يصل تعداد المسلمين إلى نحو مليار و700 مليون نسمة، أى ربع سكان العالم، ويعيش 20% منهم فى الدول العربية، لكن هذا العدد المذهل غير قادر على حماية أحد أهم مقدساته الدينية التى يعبث بها الصهاينة كل يوم، ولا يجد المسجد الأقصى ثالث الحرمين ومسرى النبى صلى الله عليه وسلم من يدافع عنه فى مواجهتهم سوى عشرات من شباب المقدسيين الذين يرابطون بداخله الآن للتصدى لمحاولات اقتحامه. وخلال الأشهر والأيام الأخيرة وحتى الأمس تصاعدت هجمات الصهاينة على الأقصى بشكل مفزع، وحشد قادة الجماعات اليهودية المتطرفة أنصارهم لاقتحام المسجد بشكل متكرر طوال فترة العيد العبرى, الذى يستمر حتى بعد غد الخميس، واستخدمت قوات الاحتلال قنابل الصوت والغاز عدة مرات فى الاعتداء على «المرابطين» داخل الأقصى لتسهيل اقتحام المتطرفين اليهود له، مما أدى إلى أضرار جسيمة بأبواب المصلى القبلى، التي لم يعد يفتح منها سوى ثلاثة أبواب رئيسية ، وذلك خوفا من وقوعها على المصلين. ويوم الخميس الماضى اقتحم عشرات المستوطنين اليهود حوش الشهابى الملاصق للمسجد الأقصى لممارسة طقوسٍ خاصة فيما يسمى مناسبة «نزول التوراة» عند حائط رباط الكرد، الذى نطلق عليه الجماعات اليهودية والاحتلال الصهيونى تسمية «المبكى الصغير». وتجدر الإشارة الى أن رباط الكرد الذي تحاول سلطات الاحتلال تهويده يقع شمال بوابة الحديد، إحدى بوابات المسجد الأقصى ملاصقا لجداره الغربي تماما، ويعدّ مكملا لبعض أجزاء المسجد، وقد أوقفه القائد المملوكي المقر السيفى كرد صاحب الديار المصرية في سنة 693ه/1293-1294م في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فنسب له الرباط وصار يعرف برباط الكرد، وكان بمثابة مقر ومركز اجتماعى يستخدم لإيواء الفقراء والزوار الذين جاوروا بيت المقدس. وتسعى سلطات الاحتلال الصهيونى لتحويل المسجد إلى ساحة عامة، يسمح للمستوطنين والسياح الأجانب بدخوله من جميع الأبواب، أو تقسيمه مكانيا بعدما نجحت بتقسيمه زمانيا، وتخصيص ساعات محددة من يوم الأحد حتى الخميس من كل أسبوع لليهود. ويستغل السلطات الصهونية الأوضاع المضطربة فى المنطقة العربية لمواصلة وتكثيف انتهاكاتها واعتداءاتها تجاه مدينة القدس بشكل عام والمسجد الأقصى بشكل خاص، استجابة للجماعات والأحزاب التى تؤمن ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. والغريب أن ذلك يحدث فى الوقت الذى انتشرت فيه المجموعات الإسلامية التى ترفع راية الجهاد فى معظم أرجاء الوطن العربى، ولكن كل منها يجاهد على طريقته الخاصة، فتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مشغول بذبح المسلمين فى العراق وسوريا، و«الحوثيون» مشغولون بتطهير صنعاء من باقى الفرق الإسلامية، و«الإخوان» بجناحهم العسكرى «انصار بيت المقدس» مهمومون بتفجير مصر بحثا عن كرسى الحكم الضائع، وفى ليبيا ينهمك «انصار الشريعة» فى قتال جيش بلادهم، ولم يفكر أي من هؤلاء وغيرهم فى أن يضبط بوصلته تجاه الأقصى. إن هذه الاعتداءات المتواصلة على الأقصى هى جزء من عمليات تهويد القدس المستمرة منذ سنوات طويلة، بهدف تغيير هوية المدينة المقدسة والأوضاع الديموجرافية بها. وتأخذ عمليات التهويد أشكالا متنوعة، مثل الاستيلاء على منازل الفلسطينيين وتسليمها للمستوطنين، وقد نشرت جمعية «إلعاد» الاستيطانية أخيرا إعلانًا على شبكات التواصل الاجتماعي بحثً عن مستوطنين يهود للسكن في المنازل الفلسطينية التي استولت عليها في بلدة سلوان شرق مدينة القدسالمحتلة، مقابل مكافآت مالية تقدّر بخمسمائة شيكل (نحو 140 دولار أمريكيا) لليوم الواحد. أو من خلال زرع مساحات واسعة من الاراضى التي تعود ملكيتها لعائلات مقدسية بالقبور الوهمية والادعاء زورا أنها قبور تعود ليهود دفنوا فيها قبل عشرات السنين، وبعد أن سيطر الاحتلال على 86% من أراضى القدس يسعى الآن للسيطرة على الإنسان، من خلال مخطط سحب هويات المقدسيين بأى حجة وطردهم إلى خارج القدس، واعتبارهم غير مقيمين فيها، وبالتالى استبدالهم بمستوطنيين. .. وما العمل ؟ لا يحتاج الأمر للانتظار سنوات طويلة حتى نعد الجيوش الجرارة، وتتوافر الظروف الإقليمية والدولية المناسبة لتحرير القدس، فهناك الكثير الذى يمكن أن يقوم به مليار و700 مليون مسلم ليصبحوا من «المرابطين» للدفاع عن الأقصى والقدس، فهذا العدد الضخم يستطيع أن يقاطع منتجات أى دولة تساند الاحتلال الصهيونى فيجبرها على تغيير مواقفها، وهذه المئات من الملايين يمكنها التبرع بدولار واحد فقط من كل مسلم لتمويل المشروعات المتوقفة فى القدس والتى يحتاجها المقدسيون لمساعدتهم على الصمود فى وجه الاحتلال. وهؤلاء المسلمون الذين يشكلون الأغلبية فى 57 دولة، ونسبة لا بأس بها فى عشرات البلدان الأخرى، يمتلكون أدوات كثيرة للضغط على حكوماتهم لتكون لقضية القدس الأولوية فى أجندة سياساتهم الخارجية، حتى تقام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف. والأهم من كل ذلك، أن يؤمن كل فرد من هؤلاء بأن كل تقدم يحققه على الصعيد الشخصى والقومى يمثل قيمة مضافة للوطن، تحقق فى مجموعها توازن القوى أمام الصهاينة ومن يدعمهم، وأن التمسك بالتفوق فى كل المجالات والتقدم العلمى هو أقصر السبل لبناء وطن قوى. أما المجموعات التى لا تفهم الجهاد إلا على أنه تفجير للأوطان وقتل للمسلمين، فهؤلاء هم الصهاينة الجدد. لمزيد من مقالات فتحي محمود