فى حضرة الدجال الكل يصمت.. أسيادنا حضروا .. أشتاتا أشتوت .. البخور يعبق المكان وتغطى سحبه السوداء الأنحاء ، يرتعد المريض رعبا بينما يسمع همهمات وكلمات غير مفهومة .. هذا ليس مشهدا فى فيلم أبيض وأسود قديم بل حكاية شعب تنهشه المخاوف والأساطير وتستبد به الخزعبلات فى مطلع الألفية الثالثة مع أن عقيدته تدعو إلى تحرير العقول ومحاربة الخرافات .. قرى وأرياف مصر المحروسة يسيطر عليها ما بين 250 300 ألف دجال وفقا لدراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية وينفق المصريون من جيوبهم المثقلة بالمتاعب والأوجاع على ذلك ما بين 10 15 مليار جنيه فى السنة الواحدة.وتخلص الدراسات الاجتماعية إلى أن 50٪ من النساء المصريات يعتقدن بقدرة الدجالين على حل مشاكلهن وأنهن الأكثر إقبالاً من الرجال وأن 63٪ من المصريين يؤمنون بالخرافات والخزعبلات، ويمثل الفنانون والسياسيون والمثقفون والرياضيون منهم نسبة تصل إلى 11٪، قائمة الأمراض والعلاجات طويلة أشهرها مس الشيطان أو اللبس وربط العرسان والعنوسة والعقم وضياع المقتنيات وأوجاع الجسد والفشل الدراسى وتأمين الوظائف ووقف الحسد، كما أن التعاويذ والأحجبة جاهزة فمنها المدهونة بدم خفاش أو المكتوبة على لية خروف أو على رأس قرموط فى مياه النيل أو ذيل قطة غريبة الشكل أو لوح عظم الكتف لأى ذبيحة، أو الموضوعة تحت جثة ميت فى القبر . فى قرى دمياط ينتشر الدجالون كالنار فى الهشيم والتسعيرة تختلف حسب الحالة، ففى كفر سعد يقوم أحدهم بفك العمل أو وضعه بمبلغ 5 آلاف جنيه وهو يضع العمل السفلى فى مقبرة تحت رأس ميت أو داخل المقابر عن طريق اللحاد مقابل 500 جنيه، كما يطلب 2000 جنيه مقابل فك العمل عن طريق القط الأسود، بينما فى قرى أخرى مثل عزبة البرج تبدأ الإستشارة من 100 جنيه وحتى 500 جنيه فى كل جلسة ، أما العلاج فيحتاج إلى جلسات طويلة يحرص الدجال على أن تكون أسابيع وربما شهورا قد تتجاوز 10آلاف جنيه . وفى دمياط الجديدة تم القبض أخيرا على أشهر دجال أوهم الفتاة سماح بأنه سيعالجها واحتال عليها للذهاب إلى شقته وحاول اغتصابها غير أنها قاومته بشدة حتى قتلت شهيدة بعد أن سرق مصوغاتها، هذا الدجال قيل أنه إحتال على 55 سيدة وفتاة فى دمياط وسلبهن الذهب وحاول اغتصابهن بدعاوى مختلفة من بينها إخراج الجن من أجسادهن أو عمل أحجبة. ويقول عمار فؤاد من مدينة السرو أن المدينة والقرى المحيطة بها مثل الكاشف والزرقا تحفل بعشرات الدجالين أغلب زبائنهم من النساء ويمارسون النصب علنا وتحت بصر كل الأجهزة. لكن الشيخ أسامة محمد برهام أحد المعالجين بالقرآن فى قرية النجارية طريق الروضة بفارسكور فيفجر مفاجأة من العيار الثقيل بقوله أن 99٪ من زبائنه مرضى نفسيين وكثير منهم ضباط وخريجو جامعات وموظفين نتيجة ضغوط الحياة ويقوم بإحالتهم إلى أطباء الأعصاب والأمراض النفسية بالمنصورة والبقية يقوم بعلاجهم بالرقية الشرعية، لكنه يشن إنتقادات واسعة للمدعين والدجالين ويطالب بعلاجهم أولا، مشيرا إلى أن تعاطى الحبوب والمخدرات والمنشطات بأنواعها تساعد فى لجوء الناس إلى الدجل . ويؤكد الدكتور السيد عبد المجيد أستاذ الصحة النفسية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط أن ظاهرة السحر والشعوذة المدمرة استشرت فى المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة ويلجأ إليها أغلب أبناء المجتمع سواء الجاهل أو المثقف، الرجل والمرأة فدمرت اقتصاديات الأسرة وعطلت العقل وشردت العديد من الأسر . ويرجع الدكتور السيد عبد المجيد أسباب تفشى السحر والدجل إلى ضعف العقيدة والإيمان بالله، والجهل بأحكام الشرع، والسذاجة عند بعض العامة وتدنى الثقافة والجهل، وطغيان الحياة المادية فى الوقت الحالى وغياب القيم الروحية، وضعف وتدنى دور العلماء والمثقفين والمفكرين وعلماء التربية، فضلا عن انتشار الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية خاصة الحقد والحسد، وانتشار الفضائيات المروجة لبضاعة السحر والساحر، ورغبة البعض فى إلحاق الأذى بالآخرين. ويقترح أستاذ الصحة النفسية لعلاج الظاهرة تقوية النزعة الإيمانية لدى الناس، وتعظيم دور العلماء والمربين لنشر العلم، وسن القوانين الرادعة فى هذا الشأن، والتوعية الدينية وتبصير الناس بأضرار السحر وحكم الساحر شرعا خاصة أنه من السبع الموبقات، وتحفيز الناس على الطب والعلاج الصحيح .