نشرت جريدة الأهرام نتائج دراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تفيد بغلبة صفات الفهلوة والسلبية والفردية والأنانية والمذهب النفعي علي الشخصية المصرية المعاصرة.. ووصفت الجريدة نتائج الدراسة بأنها (مفاجأة صادمة) بالرغم من أنها ليس صادمة علي الإطلاق ولا ترقي حتي إلي أن توصف بأنها مفاجأة.. وتقول الدراسة: إن تحولا قد أصاب الشخصية المصرية فباتت تدير كل شئونها باعتماد أسلوب الفهلوة في شتي مجالات الحياة.. والفهلوة في أصلها مأخوذة عن الكلمة الفارسية (بهلوي) أو فهلوي وكانت تطلق علي من يتميز بالشجاعة والحذق وسعة الحيلة.. وربما قد نقلناها بأصول معانيها في البداية فكانت تعني بالنسبة للمصري الشطارة والمهارة وسعة الحيلة في كسب العيش والتعالي فوق الظروف الصعبة وعبورها بمهارة.. أما التحول الذي أصاب معني الكلمة في العصر الحديث فقد نقلها من (سعة الحيلة) إلي (التحايل).. وتقول دراسات أخري: إن كلمة (أونطجي) مأخوذة أيضا من الكلمة اليونانية (أفنطا) وتعني أيضا (الحيلة).. وإذا كان الأونطجي هو المحتال فهو لا يختلف كثيرا في الثقافة المعاصرة عن الفهلوي الذي صار محتالا ومدعيا ومخادعا وغاشا وسارقا وراشيا ومرتشيا وسلكاويا.. والفهلوي المعاصر هو إنسان لا يحمل من المهارات سوي مهارة واحدة فقط هي كيفية استغفال واستغلال الآخرين.. وهو ليس فهلويا بمعني (شاطر) بل بمعني (متشطر) أي أنه يتحاذق ويتشطر ويدعي المهارة والشطارة دون أن يمتلكهما.. ومن الفروق الواضحة بين فهلوي زمان وفهلوي العصر هو وجود الذكاء عند الأول وانعدامه عند الثاني.. ويعتقد كل فهلوي أنه ذكي ويستطيع أن يخدع الناس ويأخذ ما يريد دون أن يشعروا.. ولكن الحقيقة أن النسبة الكبري من الفهلوية مكشوفون تماما وقد حفظت ألاعيبهم وإذا سار بعضها ونفذ كان بسبب الاضطرار وليس لأنهم مهرة وأذكياء ويخدعون الآخرين.. فالميكانيكي الفهلوي لا يخدعك ولكنك مضطر لمجاراته لتنتهي من إصلاح سيارتك.. والمدرس الفهلوي لا يخدع الآباء بسوء مستوي أبنائهم، بل يضطر الآباء مجاراة المدرس وإعطاء أبنائهم دروسا خصوصية للحفاظ علي درجات أعمال السنة.. أما الفردية فهي صفة العصر في العالم بأسره ولا ترتبط - كالفهلوة - بالشخصية المصرية.. قد يعتبرها البعض صفة جديدة بالنسبة لشعب اعتاد علي الحياة الأسرية بل والعائلية والارتباط بمن حوله في المجتمع، وهي بالفعل جديدة في تاريخنا إذا ما اعتبرنا أن حوالي 25 عاما من اعتماد الفردية في أسلوب الحياة المصرية لا تمثل فترة طويلة في تاريخ الشخصية المصرية.. ولكن الفردية لا تعتبر في كثير من الثقافات صفة سلبية طالما لا ترتبط باستبعاد الآخر أو محاولة محوه.. إذ تعتبر الفردية حافزا علي التنافس والتميز والتفوق وإثبات الذات.. وإذا ارتبطت الفردية بالنفعية وانعدام الأخلاق فهذه هي المصيبة الكبري.. لأن الشخصية التي تجتمع فيها تلك الصفات لا يمكن أن تبحث عن التفوق أو التميز أو المنافسة بطريقة إيجابية بناءة تشجع النفس والغير علي العمل والمثابرة والاجتهاد.. بل تدفع إلي التواكل وتفضيل التسول علي العمل، والرشوة علي السير في الطرق القانونية، والسرقة علي السعي.. الخطوة الأولي هي محاسبة النفس والاعتراف بالحقيقة وها قد اجتزناها.. ولكنها لا تكفي إذا لم تتبعها سياسات تغيير الواقع وتفعيل تلك السياسات وتحليل النتائج.. فهل ننتظر تلك الخطوات؟