لكل أمة من الأمم أنبياء أوحكماء أوفلاسفة يرسمون لها ملامح شخصيتها، ويحددون خصائص ومميزات إنسان هذه الأمة؛ فتكون أفكارهم منبعا للقيم والأخلاق التي تشكل ثقافة هذه الامة، وعليها يتربى أبناؤها، فتطبع شخصيتهم بطابع معين يجعل منهم شعبا واحدا له خصائص واحدة، وعادات وتقاليد مشتركة، وتعرفهم باقي الأمم والشعوب بتلك الخصائص والصفات. فاليونانيون مثلا تنطلق ثقافتهم من الأسس التي وضعها فلاسفة الاغريق، وتتحدد شخصيتهم بالقيم والمعايير التي أرساها سقراط وافلاطون وأرسطو وغيرهم، والصينيون عندهم كونفوشيوس، وتاو، وماو تس تونج، وغيرهم، وكذلك الحال عند الأمريكان فقد تم تشكيل شخصيتهم وثقافتهم على يد الأباء المؤسسين للاتحاد الأمريكي، وهكذا الحال مع جميع شعوب العالم كانت هذه مقدمة القاها علينا في عام 1981 أستاذنا الدكتور المرحوم رفعت المحجوب، فسأله أحد الزملاء: ومن هو الفيلسوف المصري العظيم الذي أرسى قواعد الثقافة المصرية وحدد ملامحها، وشكل خصائصها؟. فرد الدكتور المحجوب بسرعة شديدة قائلا: إنه الفيلسوف العظيم الحكيم «فهلاو». الفيلسوف المصري العظيم «فهلاو» هو وحده من وضع قواعد الثقافة المصرية وحدد خصائصها وملامحها، وظل تلاميذه من بعده أوفياء له غاية ما يكون الوفاء، وحمل كلهم نفس الاسم، وانتشروا في ربوع البلاد طولا وعرضا ينشرون قيمه، ويشكلون ثقافة المصريين منذ الصغر عليها، بحيث أصبحت الصفة الوراثية الغالبة على كل المصريين هي جينات فهلاو، وكأنهم جميعا من نسله، وإن لم يكونوا كذلك من الناحية البيولوجية، وكان من علامات نجاح هذا الحكيم العظيم «فهلاو» أنه استطاع ان يستنسخ نفسه في ملايين المصريين والمصريات، بحيث أصبح كل واحد منهم صورة طبق الأصل منه، واصبح كل مصري بمجرد أن يشب عن الطوق يصبح فيلسوفا وحكيما عظيما، هو صورة طبق الأصل من «فهلاو» لذلك نحن الشعب الوحيد الذي يحتكر صفة العظيم، فالمصريون هم فقط الشعب العظيم، وكل مصري هو بالفطرة عظيم. وقد يكون من المنطقي أن نسمي المصري بصفته الثقافية، وليس بموطنه الجغرافي، فنطلق عليه «فهلوى»، وقد تكون هذه أكثر تعبيراً عن حقيقته، وجوهر ثقافته، وهويته القيمية والأخلاقية، وحينها لن نحتاج ان نقول الشعب المصري العظيم، يكفي أن نقول الشعب الفهلوي، وعندئذ سيعرف العالم عمن نتكلم، لأننا الشعب الوحيد في الدنيا الذي يحتكر منابع «الفهلوة»، واحتياطياتها الإستراتيجية التي تغطي احتياجات البشرية في القرون القادمة. الفهلوة هي مصدر قوتنا في عالم العدم، وهي منبع قدرتنا على الهدم والتدمير والتخريب وإفشال أي مشروع حضاري أو تنموي، مع الفهلوة سوف نظل إلى يوم الدين «محلك سر» لن نتقدم خطوة واحدة في مضمار الرقي البشري، والتطور الحضارية ولماذا نتقدم؟ ولماذا نتعلم؟ طالما المصري العظيم يستطيع بقدراته الفهلوية أن يقوم بكل شئ في الكون بدون تعليم أو تدريب أو بذل جهد، كل المهن مهاراتها مختزنة في عقله بالفطرة، يستطيع أن يكون طبيبا أو مهندسا أو أي شئ في الكون متى أراد أن يفعل ذلك. يقود السيارة دون تدريب، ولا ضمير إن مات بسببه أو احترق عشرات الأطفال والشباب، الإجابة جاهزة..