الوطنية للانتخابات: انتظام أعمال اليوم الثاني لتلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    شريهان: «سلاما من مصر لجميع شعوب العالم»    برلماني: الرئيس السيسى صنع الفارق فى المنطقة    وزيرة التخطيط تعقد اجتماعين مع مدير بنك الاستثمار الأوروبي والرئيس التنفيذي لبورصة لوكسمبورج    لمدة 20 ساعة.. قطع مياه الشرب عن 3 مناطق في الإسكندرية غدًا    ألمانيا تعلن تقديم 34 مليون دولار مساعدات إنسانية لقطاع غزة    لبنان: تفكيك شبكة تعمل لصالح إسرائيل خططت لأعمال إرهابية واغتيالات بالداخل    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    فوز المنصورة وهزيمة الترسانة.. نتائج مباريات الجولة الثامنة بدوري المحترفين    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    حالة الطقس غدا السبت 11 أكتوبر 2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    مباحث الغربية تضبط قاتل أحد كبار تجار العسل بعد طعنه داخل سيارته    10 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب «السوق السوداء»    العثور على جثة سيدة في ملاحات الإسكندرية.. والطب الشرعي: حامل في الخامس    النقض تحدد 22 أكتوبر لنظر طعن مضيفة متهمة بقتل ابنتها على حكم سجنها 15 سنة    الأحد.. افتتاح معرض "سكون يحمل في طياته" للتشكيلى الكبير محمود حامد    كاتب "نهاية العالم" يحصد نوبل للآداب 2025|الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    الإعلان التشويقي لفيلم "ولنا في الخيال.. حب؟" يمهّد الطريق لعرضه قريبا    "اليونيسف" تدعو إلى سرعة دخول المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    بشير التابعي: حكمة الرئيس السيسي أنقذت المنطقة من عواقب وخيمة باتفاق شرم الشيخ    انبهار وفد ألمانى رفيع المستوى فى زيارته للمتحف المصرى الكبير    25 صورة ترصد فعاليات ماراثون للتوعية ضد شلل الأطفال بالأقصر    صحة الدقهلية: استئناف العمل بوحدة مناظير الجهاز الهضمي بميت غمر    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    9 خطوات لحماية «الراوتر» من الاختراق    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    «أوقاف المنيا» تعقد 109 ندوة علمية في «مجالس الذاكرين» خلال أسبوع    محافظ شمال سيناء: زيارات الوفود الدولية لمعبر رفح والمستشفيات ساهمت في فهم الواقع الفلسطيني    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    "إدارة الصراع والضغوط والقلق النفسي" ندوة توعوية لجامعة قناة السويس بمدرسة أم الأبطال    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية (بث مباشر)    لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    أهم 30 دقيقة أعقبت إعلان إنهاء الحرب.. لماذا تأخر القرار حتى منتصف الليل؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الاختلاف ومحنة البحث فى مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 11 - 2014

لم يتوقف العرب، منذ بواكير انتهاضهم من سباتهم الطويل عند مطالع القرن التاسع عشر, عن إثارة السؤال المتعلق بتقدم «الغير» فى مقابل فواتهم وتأخرهم. وإذ يحيل ثبات السؤال ورسوخه
، حتى هذه اللحظة، إلى أن تغييراً لم يطرأ على مجمل الشروط التى دعت إلى إثارته قبل قرنين من الآن؛ وبمعنى أن ما أدركوه من تقدُّم الغير فى مقابل تخلُّفهم لم يزل على حاله, فإن استمرار السؤال (والشرط المنتج له) يرتبط, لا بمجرد فساد الإجابة التى قدمها العرب لذلك السؤال، بل باستمرار تقديمهم لذات الإجابة رغم ما بدا من عقمها وعدم إنتاجيتها. وهكذا فإن استمرار حضور «السؤال» يرتبط باستمرار ترديد ذات الجواب؛ وعلى نحو يصبح فيه الانفلات من أسر المطروح والمتداول من إجابات ومقولات جاهزة فى فضاء الواقع العربى هو الشرط اللازم لإخراج هذا الواقع من أزمته الشاملة؛ وبكيفية يمكن أن تسمح للعرب بإثارة أسئلة أخرى غير سؤال تخلفهم الراسخ. إن ذلك يعنى أن الخروج من مأزق سؤال التخلف العربى مشروط بالتفكير فى إجابة مغايرة لهذا السؤال؛ وأعنى غير تلك التى استمر العرب يرددونها على مدى القرنين للآن.
