قلت من قبل ولازلت أكرر أن موقفى من سيد قطب ليس موقفاً سياسياً، بل هو موقف نابع من وقوفى على أخطاء (بل كوارث) منهجية فادحة لهذا الرجل، اهتم بها علماء أهل السنة منذ عقود وردوا عليها، ولمَّا قرأت وسمعت عن سيد قطب أصبت بالصدمة، وعندما عدت لما كتبه كانت الصدمة أكبر. ولا شك أن أى مسلم سيداخله الشعور بالغضب لو سمع طعناً بحق الصحابة الكرام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ" (رواه الشيخان)، لكن الكارثة الكبرى أن تجد رجلاً يسب بعض الصحابة –وهم من نقلوا الدين إلينا- ثم تجد من يأخذون عنه دينهم، وهم –ويا للعار- لا يعرفون عنه إلا اسمه وبعض مواقفه السياسية فحسب. وأنقل تقيؤات سيد قطب ضد بعض الصحابة والتى وصلت لحد السب، والنقل من كتابيه: "كتب وشخصيات– دار الشروق– الطبعة الثالثة 1983" و"العدالة الاجتماعية فى الإسلام– دار الشروق- الطبعة الثالثة عشرة 1993". * اتهامه للصحابيين الجليلين معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص بالكذب والغش والخداع والنفاق: "إن معاوية وزميله عَمْراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك عليٌ أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح". (كتب وشخصيات– صفحة242) * وانظر ماذا يقول بحق خال المؤمنين: "... فلقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روح الإسلام.... لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدى معاوية ومن جاء بعده. ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهُزمت، بل انطفأت". (كتب وشخصيات– صفحة243) * وبمنتهى سوء الأدب مع الصحابيين الجليلين يكتب: "ولن يحتاج الإنسان أن يكون شيعياً لينتصر للخُلُق الفاضل المترفع عن (الوصولية) الهابطة المتدنية، ولينتصر لعلى على معاوية وعمرو، إنما ذلك انتصار للترفع والنظافة والاستقامة". (كتب وشخصيات– صفحة243) وأتساءل: من هذان اللذان يصفهما سيد قطب بكل هذه الصفات القبيحة؟ (ولا أعرف كيف طاوعته يده على ذلك) أليس هما عمرو بن العاص الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" (الترمذي وأحمد)، ومعاوية بن أبى سفيان الذى دعا له النبى صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد عن العرباض بن سارية السلمي؛ قال: سمعت رسول الله وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان: "هلموا إلى الغداء المبارك" ثم سمعته يقول: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب"، وروى أحمد أيضا عن عبد الرحمن ابن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ذكر معاوية، فقال: "اللهم اجعله هادياً مهدياً ، واهد به"... أفيزكيهما رسول الله ويرميهما سيد قطب بكل ما سبق؟ * كذب سيد قطب على الصحابى الجليل "أبى ذر الغفارى" والزعم (فى أكثر من موضع) أنه كان من بين من خرجوا على عثمان، فقال مثلا: "عندها ثار الروح الإسلامى فى نفوس بعض المسلمين، يمثلهم أشدهم حرارة وثورة أبو ذر" (العدالة الاجتماعية – صفحة174). وبعد.. فقد وقفت فى مسألة الطعن فى الصحابة على طوام لسيد قطب يشيب لها الولدان، أبرزها ما ذكره العلامة محمود محمد شاكر -رحمه الله- فى رسالته "الماتعة" التى وجهها إلى قطب بعنوان "لا تسبوا أصحابي" -(مجلة المسلمون -العدد الثالث، سنة 1371ه).. لكنى لم أجد ذلك فى الطبعات الحديثة من كتبه (وربما كان هذا من تقصيرى)، وقد تعهدت ألا أنقل إلا مما وقع بين يدىَّ من كتب سيد قطب.. لهذا فلم أنقل ما ورد فى الرسالة رغم ثقتى فى صحة ما نقل العلامة محمود شاكر.