في صحبة فريق متميز من أعضاء نقابة الصحفيين أتيحت لي زيارة الواحات البحرية التي تبعد عن القاهرة366 كيلومترا والتي شهدت في الماضي البعيد وبالتحديد خلال الحقبة الرومانية ازدهارا حضاريا كان امتدادا للحقبة الفرعونية. إذ كان يسكنها مليون فرد عمروا الأرض وزرعوها بأشجار الزيتون وبنوا المعابد والمقابر وسجلوا علي جدرانها مظاهر الحياة اليومية ثم تغيرت الأحوال في العصور التالية وهجرها الناس ولم يعد يسكنها سوي35 ألف مواطن يعيشون علي فتات ما تركته لهم الظروف من بقايا الحضارة القديمة التي تباهي بها أسلافهم وتتمثل في زراعة فقيرة وحرف شبه مندثرة وأنشطة خدمية لأفواج السائحين القادمين من أوروبا وألمانيا وإيطاليا ومن اليابان الذين يأتون مدفوعين بحب الطبيعة والحياة الفطرية للتعرف علي بقايا الحضارة القديمة والاستمتاع بالرحلات الصحراوية التي تتميز بها هذه الواحة الرائعة التي تنفرد بمساحة ساشعة من الصحراء البيضاء الزاخرة بأجمل ما وهبته الطبيعة من جبال بللورية وتماثيل طبيعية للشجر والبشر. تجولنا في الواحة والتقينا بالوجوه الطيبة من الرجال ولم نشاهد وجه امرأة واحدة من اهالي الواحة فهي تعيش خلف اسوار كثيفة من التقاليد الصارمة التي تحرمها من المشاركة والتفاعل مع حركة الحياة والعطاء خارج البيوت ورغم انتشار التعليم بين الأجيال الجديدة في الواحة إلا أن التقاليد لاتزال لها سطوتها الذكورية التي تخيم علي العقول والنفوس وتحول دون التفكير في مواكبة العصر الذي يشهد حراكا مجتمعيا تتصدره الطلائع المستنيرة من الرجال والنساء معا. وبرغم ما يتميز به أهالي الواحة من روح الانتماء الاصيل للوطن وتراثه وتاريخه العريق إلا أنهم يشعرون بكثير من الأسي والمرارة بسبب عدم تحديد انتمائهم الاداري, فهم تارة يلحقون بمحافظة مرسي مطروح ثم يغير الحكم المحلي تبعيتهم ويصبحون تابعين لمحافظة الجيزة وأخيرا أصبحوا ملحقين بالمحافظة الجديدة المسماة6 أكتوبر وقد تسبب هذا الوضع في تهميشهم وحرمانهم من رعاية الدولة سواء في قطاع المشاركة السياسية فلا يوجد بها إلا الحزب الوطني الحاكم ولا يوجد تمثيل للأحزاب الأخري ولا توجد بالواحة جامعات أو معاهد ويقتصر التعليم فيها علي بضع مدارس ابتدائية واعدادية وثانوية واحدة وثلاثة معاهد أزهرية. ورغم حصول قرية منديشا علي الجائزة الأولي في النظافة في محافظة الجيزة التي تشكو من تراكم القمامة في مختلف ميادينها وشوارعها وايضا حصول عاصمتها مدينة الباويطي علي المركز الأول في النظافة في محافظة6 أكتوبر إلا أن باقي قري الواحة تعاني معاناة شديدة من نقص الخدمات خصوصا في مجالات الصحة فلا يوجد بها سوي مستشفي مركزي يفتقر إلي الامكانيات الطبية والبشرية فلا توجد غرفة إنعاش ولا بنك دم ولا غسيل كلي ولا معامل تحليل ويديرها طبيب ممارس عام بدون كوادر تمريض. وقد تعرض العديد من الأهالي للوفاة والاصابات البالغة بسبب عدم وجود سيارات اسعاف واطباء متخصصين علاوة علي الطرق الترابية غير المرصوفة وغياب الانارة وعدم وجود شبكة مواصلات داخلية. لقد حملني أهالي الواحات البحرية مطالبهم المشروعة والضرورية واناشد المسئولين في وزارة الصحة والثقافة والكهرباء والحكم المحلي ان يضعوا هذه الواحة علي اجندتهم وأن يحاولوا تعويضها عما لاقته من نسيان وتقلب وعدم استقرار بين المحافظات فهي تضم أغلي ما أنجبه الوطن من بشر وماتركته الحضارة المصرية من آثار. د.عواطف عبدالرحمن