حتي الجوع والفقر استغلوه .. استثمروا حاجة الفقراء والبسطاء للطعام وضيق ذات اليد ، واستباحوا أرواحهم وأجسادهم لجني المال الوفير وزيادة ثرواتهم ، تجاهلوا أو تناسوا أنه بتجارتهم المشئومة تلك يتاجرون بحاجتهم وحرمانهم ، وينشرون السم والمرض بأجسادهم ، بعد أن أوقعوههم في شراكهم وشباكهم ، ممنين اياهم بسد جوعهم ، ومحو شغفهم للطعام الفاخر والغالي بتوفيره بأسعار زهيدة تتناسب وامكاناتهم ونقودهم القليلة. وهو في الحقيقة لا يساوي شيئا لتحقيق المزيد من المكاسب ، وجمع المزيد من المال بغض النظر عن منحهم الموت ، أو تدمير صحتهم واعتلال أبدانهم ، وتركهم فريسة لقائمة من المخاطر والأمراض لا يعلم مداها إلا الله ، مطمئنين لأن "معدة المصريين تهضم الزلط " .. انه الفساد الذي بات يضرب كل شيء حتي الضمائر والقلوب والأخلاق . ففي ظل غياب الرقابة وانعدام الضمير واللهث وراء حلم الثراء السريع ، وتحقيق الكسب الوفير مهما كان المقابل ، وفي الوقت نفسه طوفان الأسعار الذي يلتهم الأخضر واليابس ، شهد الشارع المصري في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة تجلت في عدد من وقائع الفساد التي تكشف عن خلل جسيم ، حيث عادت ظاهرة بيع وتداول اللحوم والأغذية الفاسدة في عدد من المحافظات ، واستخدامها في عدد من المطاعم وتم ضبط كميات كبيرة منها بالدلتا ، والصعيد ، وخاصة بمحافظة الشرقية ، ومدينة العاشر من رمضان ، وعدد من المحافظات الأخري . ولنبدأ من النهاية حينما ألقي أحد العمال الجدد بمصنع شهير للعصائر ومنتجات الألبان بحجر في الماء الراكد ، كاشفا عما يجري داخل المصنع بالاستعانة بمجموعة من الصور خلال مراحل اعداد العصير والذي بدا فيه استخدام كل ماهو تالف من الفواكه الفاسدة ، والثمار المعطوبة في عمليات التصنيع ، فضلا عن استخدام مماسح الارضيات في عمليات تحريك وتقليب ودفع الفاكهة !!!! وقال العامل الذي التحق بالعمل لمدة يومين فقط بالشركة قبل نشر شهادته ، وتركه غير آسفا إنه يشعر بالآسي لما رآه بعينيه من استهتار وتهاون بصحة الشعب وغذائه ، وانعدام الضمير لتحقيق مكاسب علي حساب أبناء وطنه . فيما أكد أحد العاملين السابقين بالشركة أن صناعة العصائر ليست وحدها التي تحوي عناصر فاسدة أو يدخل في تركيبها مستلزمات ومواد فاسدة وانما المنتجات الأخري كالألبان ، والجبن ، حيث تستخدم الشركة ماء الأكسجين في صناعة الجبن ، ومادة أخري تشبه المعجون لمنحه التماسك المطلوب ويتم تصنيعها من المخلفات !! وفي القاهرة تم ضبط كميات كبيرة بلغت نحو نصف طن من اللحوم والدواجن والأسماك الفاسدة قبل شهر رمضان وذلك في عدد من المحال الكبري ، وفي البحيرة ، تم ضبط أحد التجار يقوم باضافة الخبز الأسمر المطحون بعد حرقه للفلفل الأسود لزيادة الربح !! كما أسفرت سلسلة من الحملات التموينية ، بالتنسيق مع مباحث التموين والطب البيطري بمحافظة الشرقية عن ضبط أكثر من 23 طنا من الأغذية والزيوت مجهولة المصدر والتي يتم تصنيعها في مصانع " بير السلم "بدون أي رقابة وبالمخالفة لأية قواعد أو معايير . وفي العاشر من رمضان تمكنت شرطة المجتمعات العمرانية من ضبط عشرات الكيلووات من اللحوم داخل المحال والمطاعم ، كما تم ضبط 4 من أشهر المطاعم تقع بسوقها الأشهر بقلب المدينة ، وبها