدمير مركز التجارة العالمي، فقد سبقته محاولة فى 26 فبراير 1993 عندما وُضعت قنبلة ضخمة تحت المركز مع توقيت زمن انفجارها، وقد كان، إذ مات ستة أشخاص وجُرح أكثر من ألف. وإثر ذلك أمر الرئيس الأمريكى بيل كلينتون جميع أجهزة المخابرات بالبحث عن كيفية الرد على هذا الفعل الإرهابي. وفى العام نفسه عيَن كلينتون مديراً جديداً لمكتب المخابرات الفيدرالية الذى قال إن الارهاب هو أكبر تهديد لأمريكا، وعلينا إجهاضه قبل أن يحدث. وبناء عليه أنشأ قسماً جديداً فى مكتبه اسمه «قسم مكافحة الارهاب» وهو يقابل نفس القسم فى المخابرات الأمريكية المركزية من أجل تبادل المعلومات. وقد فطن هذا المدير إلى وجود مفارقة فى تقرير اللجنة هى على النحو الآتي:فى بداية صيف 2001 استقبل المهندس المصرى محمد عطا معاونيه فى جنوبفلوريدا لتسهيل إقامتهم فى الفنادق، وكانت تعليماته واضحة وهى أن الكل مسئول عن تنفيذ العملية الارهابية الموجهة ضد مركز التجارة العالمى والبنتاجون والبيت الأبيض. والمفارقة هنا أن مكتب المخابرات الفيدرالية أكد فى 3/4/ 2001 أنه ليس ثمة تهديد داخلى من تنظيم القاعدة، ولكن التهديد وارد فى اختطاف أمريكان من خارج أمريكا للمساومة على الافراج عن الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن. أما تقرير اللجنة فقد ذكر أن بن لادن قرر تدمير مركز التجارة العالمى منذ 1997. وإثر انتهاء العملية الارهابية فى 11/9 سئل بن لادن فى 20 أكتوبر 2001: ما رأيك فى أن أمريكا تزعم أن لديها أدلة على انخراطك فى أحداث نيويورك وواشنطن الارهابية؟ أجاب قائلا: «إن وصف هذه الأحداث بأنها ارهابية وصف باطل، إذ كل ما فعلناه هو نقل معركتنا ضد أمريكا إلى داخلها. وأبطالنا الشهداء هم الذين قاموا بنقل المعركة، وتدمير مركز التجارة العالمي. وإذا قيل عن قتلنا لهؤلاء الذين قتلوا فيما سبق أبناءنا إنه عمل إرهابى فليكن. وإذا شهد التاريخ على أننا ارهابيون فليكن». والسؤال المحورى بعد ذلك هو على النحو الآتي: لماذا التزم بن لادن منذ البداية بتدمير مركز التجارة العالمي؟ وفى صياغة أخرى: لماذا كان مركز التجارة العالمى هو العدو الأول ل «بن لادن»؟ جوابي، استناداً إلى ما كتبه سيد قطب أستاذ بن لادن فى مؤلفيْن: أحدهما عنوانه «المستقبل لهذا الدين» (1988) والآخر عنوانه الاسلام ومشكلات الحضارة ( 1989). وموجز ما ورد فيهما أن الحضارة الغربية مصابة بمرض عقلى اسمه «الفصام النكد» وهو مرض يفصل صاحبه عن الواقع ويدفعه نحو عالم خيالى يعيش فيه. وسبب إصابة الغرب بهذا المرض مردود إلى ثلاثة عصور: عصر النهضة الذى حرر العقل من السلطة الدينية، وعصر التنوير الذى حرر العقل من كل سلطة ما عدا سلطة العقل، وعصر الصناعة الذى حرر الحضارة من عصر الاقطاع فى تلاحمه مع السلطة الدينية. وترتب على هذه العصور الثلاثة بزوغ الثورة العلمية والتكنولوجية فى القرن العشرين، وكانت الكوكبية أعلى مراحلها، والممثل لها هو مركز التجارة العالمي. ومعنى ذلك أن تدمير هذا المركز يعيدنا إلى ما قبل هذه العصور الثلاثة، أى إلى عصر الزراعة، أى إلى الحياة الريفية حيث تكون الخلافة الاسلامية فى الانتظار. لمزيد من مقالات مراد وهبة