جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    يروج لنشاطه عبر مواقع التواصل.. القبض على مزور شهادات دراسية بالجيزة    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    هدية ترامب في عيد الميلاد، نيجيريا تكشف الأسلحة الأمريكية المستخدمة ضد "داعش"    إنذار بحري.. الأرصاد تُحذر من اضطراب ملاحة البحر المتوسط    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    مدرب مالي يهاجم التونسي هيثم قيراط حكم ال VAR بعد التعادل أمام المغرب في أمم إفريقيا    شاهد.. حريق هائل يلتهم أكشاك بمحيط محطة رمسيس| فيديو    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    دوي انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية بعد قصف روسي    ابني بخير.. والد القارئ الصغير محمد القلاجي يطمئن الجمهور على حالته الصحية    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    منع جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس بالبحيرة    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    الرئيس والنائب ب"التذكية"، النتائج النهائي لانتخابات نادي الاتحاد السكندري    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فين الرجولة والشهامة؟ محمد موسى ينفعل على الهواء بسبب واقعة فتاة الميراث بالشرقية    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    أمم إفريقيا – مدرب مالي: كنا نستحق ركلة جزاء إضافية أمام المغرب    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    في هذا الموعد.. قوافل طبية مجانية في الجيزة لخدمة القرى والمناطق النائية    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    المغرب تتعادل مع مالي في أمم أفريقيا    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    في احتفالية جامعة القاهرة.. التحالف الوطني يُطلق مسابقة «إنسان لأفضل متطوع»    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    خبيرة تكشف أبرز الأبراج المحظوظة عاطفيًا في 2026    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    السكك الحديدية تدفع بفرق الطوارئ لموقع حادث دهس قطار منوف لميكروباص    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    هيئة الاستعلامات: 1917 تقريراً في 250 وسيلة إعلام دولية واكبت افتتاح المتحف الكبير    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    جامعة قناة السويس تستكمل استعداداتها لامتحانات الفصل الدراسي الأول    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    إصابة مواطنين إثر انقلاب سيارة ربع نقل على صحراوى جنوب الأقصر    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشخصية المصرية‏..‏ بين الهزل والجد
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 09 - 2010

الشخصية المصرية من المفهومات المحببة للنفس‏,‏ فكرا‏,‏ وسلوكا‏,‏ استقرارا وتغيرا‏,‏ وذلك قد يغري بأن يتناولها من لايعرفون‏,‏ إلي جانب من يعرفون‏.‏ وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الشخصية المصرية‏,‏ ويعد ذلك من باب العزف علي وتر قديم‏,‏ لكنه عزف صحي علي أية حال‏,‏ فالمفهوم يدعونا إلي مزيد من المعرفة الجادة‏,‏ وينأي بنا عن الهزل والسطحية‏.‏
ومن قبيل الهزل في تناول الشخصية المصرية وجود اصطلاحات أحادية مثل مصطلح الحداقة‏,‏ ومصطلح الفهلوة‏,‏ ومصطلح البلطجة‏,‏ والفهم علي الطاير يري أصحابها أنها وحدها كافية لفهم الشخصية المصرية‏,‏ وتفسير سلوك المصريين علي اختلافهم ريفا وحضرا‏,‏ وتعليل تعدد الطبقات وتفاوتها‏.‏ وفي رأيي أن هذا نوع من التعميم المخل‏,‏ المتعجل‏,‏ والمخالف أيضا لأسس المهنة ولأن الشيء بالشيء يذكر‏,‏ فهناك من يري أن الأنا مالية نسبة إلي وأنا مالي وهي صفة تعبر عن الأنانية والفردية‏,‏ وتعد أساس تفسير الشخصية المصرية‏,‏ ومفتاح فهمها من قبل أصحابها‏.‏
ومن أساتذة الجامعة من يستخدم السيرة الذاتية علي انها تحدد قسمات الشخصية المصرية‏,‏ وذلك موجود في بعض الكتب التي يذكر فيها مؤلفوها تاريخ عائلاتهم‏,‏ وعاداتهم الخاصة‏,‏ ومكانة المرأة في العائلة‏..‏ الأم والأخت والبنت‏,‏ وينسون أن السيرة الذاتية لا تصلح أن تكون توأما للشخصية المصرية‏,‏ فهي لا تنطبق علي المصريين في كل الأزمان والمراحل التاريخية‏,‏ كما انها لا تسري إلا علي الطبقة التي يأتي منها المؤلف ولا تنسحب علي الطبقات الأخري‏.‏
وليست كل البحوث في الشخصية المصرية بحوثا رصينة‏,‏ فإن بعضها يذكرني في سرعة تصميمه‏,‏ وسطحية معلوماته‏,‏ وكثرة تعميماته‏,‏ وغياب الموضوعية عنه‏,‏ بأبحاث طلابنا في الجامعة‏,‏ التي نكلفهم بها بقصد التدريب علي البحث والدراسة‏,‏ وتصحيح الأخطاء في السنوات الجامعية الأولي‏.‏
والحديث عن الشخصية المصرية بشكل جاد هو التزام علمي وأخلاقي في الوقت نفسه‏,‏ فإطلاق الصفات جزافا‏,‏ وتعميم نتائج لا تتفق مع المقدمات‏,‏ والقفز من دراسة محدودة علي عينة ضئيلة إلي ما يشبه القوانين‏,‏ واختزال الشخصية المصرية إلي سيرة ذاتية وإطلاق التعميمات بعد ذلك‏,‏ كل هذا إخلال بما تفرضه أخلاقيات البحث العلمي في حدود منهجه‏,‏ واستخدام طرقه‏,‏ وأدواته‏.‏
ومن يدرس الشخصية المصرية لابد له أن يهتم بثوابتها‏,‏ ومتغيراتها علي السواء‏,‏ فتأمل الثوابت يطلعنا علي أسباب بقائها‏,‏ أما التغيرات في الشخصية المصرية فمن المهم أن نكشف عنها‏,‏ وهنا تتضح أهمية مفهومي التغير الاجتماعي والحراك الاجتماعي‏,‏ اللذين يلعبان دورا مهما في التغيرات التي تحدث في الشخصية المصرية‏.‏
والتغير الاجتماعي هو تغير في البناء والوظيفة‏,‏ والتنظيم الاجتماعي‏,‏ أي انه يشمل التغيرات التي تطرأ علي كل جوانب الحياة في المجتمع‏,‏ أما الحراك الاجتماعي فانه يشير الي نوع من التدرج الهرمي للمكانة توزع علي أساسه امتيازات الثروة والقوة والمكانة‏,‏ وتعمل التغيرات هنا علي جذب الأشخاص من المراتب الأدني الي المراتب الأعلي‏.‏
ويمكننا تفسير كثير من التناقضات في الشخصية المصرية المعاصرة‏,‏ علي أنها انعكاسات للتحولات الاجتماعية التي أدت الي حدوث تغيرات في الطبقات الاجتماعية والقيم‏,‏ وفي الثقافة المصرية السائدة‏.‏
أما إذا اردنا أن نعرف مثالا علي الثوابت في الشخصية المصرية‏,‏ فإن قصة الفلاح الفصيح هي خير مثال‏,‏ فهي وثيقة علي جانب كبير من الأهمية كتبت منذ زهاء أربعة الاف عام‏,‏ وتصور بوضوح الظلم الذي كان يعانيه الفقراء علي أيدي الموظفين‏,‏ وهي مشكلة لم تحل حتي أيامنا هذه حلا حاسما‏.‏ وتتلخص تلك القصة في أن موظفا صغيرا اغتصب من أحد الفلاحين حماره وأحماله من القمح وغيره‏,‏ بينما كان في طريقه إلي السوق لبيعها ليشتري بثمنها ما يقيم أود أسرته الكبيرة‏,‏ وعندما هدد الفلاح الموظف بأنه سيشكوه إلي رع رب السماء ضربه الموظف ضربا مبرحا‏,‏ اثار ذلك السلوك مشاعر الفلاح وكرامته‏,‏ الذي تصادف انه كان ذكيا فصيحا‏,‏ فاتجه الي المدير العظيم للبيت ووجه اليه تسع خطب يحثه فيها علي إنصافه‏,‏ وهذه الخطب التسع تعبر تماما عن الوعي المصري للعدالة الذي لم يتغير حتي وقتنا هذا‏.‏
وقال له فيها‏:‏ أنت رع رب السماء‏,‏ احم البائس‏,‏ ولا تخطئ لأنك أنت الميزان‏,‏ ثم يقول له‏:‏ في الخطبة الثامنة‏,‏ أنت رع رب السماء‏,‏ فلتعمل من أجل العدل‏,‏ إن العدالة هي الخلود‏.‏
ويذكر إيرون زايدل أستاذ الاجتماع القانوني أن مصر بلد تكثر فيه المقاضاة‏,‏ فالمحاكم واجراءاتها حديث الخاصة والعامة‏,‏ وهذه الظاهرة لاتزال فاعلة حتي الان‏.‏
وبرغم وجود عديد من المؤثرات الفاعلة في الشخصية المصرية‏,‏ كالدين‏,‏ والمستوي الاجتماعي الاقتصادي‏,‏ والريفية مقابل الحضرية‏,‏ فإننا نجد أن الأمثال الشعبية دون غيرها من الفنون الشعبية تتردد علي ألسنة العامة والخاصة‏,‏ بل وتقتحم اللغة المكتوبة بعفوية شديدة‏..‏ سواء في الأعمال الدرامية أو الأدبية أو في المقالات الصحفية‏,‏ وحتي في الكتابات السياسية نجد أن الأمثال تتردد في ثناياها‏,‏ بل في عناوينها‏,‏ بوصفها خلاصة القول وصفوته‏,‏ والمعني الأكثر تركيزا لشرح الأمور التي يصعب شرحها‏.‏
فالأمثال معين مهم لمن أراد أن يفهم الشخصية المصرية بجدية‏,‏ فهي تراث شعبي يمتاز بأصالته‏,‏ لأنها من صنع الناس أنفسهم‏,‏ فهي معبرة عن أحوالهم‏,‏ نابعة من بيئتهم‏,‏ وعلي هذا الأساس يمكن ان يقال إن الأمثال هي البضاعة المحلية الخالدة من كل غريب مستورد‏..‏ وهي النتاج البكر الذي يتوارثه الخلف عن السلف علي مر الزمان‏,‏ دون أن تشوبه نسيجه الساذج تقلبات الأيام‏,‏ أو شوائب التأثر بثقافات أخري عابرة أو وافدة‏.‏
إن دارس الشخصية المصرية لابد ان يكون مولعا بها‏,‏ فاهما لأخص خصائصها‏,‏ متمتعا بعقلية تملك القدرة علي التحليل‏,‏ والنقد عالما بتطوراتها في المراحل التاريخية المختلفة‏,‏ فإن ذلك يتيح الفرص لإعادة بناء الفرد والمجتمع في مصر‏,‏ وإنجاح محاولات الإصلاح فيها‏.‏
وجدير بالذكر ان البحث الجاد في الشخصية المصرية لايوجد فقط في كتب الثقافة ممن درسوها‏,‏ ولا هو قاصر علي علي مؤلفات المتخصصين من علماء النفس‏,‏ والاجتماع‏,‏ والاقتصاد‏,‏ والقانون‏,‏ والسياسة‏.‏ بل انه لابد ان يتجه الي الأدب ليستقي منه ما لايعطيه له غيره من معلومات متعمقة‏,‏ وتحليلات فريدة عن الشخصية المصرية‏.‏
نجد ذلك في كروان طه حسين‏,‏ وأيامه‏,‏ وثلاثية نجيب محفوظ وحرام يوسف ادريس‏,‏ وفي أرض عبد الرحمن الشرقاوي‏,‏ وقنديل يحيي حقي‏,‏ وفي الزوجة الثانية لأحمد رشدي صالح‏,‏ وفي غيرها وغيرها من الأعمال الأدبية الكاشفة عن الشخصية المصرية بكل أوجهها‏,‏ بثباتها وتغيرها‏,‏ بإيجابياتها وسلبياتها‏.‏
إن مثل هذه الأعمال الأدبية الرائعة تصلح ولاشك لفهم معني البقاء والاستمرار في الشخصية المصرية‏.‏

المزيد من مقالات د. سامية الساعاتى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.