ربما الصورة لا تدعو إلي التفاؤل، بل هناك الكثير من الأمور التي تدفع إلي اليأس، إلا أننا يجب أن نجد طريقا من اليأس إلي الأمل، فالمنطقة تعاني إضرابات وحالة فوضي في الكثير من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأكثر من يعاني هم الفقراء والضعفاء! وكشفت نائبة رئيس البنك الدولي انجر أندرسون عن أن 53% من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون دون 4 دولارات يوميا، وتقول أندرسون بثقة: إن الدعم الحكومي لا يفيد الفقراء، بل يزيد الأغنياء غني، وعندما تقترب من مصر فإنها تشير إلي جدية التحول إلي النمو، وتوصي بقوة ب «ضرورة التخلص من البيروقراطية»، وأخيرا قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: «إنه لم يعد هناك ما يمكن سرقته»، إلا أن الفساد والاحتكارات والآثار السلبية لسنوات طويلة من »سياسات اقتصادية ظالمة« أوصلتنا إلي »التبعية«، وهذا التطرف العنيف، وهذه الموجات الإرهابية، إذن لابد من أن نبحث عن «ضوء في نهاية النفق»، وهنا فإن كوريا الجنوبية الفقيرة بشدة في الستينيات، بل أحد أفقر دول العالم 87 دولارا متوسط في الستينيات، تقدم لنا تجربة مميزة، فقد تمكنت من أن تصبح واحدة من الديمقراطيات الصناعية، وأن تصبح عضوا في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، بل هي نموذج للدولة التي استطاعت أن تعزز النمو السريع المرن والمشترك، لقد حدثت التنمية الكورية من خلال اكتشاف الميزة النسبية والارتقاء بها، ومن أجل التنمية بذلت الحكومة والقطاع الخاص جهودا مشتركة لمعالجة الابتكار، وتقليل الفساد، وشاركت الحكومة في مخاطر الاستثمار التي يتعرض لها القطاع الخاص، ومن هنا فإن التجربة الكورية تؤكد دور »الأداء الموجه«، كما تشير إلي التصنيع الموجه للتصدير، وتنمية الموارد البشرية، الذي تجسد في شعارات »تصدير جميع الصناعات وتعليم كل الناس« هو جوهر النهج الكوري، فضلا عن الالتزام بالتماسك الاجتماعي، والتنمية البشرية إلي جانب النمو الاقتصادي. قلة هم أولئك الأشخاص، بل والقادة، الذين يتعلمون من دروس التاريخ، ويكفي أن ننظر حولنا في المنطقة وعلي امتداد العقود الأخيرة لنري من هم الذين تعلموا درس صدام حسين، أو معمر القذافي، أو درس الصومال (سياد بري وبعده الفوضي والجماعات الإسلامية المتطرفة)، وأخيرا تجربة حماس وأفغانستان (طالبان والقاعدة)، إلا أن الرئيس الكوري »بارك« تعلم من التاريخ أن توحيد الشعب الكوري لا يقل أهمية عن أي قضية نضال أخري، وقال الرئيس الراحل: »لابد من تحديث بلادنا لإعادة توحيد الشعب.. إن الدولة الحديثة تتكئ علي أرضية الاستقلال الاقتصادي الوطيد. إن الرحلة الطويلة نحو إعادة التوحيد تبدأ بالاستقلال الاقتصادي«، فالرئيس بارك أخذ علي عاتقه مبادرة تأسيس »بلد مستقل اقتصاديا«، ليكون قادرا علي الدفاع عن نفسه، وهذا هو أساس إعادة التوحيد السلمي. لقد سعي بارك لكي يخلص بلاده من الفقر والجوع، كما أن سياسات الرئيس لتنمية الاقتصاد ارتكزت علي التصنيع الموجه للتصدير: أولا في الصناعات الخفيفة، وأخيرا في الصناعات الثقيلة والكيماوية، ثم سعي إلي تقوية سياسة الأمن القومي الكوري، خاصة ضد التهديدات الكورية الشمالية، ولمواجهة آثار سحب الرئيس كارتر للجنود الأمريكيين من كوريا، وأخيرا قام بتحديث الجيش الكوري، وتطوير الصناعة الدفاعية للبلاد. وأحسب أن مصر في ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، يمكنها أن تدرس التجربة الكورية الجنوبية بالذات، نظرا لأن كوريا بدأت من واقع أشد بؤسا من الواقع المصري، فكوريا كانت واحدة من أفقر دول العالم، والأمر الثاني أن كوريا ظلت ولاتزال تحت تهديد مباشر من كوريا الشمالية، وتقلبات ومغامرات شديدة من جانب بيونج يانج، كما أن الولاياتالمتحدة لم تكن دوما »الشريك المضمون«، بل تعرض الأمن القومي الكوري الجنوبي لخطر شديد جراء عدم اليقين من التزامات واشنطن بحماية كوريا الجنوبية، وكان من الممكن أن تسقط في أي لحظة »سول« مثلما سقطت »سايجون« في فيتنام. إذن نحن أمام تجربة شديدة القسوة، لكنها موحية لنا، وعلينا أن نتعرف علي دقائقها، كما أن كوريا الجنوبية تمكنت من الخروج من أزمة »انهيار العملات الآسيوية في عام 1997«، ثم الأزمة المالية العالمية في 2008، وهنا فإن مذكرات كيم تشونج يام، أحد أهم الشخصيات الكورية، تحت عنوان »من اليأس إلي الأمل.. صنع السياسات الاقتصادية في كوريا«، هي من أهم العناوين التي يجب أن نتأملها بعناية، فهذه تجربة رجل كان قريبا وإلي جوار الرئيس بارك تشونج هي رائد التنمية في كوريا. ويبقي أن مصر الجديدة أظهرت التزاما كبيرا بالعمل من أجل تحسين أوضاعها، ولقد سارعت الدول المحيطة لتطلب منها أن تهتم بمعالجة القضايا المتفجرة: بداية من التطرف والإرهاب، وأزمة الشرق الأوسط، ونهاية بالانخراط في محاربة داعش، إلا أنني أعتقد أن هذه كلها »قضايا مهمة«، إلا أن الأهم هو تحقيق »الاستقلال الاقتصادي«، وذلك من أجل أن ننطلق وننعم بالاستقرار والقوة اللازمة لهذه الأمة كي تواجه عالما من الذئاب. وهنا لابد من إصلاح البيئة الاستثمارية، والتخلص من البيروقراطية، ووضع التشريعات التي تشجع الاستثمارات المشتركة ما بين القطاعين العام والخاص، وهنا فإننا نريد »قواعد لعبة عادلة وشفافة«، ونأمل من القطاع الخاص ورجال الأعمال أن يدركوا أن مصر هي »الوطن الذي لا يعدله وطن آخر«، وأن العدالة الاجتماعية، والتخلص من الفقر هما مسئولية الجميع، وأن »فقدان الأمل« في الوطن ونخبته وقادته ورجال أعماله، أخطر بكثير من المؤامرات الخارجية، ومن التهديدات القادمة عبر الحدود.. أيها السادة ساعدوا الرئيس عبدالفتاح السيسي في حربنا جميعا للانتقال من اليأس إلي الأمل!. لمزيد من مقالات محمد صابرين