وبالطبع فإنه لن يكون ممكناً الحصول على إجابة مغايرة، ومنتجة فى الآن نفسه، لسؤال العرب الكبير، إلا عبر الوعى بالكيفية التى يفكرون بها، التى جعلتهم لا يعرفون إلا إجابة واحدة للسؤال يتغيَّر شكلها, ولكن مع ثبات مضمونها. ومن هنا ضرورة الانخراط فى قراءة وتفكيك أعمال البنائين العظام لما يمكن اعتباره «عقل العرب». وأعنى أن قراءة لأعمال كل من الشافعى والأشعرى والغزالى والرازى وابن رشد وابن خلدون والطهطاوى ومحمد عبده وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم من بناة الخطاب الفكرى الذى لم يزل يتحكم فى طبيعة الممارسة العربية فى جميع تجلياتها الراهنة سوف تكون مطلوبة ولازمة؛ وذلك مع الوعى بضرورة أن تكون قراءة تتجاوز مجرد الترديد والتكرار. فإنه إذا كان الوعى العربى السائد قد درج على أن يعود إلى هؤلاء ملتمساً عندهم حلولاً لأزماته؛ وأعنى من حيث يُشار إليهم بأنهم أقطاب العقلنة وصانعو النهضة، وحاملو شارة الإصلاح ورواد الاستنارة.
ولعل الفكرة الحاسمة التى تقوم عليها القراءة المغايرة المقترحة تنطلق من إدراك أن الأزمة العربية الراهنة هى، فى جوهرها، أزمة خطاب وبالتالى أزمة عقل منتج لهذا الخطاب، وذلك قبل أن تكون أزمة واقع أو ممارسة. لأن بؤس الممارسة لا يمكن تفسيره إلا من خلال ما يقوم من ورائها من خطاب يحكمها ويوجهها. وإذ العقل المنتج لهذا الخطاب هو مجرد نتاج وتجسيد لنظام الثقافة التى ينشأ فيها (ومن هنا جوهر التباين بين عقل أوروبى وآخر عربى أو آسيوي)، فإن ذلك يعنى أن الآباء المؤسسين فى أى ثقافة هم، لا سواهم، صناع العقل السائد فى محيط هذه الثقافة؛ وأعنى بالعقل، ضمن هذا السياق، طرائق وآليات التفكير ونظام إنتاج المعرفة. وتبعاً لذلك فإن السلالة الممتدة من الشافعى والأشعرى والتى تمر بالغزالى وابن رشد وغيرهم، ولا تنتهى عند الطهطاوى وطه حسين هم صُنَّاع العقل السائد فى محيط الثقافة العربية الراهنة. وإذ هم، هكذا، صناع العقل المأزوم الراهن، فإن العودة إليهم واستعادتهم إنما ترتبط بالقصد إلى أن تكون أعمالهم ساحة يجرى فوقها تفكيك العقل المنتج للأزمة التى نشقى بها. وهكذا فإن القصد من درس ابن رشد، مثلاً، لن يكون استعادة أفكاره التى يرى فيها الكثيرون السبيل لإقالة العقلانية العربية من عثرتها الحالية، بقدر ما سيكون تعرية الجذر الأعمق لأزمة تلك العقلانية, وكذلك فإن القصد من الوقوف عند الشافعى لن يكون استعادة إنجازه الفقهى وبيان مدى أصالته وعبقريته، بقدر ما سيكون القصد هو الكشف - من خلال تفكيك طريقته فى التفكير الفقهى - عن الدور المركزى الذى لعبه فى بناء وترسيخ نظام العقل التابع الذى يعمل للآن. وبالطبع فإن ذلك يعنى أن الأمر لا يتعلق بمضمون المذهب الفقهى أو العقائدى الذى وضعه الشافعى أو غيره، بقدر ما يتعلق بتفكيك طريقة تفكيره فى الفقه؛ وهى الطريقة التى تجاوزت، فى اشتغالها، حدود الفقه إلى غيره من العلوم التى تبلورت فى الثقافة الإسلامية. ولعل ذلك يقتضى تغييراً يستحيل معه البحث فى هؤلاء وغيرهم إلى فضاء لإثارة الأسئلة الحارقة التى يطرحها الواقع العربى الراهن عن علة التردى الفادح للعقلانية والديمقراطية والإبداع والتسامح، وذلك فى مقابل ما يطفح به هذا الواقع من الحضور الطاغى للاستبداد والخرافة والترديد والتعصب؛ وعلى نحو قد يجد معه الباحث نفسه منخرطاً - فى سياق سعيه وراء أجوبة غير نمطية لهذه الأسئلة - فى عمليات نقد جديِّة لما استقر وترسخ بين الناس على أنه الأجوبة النهائية لتلك الأسئلة. وبالطبع فإنه يترتب على ذلك تغيير فى لغة البحث، من لغة تداعب وتطامن، إلى لغة تجرح وتُقلق من استناموا إلى سلامة ما يطرحون من قطعيات.
والحق أنه لا شىء يقف وراء محنة الباحثين فى مجال الإنسانيات - فى مصر وغيرها - إلا هذه المغايرة، التى تعتبر من قبيل التابوهات المحرمة فى مجتمعات لا تقبل من أفرادها إلا التفكير بحسب منطق القطيع. وتظهر المفارقة زاعقة حين يدرك المرء أن مصر التى تطمح - بعد ثورتها - إلى الدخول فى أفق العقلانية والديمقراطية والتسامح لاتزال تضع مستقبل باحثيها العاملين فى جامعاتها - والساعين إلى استيفاء شروط دخولها إلى عصر حداثتها الحقَّة - بيد كهنة التقليد وحرَّاس الترديد المهيمنين على ما يقولون زوراً أنها لجان ترقيات.
لمزيد من مقالات د.على مبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.