كميات ضخمة من اللحوم والكبدة والدهون الفاسدة التي يتم تقديمها للمواطنين ، والتي مازالت مفتوحة تمارس عملها في تقديم الموت للمواطنين ، كما تم ضبط كميات كبيرة من اللحوم المصنعة داخل عدد من المصانع بالمدينة . وكان الدكتور محيي حافظ رئيس لجنة الصحة بمجلس أمناء مدينة العاشر من رمضان قد كشف منذ أشهر في اجتماع للمجلس عن وجود لحوم مفرومة ومصنعة من الدواجن النافقة القادمة من منطقة المرج والمطرية تباع بمحال وأسواق المدينة بسعر 8 جنيهات للكيلو، فضلا عن انتشار بيع الدواجن النافقة واللحوم الحيوانية المذبوحة خارج السلخانة وبعضها لحوم من رؤوس وأجساد ماشية بسوق الجمعة وعددا من الأسواق الشعبية بأسعار اقل من مثيلاتها بالأسواق ما يسبب خطرا داهما علي الصحة العامة، ويهدد بانتشار المزيد من الأمراض والأوبئة ، لافتا الي احباط العديد من المحاولات بمعرفة رجال التموين والشرطة لادخال كميات ضخمة من هذه اللحوم للمدينة ، وهو ما أيده عدد كبير من المسئولين . ومن الدلتا الي صعيد مصر - وتحديدا الأقصر - كشف تقرير وصف بالكارثي أعد بمعرفة الجهات التموينية ونشرته الأهرام قبل أيام عن ضبط كميات ضخمة من الكبدة واللحوم المفرومة والشاورما والسجق والزبادي والجبن والزبد منتهية الصلاحية داخل 10 من المطاعم الشهيرة بلغت نحو مائتي كيلو فيما لاتزال هذه المطاعم تفتح أبوابها لاستقبال المزيد من الضحايا !! وفي اسيوط تم ضبط نحو 5أطنان من الكبدة الفاسدة ولحوم الرأس لعدد كبير من الذبائح الفاسدة غير صالحة للاستهلاك تم ذبحها خارج السلخانة وعليها علامات التحلل لدي عدد من الجزارين ، ولم تكن اللحوم ومشتقاتها من تلك المصنعة أو المجمدة ليست الأغذية الوحيدة الفاسدة ، فهناك المعلبات والمرطبات والأغذية المستوردة بكل أشكالها والتي أصبحت تفترش الأرصفة يتم عرضها وبيعها في تجاهل لصلاحيتها أو تأثيراتها المميتة فأسواق الغلابة باتت تعج بالرخيص والمهلك من شتي ألوان "الطعام المنتهي الصلاحية "الذي جلبه موردون تخلوا عن آدميتهم وانسانيتهم ليتربحوا الملايين . كما انتشرت ظاهرة بيع الأسماك الملوثة التي تتغذي علي مياه برك الصرف الصناعي والصحي ، وترتفع بها نسب المركزات والكيماويات وتؤدي لهلاك وتلف المخ فضلا عن الإصابة بالأورام والأمراض والفيروسات القاتلة والفتاكة ، بالإضافة للمحاصيل الملوثة بالمبيدات من الخضراوات والفاكهة الفاسدة أو البضائع المستوردة والمحلية المنتهية الصلاحية ، التي تباع تقريبا بنصف الثمن كعلب التونة وبرطمانات القهوة ومختلف المعلبات مستغلين حاجة الفقراء وتعطشهم لمثل هذه النوعيات وضجرهم من الأطعمة ذات النوع الواحد التي أجبرتهم ظروفهم القاسية علي المداومة عليها ، وشوقهم لتذوق أنواع أخري تمتلئ بها الاعلانات التي تلح عليهم ليل نهار . الحال نفسه مع بعض المستلزمات الأخري مثل حفاضات الأطفال و مناديل الورق ومنتجات التجميل وحتي المنتجات الطبية وغيرها من الأشياء التي يتم تصنيعها تحت بئر السلم ، من مخلفات القمامة !! ولها سوق رائجة لما تمثله من إشباع لكسر حاجز الحرمان والتشبه بالطبقات الأعلي . الحرمان ويفسر الدكتور مدحت الهادي استاذ الاجتماع بكلية آداب الزقازيق اقبال المواطنين علي شراء مثل هذه الأطعمة نتيجة الحرمان من هذه الأنواع لارتفاع