فى المجلس الرئاسى الاستشارى لعلماء وخبراء مصر لرئيس الجمهورية، كان هناك تكليف قومى لكل منهم بتقديم الرأى كل فى مجال تخصصه، للنهوض بالدولة.. ولأن الصحة النفسية لأهل مصر، والتى تعرضت لضربات موجعة خلال السنوات الماضية، أدت إلى انفلات خطير فى الأخلاق والسلوك. فقد وضعت الدولة على عاتق رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى د.أحمد عكاشة عضو المجلس الاستشارى العلمى لرئيس الجمهورية مهمة تحديد الأسباب ووضع ملامح خطة قومية.. ولأنه أيضاً رئيس لجنة القيم والأخلاقيات بالجمعية العالمية للطب النفسي.. ولأنه كذلك حامل هموم وأوجاع النفس البشرية المصرية.. فقد كان التكليف أمر لا مناص منه لإعادة الأخلاق إلى شعب كان تميزه التاريخى الإخلاق الحميدة. فى البداية يفاجئنى د.عكاشة بتحذير شديد اللهجة: لن تنهض مصر إن لم تلتزم بالأخلاق العلمية، والارتفاع بمستوى رأس المال الاجتماعى ألا وهو الثقة والمحبة بين المواطنين والتى هى اساس نهضة الامم و التى تحتاج لإصلاح جذرى للوصول الى التوافق المجتمعي. إن نهضة أى أمة لا تعتمد على القدرة الاقتصادية أو العسكرية أو الموارد الطبيعية بل على أخلاق المواطن. وفيما يلى نص الحوار. هل يعتبر علماء النفس والاجتماع أن الصحة النفسية هى أساس لأخلاق البشر؟ إن الصحة النفسية هى مرادفة للرضا النفسي، لجودة الحياة، للعطاء، للعمل والإنتاج، وهى تختلف عن المرض النفسى من قلق وهلع ووسواس واكتئاب وفصام....الخ، ولكن الصحة النفسية هى أساس الأخلاق، وتعرف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية بكونها القدرة على التكيف مع ضغوط وكروب الحياة بالصمود والمرونة والتحكم فى العصبية أى إدارة الغضب والقدرة على العمل والعطاء بحب وإتقان. أن تتواكب القدرات مع التطلعات أى أن يعرف الفرد أنه إذا كان كفئا فسيصل إلى النجاح دون المعوقات الموجودة فى البلاد النامية. وحرية التعبير وإحساس الفرد بأن له قيمة واحترام فى المجتمع (تشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن حرية التعبير تعطى 30٪ من الصحة النفسية). هل رصدت العيادة النفسية انفلاتا أخلاقيا فى سلوك المواطن بعد ثورة 25 يناير؟ ما حدث بعد ثورة 25 يناير كان به الكثير من الايجابيات والكثير من السلبيات أهمها أنها هدمت بناء فاسدا ولكن لم تقدم أجندة للنهوض، ونحن نعلم ان الهدم سهل ولكن البناء صعب، ولكن أهم حدث هو خلط الديمقراطية وحرية التعبير، بالفوضى، فلوحظ غياب هيبة الدولة ومن ثم غياب تطبيق القانون، الهجوم على الشرطة عدم الالتزام بالقانون، مع بطء العدالة، مما يجعل المصرى ينغمس فى الأمور الذاتية وتلبية الرغبات الخاصة، وإشباع الرغبات والتمركز حول الذات والانفلات الاخلاقى وكل ذلك عكس سمات الانتماء للوطن. عندما تتحدث عن الأخلاق كمطلب قومى الآن.. كيف يحدد الطب النفسى ملامح الأخلاق؟ إذا عرفنا الثقافة العلمية نجدها مرادفة للأخلاق الرشيدة فمكوناتها: - مصداقية الذات وتشمل، تحمل المسئولية، الانضباط، الإتقان، الضمير، والإخلاص فى العمل - التعاون ويشمل، العمل بروح الفريق فى كل عمل سواء علميا أو اجتماعى أو صناعى أو مؤسسى والتسامح والحميمية والثقة فى الآخر، ونحن فى مصر أبطال العمل الأوحد وليس العمل الجماعي، مما يؤثر فى المنظومة الاخلاقية. - تجاوز الذات، وهنا يتمركز الفرد على الأخر وعلى المشاكل وليس على التمركز الذاتي، إن العطاء للآخر سواء عمل أو بحث أو فرد هو أساس أخلاقى يجلب السعادة وتحض عليه كل الأديان والأعراف، وعلينا الآن تنمية الضمير الجمعى فى مصر و كذلك تنشيط الثقافة العلمية أى النهوض بالأخلاق. يكثر الحديث عن أن ضمير الإنسان هو أساس أخلاقه وهو الذى يصبغ هذه الأخلاق ويضبط السلوك كيف ترى نصيب أطفالنا فى هذا المجال؟ إن الأخلاق لا تورث بل هى نابعة من البيئة والمجتمع، فالبيئة الصالحة والمجتمع الرشيد سينتجان أخلاق حميدة، إذن فنحن نحتاج لفهم كيفية نشأة الضمير فى الإنسان فالطفل حتى سن الخامسة أو السادسة ضميره فى طاعة الوالدين حتى عندما يقولون إذا كذبت ستدخل النار فهو لا يعرف الله ولكنه يخشى والديه، فإذا عرفنا هنا أن الأم هى أحسن من يعطى الأخلاق والقدوة وإذا عرفنا أن نسبة الأمية بين الإناث فى مصر تصل إلى حوالى 40 إلى 50٪، وأنه لا يزيد على 0،5٪ قادرون على وضع الأطفال قبل المدرسة فى الحضانة، لعرفنا أن محاربة الأمية هى أحد أسس الارتفاع بالناحية الأخلاقية وبعدها ينمو الضمير فى الجو المدرسي، وإذا عرفنا تواضع قدرات وإمكانيات معلم الابتدائى فى مصر وعدم قدرته على أن يكون قدوة لهؤلاء الأطفال وهم يعطون الدروس الخصوصية ويساعدون على الكذب والغش فهنا يتكون الضمير مملوء بالثقوب وبعدها يتوحد الضمير مع المجتمع الذى إذا كان مملوءاً بالتسيب والفساد والرشوة نستطيع ان نتنبأ بهوية الضمير ولكن يوجد الكثير من الأفراد الذين وهبهم الله القدرة على الالتزام بضمير خاص لهم أخلاق حميدة. ماذا تقول «روشتة» العلاج التى سوف تطرحها أمام الدولة المصرية؟ يعتمد تاريخ وأخلاق الشعوب على الثقافة والفن والنهوض بهما له القوة فى تطهير النفس والارتفاع بالأخلاقيات، فلولا الفن فى مصر الفرعونية وفى الحضارة الصينية والعراقية واليونانية والأوروبية لما عرفنا التاريخ، فالعناية وتشجيع الثقافة الجماهيرية والتى يوجد بها قصور فى كل أنحاء مصر والتى كان تفعيلها ضعيفا فى الفترة السابقة بعد ان كانت فى الستينات فى حالة نشاط وإبداع مستمر، إن الكتاب، والمسرح، والموسيقى، والأدب لهم تأثير فى خلق الإبداع و الابتكار و تنشيط الدوائر العصبية المخية التى تنهض بالعلم و البحث العلمى التى هى أسس النهضة فى الأمم. وأخيرا تعتمد منظومة النهضة بالأخلاق وتحسين الصحة النفسية على: - تخفيض معدلات الأمية والبطالة والفقر سيقلل من العنف والإدمان والأمراض النفسية. - تحسين فوضى اللغة والازدحام والتلوث الشمى والسمعى والبصري. - تدريب المدرسين من أجل النهوض بالتعليم وريادة الدول العربية والإفريقية. - تعمير سيناء والوادى الجديد والمثلث الذهبي، توشكى، بإيجاد الحافز لنقل هؤلاء المعمرين. - زراعة مليون فدان، و المزارع يدخل أولاده الجامعات ليصبحوا موظفين..و ليس عنده كبرياء وكرامة المزارع لذا يجب بث احترام المزارع.. فرنسا معظمها مزارعون!!! متعلمون!!!! - الاهتمام بموظفى المحليات والتدريب المستمر فى الأخلاقيات ويجب ان يكون عائد المراقبين لا يقل عمن يراقبون، لأن الفساد والرشوة فى المحليات سببه عدم وجود الرقابة الرشيدة. - الاهتمام بالإعلام خاصة المرئى منه وتغيير لغة الخطاب الدينى ونوعية اللغة وأهداف المسلسلات، وتنمية الإحساس بالمواطنة. - التقليل من مشاهد العنف والقتل لأنه يسبب تعطيل نمو المخ للطفل مع ازدياد العنف إذا زادت مشاهدة التليفزيون بدلا من الاختلاط والحركة والرياضة. - التركيز فى الإعلام على إبراز القدوة والأخلاقيات التى تنهض بالصحة النفسية ومن ثم الرضا النفسى وجودة الحياة. - بث التفاؤل والإشادة بالابتسامة وهى معدية.