فى دوامة التعصب والتعصب المضاد يتبادل المتطرفون اتهامات التكفير دون حساب، ورغم أن الكثيرين يدعون أن سيد قطب هو «شيخ المكفراتية» لكن ذلك لم يمنع الأكثر تطرفا من تكفير سيد قطب نفسه، تحت ادعاء أنه سب الصحابة والمبشرين بالجنة، حيث أوردوا أنه فى كتابه «العدالة الاجتماعية» طعن فى هذا الصحابى الجليل عثمان بن عفان رضى الله عنه، «واستخسروا» فيه لقب الشهيد.. الأشد من هذا أنهم حتى لم يطلبوا له الرحمة كعادة من يتحدث عن مسلم متوفى وكلما ذكروا اسمه قالوا «سيد قطب كافأه الله بما يستحق»، ويقول من يدعون أنهم «أهل السنة والجماعة» إن سيد قطب خارج عن الملة ووصل الأمر عند كارهيه إلى تأليف القصائد فى ذمه، فقال أحدهم قصيدة بعنوان «الهائية فى عقيدة سيد قطب البدعية» ما نصه: يا مدخلا سفهاً قطباً وزمرته فى أهل حق وقد تعلم عقيدته صفات خالقنا الرحمن أولها كالاستواء وسمع الله عطله وأنكر الجاهل المغرور فى الفلق قول الرسول ولم تغضب جماعته وإن قرأت كتابا فى معالمه ألفيت عثمان مسبوباً وعترته بالانفعالية العمياء قد وصف موسى الكليم فهل ترضى قبائحه أى أنهم زعموا أن «قطب» سب الصحابة والأنبياء وبنى أمية والمسلمين أجمعين، ووصل الأمر إلى أن طالب بالشيخ محمود لطفى عامر رئيس جمعية أنصار السنة بالمطالبه بمحاكمة دار الشروق بتهمة نشر كتب مسيئة للإسلام، وهما كتابا «العدالة الاجتماعية، والتصوير الفنى للقرآن» وكلاهما لسيد قطب، مدعياً أن فى الكتاب الأول طعنا صريحا وأنه ينقص من قدر الصحابى «عثمان بن عفان» ومعاوية بن أبى سفيان، وأربعة صحابة آخرين، كما طالب بمحاكمة من سمّاهم بمدعى السلفية أمثال «محمد حسان والحوينى وعايض القرنى وعبدالله بن جبريل، وجماعة الإخوان والجهاد»، وزعم أن كلام سيد قطب ما هو إلا «هراء» وأنه حرف المفاهيم الدينية. وأساس هذا أن سيد قطب قال فى كتابه العدالة الاجتماعية تعليقا على حوادث الفتنة الكبرى «إنه لمن الصعب أن نتهم روح الإسلام فى نفس عثمان، ولكن من الصعب كذلك أن نعفيَه من الخطأ الذى هو خطأ المصادفة السيئة فى ولايته الخلافة وهو شيخٌ موهون -أى عجوز- تحيطُ به حاشية سوء من بنى أمية»، وهذا الكلام بالطبع لم يرض مشايخ الوهابية وأتباعهم، فاتهموه بالكفر والخروج عن الدين الإسلامى الصحيح، كما اتهموه بأن النص الذى يورده، والخاص بمحاورة الإمام على مع الصحابى الجليل عثمان بن عفان والذى قاله له فيها «إن معاوية يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية»- فيه علل فى إسناده ومتنه كما اتهموه بأنه افترى على الإمام على وكذب على لسانه لأن ذلك العصر لم يشهد «من وجهة نظرهم» ظلماً من الحكام ولا ضياع سنن ولا إحياء بدع، قائلين إن البدع كلها ظهرت أيام على بن أبى طالب مثل الخوارج، والروافض. موجة هجوم المتشددين على سيد قطب لم تقف عند هذا الحد، فوصل الأمر بالشيخ ابن باز إلى اتهامه بأنه مرتد وكافر، وجاء هذا حينما سأله أحدهم عن حكم الشرع فيما قاله «قطب» فى كتابه «التصوير الفنى فى القرآن» عن موسى عليه السلام، وكان قطب قد ذكر أن نبى الله موسى كان «نموذج للزعيم المندفع العصبى المزاج»، وعلق على حادثة قتله للمصرى وترقبه وخوفه من انتقام المصريين بأن هذا دليل على التعصب القومى والانفعال العصبى وسرعان ما تذهب هذه الدفعة العصبية فيثوب إلى نفسه شأن العصبيين وسمتهم»، فقال ابن باز لما قرأوا عليه هذا الجزء: إن هذا استهزاء بالأنبياء والاستهزاء بالأنبياء ردة مستقلة. وكان الحديث عن الفتنة الكبرى هو المناسبة الثانية التى هاجم فيها الشيخ ابن باز سيد قطب، وكعادة المحيطين بابن باز أتوا له بكتاب «العدالة الاجتماعية» الذى يتحدث فيه عن معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص محللا أسباب هزيمة على بن أبى طالب فقال إن معاوية وصاحبه انتصرا على على بن أبى طالب» لأنهما طليقان فى استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه فى اختيار وسائل الصراع، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك على أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح».. وهذا بالطبع ما لم يرق لابن باز فقال:هذا كلام قبيح!! هذا كلام قبيح سب لمعاوية وسب لعمرو بن العاص؛ كل هذا كلام قبيح، وكلام منكر وهذا خطأ وغلط لا يكون كفراً؛ فإن سبه لبعض الصحابة، أو واحد من الصحابة منكرٌ وفسق يستحق أن يؤدب عليه - نسأل الله العافية - ولكن إذا سب الأكثر يرتد لأنهم حملة الشرع. إذ إن سبهم معناه قدح «أى ذم» فى الشرع. وعن كتبه قال «ينبغى أن تمزق». ولم يكتف كارهو سيد قطب بهذه التهم التى وصلت إلى حد إخراجه من الإسلام، بل ادعى بعضهم أنه انتحر ولم يستشهد، ولم يعدم، ويدللون على هذا برواية تصف مشهد إعدام سيد قطب فيقولون «وجىء بالسجان ليضع الحبال فى يديه وقدميه، فقال «قطب» للسجان : دع عنك الحبال! سأقيد نفسى، أتخشى أن أفر من جنات ربى!، ووقف على طبلية المشنقة، ووضع الحبل فى عنقه بيديه، وهو يقول: «ربى إنى مغلوب فانتصر» وصعدت روحه إلى رافع السماء بلا عمد، ويعلقون على هذا بقولهم »وهكذا بادر سيد بقتل نفسه، ووضع حبل المنشقة فى عنقه بيديه ليموت منتحراً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان برجلٍ جِراحٌ فقتل نفسه، فقال الله: بدرنى عبدى بنفسه، حرمت عليه الجنة»، أى أن «قطب» لم تظلمه الثورة ولا المستنيرون فقط بل ظلمه أيضا المتشددون من المسلمين، إلى حد اتهامه بالكفر والفسق والفجور، وآخرها اتهامه بالانتحار وسوء الخاتمة.