اسعارها كثيرا مقارنة بدخولهم في الوقت الذي تنتشر فيه اعلاناتها علي شاشات التليفزيون ومشاهدها في يوميات حياة الثراء الفاحش التي تجسدها معظم المسلسلات والتي تعرض غالبا لمستويات عالية ، وكأن مصر اصبحت جميعها تنتمي لهذه الطبقات ، لذا حينما يوجد من يستثمر هذا الحرمان ، ويوفر لهم ما يشتهونه بأثمان زهيدة رخيصة فلا تتوقع من الغلابة الامتناع أو التوقف عن شرائه ، كما يصعب السيطرة عليهم أو اقناعهم بخطورة مايتناولونه في ظل جوعهم ، و رغبتهم في توفير الطعام بأقل الأسعار والحصول علي الشيء الذي طالما حرموا منه بسبب الظروف المادية الصعبة فسعر كيلو اللحم مثلا قفز ليتراوح ما بين 70 و 100جنيه لذا فهم يلجأون للبدائل الرخيصة والتي ربما يعرفون بعض الشيء عن عدم سلامتها تماما لكونهم جوعي ومحتاجين للطعام وهو رخيص فهم لا يملكون رفاهية الاختيار بين طعام مضمون صحي وغالٍ وآخر رديء أو فاسد رخيص . قضية من جانبها ، تؤكد الدكتورة فاطمة الشربيني أستاذ الاقتصاد بآداب الزقازيق أن انتشار مثل هذه السلع "المضروبة" وغير مطابقة للمواصفات بالأسواق بهذه الصورة الفجة يعود بالدرجة الاولي لغياب الرقابة والمتابعة ، وخاصة بالمحليات ، نتيجة غياب الدولة في فترات سابقة ، وعدم التوعية بخطورة هذه المنتجات ، لافتة الي أن الحكومة بصدد اتخاذ خطوات جادة لمكافحة هذه المخالفات ، عبر حزمة من الاجراءات التنفيذية، فيما يطالب الدكتور محيي حافظ رئيس لجنة الصحة بمجلس أمناء بالعاشر من رمضان بتبني طرح القضية علي المسئولين والإسراع بمداهمة أوكار بيع اللحوم النافقة والرقابة الدورية علي التجار والموزعين والرسائل الموردة ، خاصة بعد ضبط شحنة ضخمة داخل ثلاجة نقل ورصد كميات كبيرة منها بالمطاعم والمحال ، وتشديد وتكثيف الرقابة علي الأسواق الشعبية مثل سوق الجمعة بمدينة العاشر وغيرها من أسواق الغلابة في جميع المحافظات ، وشن حملات دورية لمحاصرة هؤلاء الفاسدين من التجار ومعاقبتهم بشكل معلن . عقوبات أما العقيد سيد عز الرجال رئيس شرطة المجتمعات العمرانية فيري ضرورة تفعيل القانون واتخاذ العقوبات المشددة مع من يثبت تورطه بالاتجار في الأطعمة الفاسدة ، وبالتالي أرواح المواطنين وصحتهم وتعريضها للخطر ، وتدمير صحتهم ، والعمل علي تقليص أجل التقاضي للاسراع باصدار الأحكام التي قد تستغرق بضع سنوات ، يكون الاتهام نفسه قد طواه النسيان حتي لو استدعي الأمر تخصيص دوائر خاصة مستعجلة للبت في مثل هذه القضايا المرتبطة دائما بفساد الأخلاق والذمم ، و عقاب أصحابها وغلق محالهم مؤقتا وتشميعها لحين التحقق من ادانتهم ليتم بعدها الغلق نهائيا ، وإعلان ذلك للرأي العام مع نشر أسماء المتهمين و السعي جديا لتغليظ العقوبة ، سواء بزيادة مدة الحبس أو مصادرة الثروة تحقيقا للردع حيث العقوبات الموجودة غير رادعة ، وحتي يفكر أي مفسد ألف مرة قبل أن يحاول إعادة الكرة فالعقوبات الهزيلة وغير المرهقة والتي غالبا لا تتجاوز الغرامات بحد أقصي 10 آلاف ، أو الحبس لمدد بسيطة من ستة أشهر لسنة عادة ما تكون الحافز للعودة للمخالفة مرة أخري خاصة في ظل المكاسب المادية الطائلة التي يجنيها هؤلاء المفسدون دون اهتمام أو مبالاة بحجم ما يرتكبونه من آثام وجرائم بحق الآخرين الذين استغلوا حاجتهم وجوعهم .