الأعمار بيد الله.. فهلوي حتى في علم العقيدة ومبادئ التوحيدةما أعظمك أيها الإنسان المصري الفهلوي العظيم. الفهلوي العظيم لا تقف أمامه نظم أو قوانين، هذه لعبته، يتمتع بتكسيرها، وتجاوزها، والالتفاف عليها، ويتعاون معه مواطنوه من أبناء الشعب الفهلوي العظيم على البر والتقوى، والبر عندهم هو التزوير للوصول إلى البر الآخر من النيل دون أن يبتل الواحد منهم بالماء، والتقوى هي إتقاء القانون بالالتفاف عليه، أو الدوس عليه، يتعاونون وكأنهم يتقربون إلى الله بالتزوير والواسطة والمحسوبية، لإنقاذ المجرم من جريمته، وللحصول على ما ليس من حقوقهم، إنهم الشعب العظيم، لذلك لا يصلح لعلاج الفهلوي العظيم أية إجراءات قانونية، أو ردعية، أو تنظيمية لأنه أعظم منها، ولا يخافها، أو يخشاها، والحل الوحيد هو الثقافة والتعليم والإعلام لإقناع الفهلوي العظيم بأن يتخلى عن هذه التركة التاريخية، وينظر للمستقبل، نحتاج أعمالا من مثل مسلسل «العراف» لكشف هذه الجينات الفهلوية، ثم علاجها بالهندسة الثقافية التي لا تقل أهمية عن الهندسة الوراثية، ولكن ما الحل إذا كانت وزارة الثقافة، وأجهزة الإعلام هي المراكز الرئيسية لصناعة الفهلوة، وتفريخ أمر الفهلوية، وأكثرهم نجاحا؟ إذن الحل هو التيه الكبير، بأن يطلق الشعب المصري العظيم في الصحراء الغربية ويتوه فيها مثل بني إسرائيل، الذين لم يصلح معهم وحي ولا نبي، لترسخ الثقافة المصرية في نفوسهم، فكان الأمر الإلهي ان يتوهوا في الصحراء اربعين سنة حتى ينتهي جيل، ويخرج جيل جديد خالٍ من الفهلوة. وهناك حل آخر ابتكره عراقي في بغداد مع بعض الفهلوية العظماء في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان في بغداد انذاك عدد كبير من المصريين بدون عمل، يجلسون كل صباح في مكان على شاطئ النهر يسمونه «المصدر» وكل من أراد عاملا يذهب إلى هناك ويأتي بهى. فيأتي العراقي ويسأل وهو جالس في سيارته..أريد سباكاً فيقفز نحوه جميع الجالسين أنا سباك أنا سباك، ويأتي آخر يريد نجاراً ويتكرر المشهد من الجميع وهكذا لباقي المهنة ثم جاء عراقي تعب من الفهلوية الذين يدعون معرفة مهن لا يفهمون فيها شيئا. ونادي أريد واحد كرديا. فقفز اليه عدد منهم يقول بعضهم .. أنا أحسن واحد يشتغل كرديا فضحك اخونا العراقي، وذهب وأحضر سيارة نقل قلاب، وطلب منهم جميعا الركوب فيها لان لديه عملا كبيرا يحتاجهم جميعا ثم أخذهم الى شاطئ النهر وقلبهم جميعا فيه. كفى نفاقا وكذبا، نحن شعب عظيم في الفهلوة، عظيم في عدم احترام القانون، عظيم في المحسوبية والرشوة والوساطة، وكل أمراض الفساد الإداري، ولا استثناء ولا ادعاء بتدين أو علم أو مكانة. وان لم تقم الدولة بثورة ثقافية فيظل الموت على الأسفلت، والفساد الإداري، الفشل التنموي، ولا مستقبل لنا بين البشر. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف