كتب - د. سعيد اللاوندي: علمنا- بطريق المصادفة- من الفيلسوف المصري عاطف العراقي- أمد الله في عمره وأبقاه- أن الدكتورة منيرة حلمي, زوجة الفيلسوف الراحل زكي نجيب محمود قد رحلت عن دنيانا في الشهر الحالي، وهو الشهر الذي جاء فيه زكي محمود إلي الدنيا. وللإنصاف يجب أن نذكر أن زكي نجيب محمود والدكتورة منيرة حلمي اللذين اختارا ألا ينجبا, كانا مثالا للثنائي المتفاهم والجميل اختارا أحدهما الآخر أو قل إن حب الكلمة قد جمعهما معا. فالدكتورة منيرة كانت مربية فاضلة. واستعان الدكتور عاطف العراقي بها عندما وضع كتابا تذكاريا عن زكي نجيب محمود. لكن ما يلفت الانتباه أنها- يرحمها الله- كانت زوجة صالحة لا تعرف في الدنيا غير طلبتها في كلية البنات الإسلامية, ثم إنها حرصت كل الحرص علي إنجاح مشروع زوجها العقلاني التنويري. فاستحقت القول الشهير: وراء كل عظيم امرأة! ولابد أن نعترف أن التفاهم بين الاثنين بلغ مبلغا جعلنا لا نسمع عن الدكتورة منيرة حلمي في زمن زوجها, وإنما تركت له الساحة مع إيمانها الكامل بما يقول ويفكر ويبدع. فكانت نعم الزوجة.. وحتي بعد وفاة الرجل ظلت أسيرة حبه, فلا حياة لها ولا مستقبل إلا مراعاة مؤلفات زوجها, وكانت سعادتها تستمدها من نجاح هذه المؤلفات وطبعها طبعات جديدة واكتشاف عدد كبير من الباحثين لزوجها والاعتراف بفضله عليهم. ولا يظنن أحد أنني أميل إلي اختفاء الزوجة في جلباب زوجها, خصوصا إذا كان كبيرا وفضفاضا كحال زكي نجيب محمود, فالحق أنني لست قريبا من هذا التفكير في قليل أو كثير, وإنما كانت الدكتورة منيرة حلمي هي الأخري تؤمن بالعقل وتري أنه يجب أن يعبد- بعد الله- مثل الجاحظ.. لذلك كانت تؤمن بالموضوعية المنطقية التي تحمس لها زوجها في بواكير أيامه.. والحق أنها ظلت حتي نهاية عمرها تؤمن بالتنوير الذي بشر به زوجها وآخرون, ونري أنه لا صلاح إلا به وتذهب إلي أن العلم هو خادم للدين, وكاشف له أيضا, أما الخلاف بين العلم والدين فهو افتعال لا موجب له.. لذلك عندما يبحث الإنسان في معمل الاختراع عن دواء يخفف آلام البشرية, فكأنما يصلي علي طريقته ويعبد الله. أما أكثر الكتب التي أصدرها زوجها وتري أنها قريبة منها وكثيرا ما تناقشت معه فيها, فهي كل الكتب التي تعتبرها كأولادهما, خصوصا أنهما لم ينجبا, بالاتفاق و التفاهم فيما بينهما, لكن كتاب عربي بين ثقافتين هو الأقرب, لأن زكي نجيب محمود كان يعتز كثيرا بعروبته ويري أنك إن كنت عربيا ومسلما, فأنت تمتلك مقومات النبوغ. رحم الله الدكتورة منيرة حلمي وأكثر من أمثالها.