رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "يوم 29 أكتوبر ..الذكرى 58 لبداية العدوان الثلاثى على مصر عام 1956". كانت تلك هى الرسالة، القصيرة فى محتواها الكبيرة فى معناها، التى وصلتنى فى الصباح الباكر. لقد ذكرنى ما يتعرض له الوطن حاليا بما مر به منذ 58 سنة مضت. فمصر تتعرض للعدوان عندما تكون على وشك تحقيق التقدم والخروج من الأنفاق المظلمة التى حفرها الأعداء لعرقلة مسيرتها السامية والإضرار بشعبها العظيم. فالعدوان الثلاثى هو الحرب التى شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر فى عام 1956 إثر قيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس. وكانت كل من بريطانيا وفرنسا قد اتفقتا سرا مع إسرائيل على أن تقوم القوات الإسرائيلية بمهاجمة سيناء!! فإذا تصدى لها الجيش المصرى تقوم بريطانيا وفرنسا بالتدخل وإنزال قواتهما فى منطقة قناة السويس ومحاصرة الجيش المصرى بحجة الفصل بين المتصارعين وحماية قناة السويس!! وبالفعل نفذت إسرائيل هجومها على سيناء ونشبت الحرب فى 29 أكتوبر 1956. فأصدرت كل من بريطانيا وفرنسا إنذارا خادعا بوقف الحرب وإنسحاب الجيش المصرى والإسرائيلى من ضفتى قناة السويس مما يعنى فقدان مصر سيطرتها على قناة السويس، ولما رفضت مصر نزلت القوات البريطانية والفرنسية فى بورسعيد ومنطقة قناة السويس، إلا أن الجيش المصرى لم يقع فى الفخ فلم يتعرض للحصار حيث إنسحب سريعا ولم يتعرض للتدمير. وعندما أصدر الاتحاد السوفيتى إنذارا بتدخل عسكرى ضد لندن وباريس، أمرت أمريكا حليفتيها، بريطانيا وفرنسا، بالانسحاب الفورى من الأراضى المصرية. وانتهت الحرب بفضيحة كبرى وخرج الرئيس عبد الناصر منتصرا سياسيا بينما عوقب المتآمرون بإسقاط رؤساء حكومات الدول المتواطئة وإقصائهم من السلطة على يد شعوبهم. وما أشبه الليلة بالبارحة، فكأن عجلة التاريخ تدور لتبدأ إعادة سيناريو العدوان الثلاثى، ولكن فى شكل مبتكر جديد. فمصر ثورة 1952 التى وقفت إلى جانب ثورة الجزائر لتنتصر على الإستعمار الفرنسى، ومصر التى قلبت الموائد على رؤوس كافة القوى الإستعمارية بالعالم العربى وبأفريقيا وآسيا، ومصر ثورة 1952 التى أممت قناة السويس فى يوليو 1956 لترد للشعب المصرى ثروته الضائعة وكرامته التى أهدرتها قوى الإستعمار، ولتبنى السد العالى بسواعد أبنائها، هى ذاتها مصر ثورة يناير 2011 وثورة يونيو 2013. لقد قلبت مصر الموائد على مخططات الإستعمار الجديد، وقدمت دعمها وخبراتها ومعلوماتها حول المخطط المدمر الذى يستهدف العالم العربى على وجه الخصوص والشرق الأوسط بمعناه الواسع بشكل عام، وبذلت مصر جهودا كبيرة لحماية الدول العربية الشقيقة من خطر التقسيم والتفكيك. ووقف شعب مصر وجيشها كدرع صلب منيع تكسرت عليه موجات التطرف والتفكيك والطائفية ليفضح بشكل متكرر أكذوبة عدد من الدول الغربية الإستعمارية الكبرى التى تصر على وصف نفسها ب"الدول المحبة للسلام"! وفاجأت مصر العالم بمشروعها العملاق لشق قناة السويس الجديدة وتطوير محور القناة ثم فاجأت "الأعادى" مرة أخرى بجمع المليارات ال 64 اللازمة لتنفيذ المشروع فى زمن قياسى. وفاجأت مصر "الأعادى" بأن لها حلفاء مخلصين من العرب والأجانب ساندوها بقوة وقت الشدة مثلما ساندتهم من قبل. وفاجأت مصر "الأعادى" بأن عقول غالبية أبنائها صلبة وقوية ومدرعة ضد كافة الهجمات الفكرية المدمرة التى إستعان بها الإستعمار لتخليق ظواهر مدمرة للأمم وللحضارات مثل "داعش" وأخواتها والفتن الطائفية والمتاهات الأيديولوجية. لقد إنهالت صفعات مصر على الأعداء مرارا وتكرارا فى سنوات قليلة مما زادهم حقدا وغلا وجنونا مثلما كان عليه حالهم فى أكتوبر 1956. لقد إندفعوا بأنفسهم محاولين غزو مصر فى أكتوبر 1956 واليوم يحاولون غزو مصر ولكن بواسطة "مسوخ" مطموسة الهوية والعقل والدين. لقد نال هؤلاء "الحقدة" درسا قاسيا على يد مصر فى عام 1956، وقد حان الوقت لأن تحشد مصر جهود شعبها وكافة طاقاتها وطاقات كافة حلفائها لتلقين هؤلاء "الحقدة" من أعداء الخير والسلام درسا جديدا من تلك الدروس التاريخية التى سبق وأن لقنتها مصر للهكسوس وقبائل الرعاة الآسيويين والصليبيين والتتار. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