على غرار فضيحة مستشفى الشاطبى بالإسكندرية التى يحقق فيها السيد رئيس الوزراء اذ اكتشف بعد أن افتتحها أن كل شيء فيها كان مزيفا، صار عدم تصديق أى إنجاز يظهر أمام الكاميرات واردا فكيف نصدق بعدد ذلك أن لدينا مشروعا لبناء مليون شقة للشباب، أو حتى خطة لإضافة مليون فدان زراعية، أو خطوات لاستثمار 6مليارات دولار فى محطة للطاقة الشمسية، وأيضا من يصدق أننا جمعنا ستين مليارا فى أسبوع، ومن يضمن أن يكون هناك قناه سويس أصلا و..... لولا أن جاءنى صوت المهندس الشاب حسام صلاح الدين هذه المرة متحمسا متعطشا لمزيد من العمل والإنجاز بعد أن فرغ من تسليم كوبرى نزلة المنصورية، ولولا نبرة الأمل فى صوته ما صدقت أن هناك إنجازات فى الطرق أيضا، فقد اتصلت به مهنئا فجاءنى صوته صارخا وناصحا يوم الخميس الماضى، واعتبرت حالته نموذجا يصلح للتعامل والبناء عليها لتفجير طاقة الشباب، فقد كان هذا المهندس الشاب مسئولا وآخرون عن تشييد «الكوبرى» الذى افتتحه وزير الإسكان يوم الخميس الماضى، لتيسير العبور على أهالى المنصورية وغطاطى وكرداسة والمريوطية والطريق الدائرى، وشعرت بمدى فرحته وهو يضيف إلى رصيده الشاب خبرة جديدة بعد أن شارك فى أعمال تشييد «وصلة أبو غزالة» وسط رجال القوات المسلحة الذين أبهروه بالدقة والالتزام فى عملهم، وقد عرفت حسام متمردا، فشعرت من صوته بمدى طاقة العطاء والتفانى التى تتولد من النفوس الشابة لمجرد شعورها بالتقدير، وأنهم شركاء فى البناء، خاصة إذا وفرت الدولة له عملا شريفا يتوافق مع تخصصه، لكنه ينصح بعدم تجاهل كبار المسئولين للقاعدة «العرقانة» فى أى مشروع، من شباب المهندسين والعمال والسائقين والإداريين، لأن مثل هؤلاء هم صناع فى الإنجاز الحقيقى، وليس فقط الموظفين الكبار الذين يكون همهم الأول التصوير والظهور أمام الكاميرات ، فيجنون ثمار الإنجاز وعند وقوع أى خطأ ينفض المسئول الكبير يده من المسئولية ببراعة، ويدفع الموظف الصغير الثمن، وعتابى على المحافظ أنه زار الموقع منذ أيام وكان مستعجلا متلهفا للتصوير وباحثا عن التليفزيون لكى «يخلص» وكأن سيادته جاء من أجل هذا الغرض فقط، كنا نود أن يسمع مشاكلنا، أو يشد من أزرنا ويعيرنا أي اهتمام، وتحدث وكأنه هو المهندس وهو العامل وهو البناء والسائق، وحامل الزلط والرمل وصباب الخرسانة، ولم يقل أن فريق الكوبرى قد واصل العمل على مدى 24 ساعة، دون إجازات لكى يظهر الكوبرى خلف السيد المحافظ، ويحكى حسام مظاهر التعب التى عاناها الجميع، سواء فى مراحل الحفر والبناء وفى صب الخرسانة ثم التشطيب والتلميع، ثم فى مراحل الاشتباك مع قطعان إفساد الذوق والأخلاق العامة الذىن يتعمدون تشويه أى إنجاز ومبنى أو حائط أو كوبرى جديد بالعدوان عليه بالكتابة والشتائم البزيئة المنافية للنظام و الدين وقيم الجمال، وبعد أن سمعت لكلمات المهندس الشاب لم أستغرب أن يشترى رئيس الوزراء «الترومواى» فى الإسكندرية حين افتتح مستشفى الشاطبى ثم اكتشف بعدها أنه لا يعمل بالصورة التى قدمه بها المستفيدون من افتتاحه، والمهندس إبراهيم محلب رجل البناء «مقاول» خبر العمل الميدانى ويعشق الاختلاط بالقاعدة والبنية «التحتية» لأى إنجاز من العمال والموظفين ويسمع منهم ويأكل معهم، كل ذلك لكى يشعر بنبض العمل الحقيقى ويشعرهم بقيمتهم، ولو فعل ذلك فى الإسكندرية لاكتشف أن ماحدث هو الفهلوة أو النفاق الحكومى التى وصفها الرائع نجيب الريحانى وبديع خيرى فى فيلم «سى عمر» بحسبته الشهيرة «الشيء لزوم الشيء»، فنجيب الريحانى الذى عمل موظفا صغيرا ثم طرد بسبب فساد مالى قاده الحظ للعمل مرة أخرى عند »سى عمر» الإقطاعى الكبير الذى يشبهه حتى فى الشكل، وصار يطمئن و«يعد» كل شيئ بنفسه من الابقار حتي بيض الفراخ، والفيلم يلخص العقلية التى تقوم الثورات من أجل التخلص منها، وهى نفس العقلية المصرية التى تفلسف النفاق وتتفنن فى تقفيل الورق وتسديد الفواتير. وهى عقلية ينبغى أن تتغير وتصل اليها روح الثورة إذا كنا جادين فعلا فى إصلاح حال البلاد بالإعمار والبناء والإنجاز، وتقع مسئولية التغيير على عاتق أولى الأمر وأولهم رئيس الوزراء، وقد بدأ بنفسه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى رفض خطب النفاق وكل مظاهره، وأتمنى ألا يكون لدى رئيس الوزراء مانعا من أن يطلب خلال زيارته لأى مشروع ترشيح مجموعة من الشباب والعمال للجلوس معهم والاستماع إلى خلاصة تجربتهم ومعاناتهم وأيضا توجيه الشكر لهم والشعور بنبض الإنجاز، فمثل هذا التواصل سيكون له فعل السحر فى نفس البسطاء ليشعر المواطنون بأنهم البناؤون الحقيقيون، والبناؤون بطبيعة الحال لا يعرفون التخريب ، ومن يخربون ويحرقون الآن إما يائسون لم يشعروا للحظة أنهم شركاء فى البناء ، وإما أنهم لم يجربوا مرة واحدة حلاوة العطاء للوطن وروح الانتماء التى يشعر بحلاوتها الآن صديقى المهندس حسام ويتمنى وزملاؤه أن «يتقاسم معهم اللقمة » فى أى موقع رئيس الوزراء. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف