الإجابة المنشودة هى استرداد أموالنا المنهوبة المهرّبة إلى الخارج. أما الأسئلة فتدور حول أسباب الإخفاق أو البطء فى تحقيق اختراق فى هذا الملف. ثمة بروتوكول مصرى بريطانى أعلن عنه أخيراً لاسترداد جزء من هذه الأموال. لكن هذا لا يمنع من توسيع مدى التساؤل. ثلاثة أسئلة مهمة على ضوئها يمكن استخلاص الأسباب والعوامل التى تحول أو تعرقل عملية استرداد أموالنا المنهوبة. السؤال الأول: هل لدينا الإرادة السياسية لاسترداد أموالنا المهرّبة إلى الخارج ؟ طرح السؤال ضرورى لتبديد ظنون مفادها أن الدولة غير متحمسة لإثارة ملفات فساد قديم قد يطول البعض. ثم إنها قضية كبيرة ومعقدة و ذات أبعاد دولية يصعب خوضها ما لم تستند إلى رافعة قوية من الإرادة السياسية. شواهد الحال توحى بأن لدينا الإرادة السياسية لا سيّما فى الشهور الاخيرة. لكن ثمة شروطا لممارسة و نجاح هذه الإرادة فى مسعاها. لقد اختبرنا هذه الإرادة السياسية عبر مراحل زمنية ثلاث. المرحلة الأولى التالية مباشرة لنجاح ثورة 25 يناير (حكومة أحمد شفيق) و خلالها لم يتخذ إجراء واحد فى هذا الملف. هنا نتذكر أنه فى 25 مارس 2011 صدر تصريح بريطانى مفاده أن السلطات المصرية لم تتقدم بعد بأى طلب لتجميد أو مصادرة أو استرداد الأموال المهربة إلى بريطانيا. المرحلة الثانية ( حكومة عصام شرف ثم حازم الببلاوي) و خلالها لم نشهد أيضاً انجازاً فعلياً فى استرداد الأموال المنهوبة. نرصد هنا أيضاً تصريحاً مهماً (صحيفة الشروق 23/12/2013) أعلن فيه ريتشارد مارتينيز من وحدة مكافحة الفساد فى وزارة العدل الفرنسية «نحن فى انتظار الحكومة المصرية و لن نتوانى عن تلبية طلبها و مساعدتها فى محاربة الفساد حين تطلب ذلك و تكون مستعدة له». ثم نصل للمرحلة الثالثة التى نعيشها الآن التى تميل إلى عقد بروتوكولات ثنائية مع الدول المعنية بأموالنا المهرّبة. هذا مسعى إيجابى لكن ما زلنا ننتظر إحداث اختراق حقيقى فى هذا الملف، و هو ما يقودنا إلى السؤال التالي. السؤال الثانى: هل نحن نتعامل مع مسألة استرداد أموالنا المهربة باعتبارها شأناً محلياً أم بوصفها أيضاً مسألة دولية؟ فهذه الأموال أو الأصول توجد على أرض دول أخرى أو فى بنوك أجنبية. وبالتالى فإننا لن نحدث اختراقاً فى هذه القضية مادمنا نتعامل معها كشأن محلي. ما نحتاجه هو نقل هذه القضية العادلة على المستوى الدولى بطرحها أمام المحافل الدولية والمنظمات ذات الصِّلة بموضوع مكافحة الفساد. نعتقد أن وزارة الخارجية المصرية يمكنها فعل الكثير على هذا الصعيد ليس فقط من خلال تشكيل لجان لمتابعة القضية بل أيضاً و على وجه الخصوص من خلال التعامل مع هذه القضية كبند ثابت على جدول انشغالاتها فى الاجتماعات والملتقيات الدولية لاسيّما ما يتعلق منها بقضايا التعاون الدولى و التنمية، وهى كثيرة . نأمل أيضاً أن يرتفع سقف الإهتمام بقضية استرداد الأموال فى لقاءات رئيس الجمهورية مع رؤساء الدول الأخرى وكذلك فى لقاءات واجتماعات رئيس الحكومة مع أقرانه. منظمات المجتمع الأهلى المصرى مطالبة بدورها بإثارة القضية أمام المنتديات والمؤتمرات الأهلية العالمية. بهذا يمكننا خلق رأى عام دولى مؤيد لقضيتنا العادلة وضاغط على حكوماته و بنوكه. نتذكر هنا جملة شاردة سقطت من لسان السفير السويسرى فى القاهرة فى لقاء له مع وزير العدل السابق نير عثمان بأن «هناك ضغط شعبى فى بلاده بعدم الاحتفاظ بهذه الأموال» إذا هم يعملون حسابا للضغط الشعبى فى بلادهم. هذا يوجب علينا التواصل مع هذا الرأى العام بمنطق وذكاء ومثابرة. لكن كل هذا لا يمنع من توجيه النقد الذاتى لأنفسنا حول إهمالنا الداخلى فى معالجة هذا الملف، وهو ما يقودنا للسؤال الأخير. السؤال الثالث هل يمثل نظامنا التشريعى والقضائى عاملا إيجابياً ام سلبياً فى ملف استرداد الأموال المهرّبة إلى الخارج؟ لست أود الزج بآراء خلافية لكنى أفضل ذكر حقيقتين فى هذا الخصوص. الحقيقة الأولى، أن تصديق مصر على اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد ليس وحده المفتاح القانونى لاسترداد الأموال المهربة، لأن الاتفاقية نفسها تدعو الدول المنضمة إليها إلى تطوير تشريعاتها بما يتواءم مع ما استحدثته من أحكام غير مسبوقة فى مجال استرداد الأموال . ونحن فى مصر ليس لدينا حتى اللحظة تشريع محلى للتعاون القضائى الدولى واسترداد الأموال المكتسبة بطريق غير مشروع أو تسليم المجرمين . بُح صوتنا مراراً مطالبين بسرعة إصدار هذه القوانين أو الإفراج عن مشروعات القوانين الحبيسة فى الأدراج. أما عن موقفنا القضائى فهو لا يخلو من تعقيد، لأن استرداد الأموال المهربة فى الخارج يتطلب حكما قضائياً بالإدانة عقب محاكمة عادلة توافر فيها ما أصبح يسمى «المعايير الدولية للعدالة» هنا ألف حذر وحذر يوجب علينا التحوط. وبعض الأحكام التى صدرت بالإعدام فى الآونة الأخيرة عقب محاكمة لم تستغرق أكثر من يومين قد لاتخلو من تأثير سلبى على قضايانا الدولية العادلة الأخرى. الحقيقة الثانية، أن صدور حكم قضائى بالإدانة ليس هو السبيل الوحيد المتاح لنا. ما زال بوسعنا طلب مصادرة الأموال أو الأصول المهرّبة بدون الاستناد إلى حكم إدانة، وهو الإجراء الذى تسمح به المادة 55 فقرة 1-ج من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لاسيما فى حالات الوفاة أو الهروب أو تمتع المتهم بحصانة ما. مصر تملك أن تطرق هذا الباب. وقد سبق للبنك الدولى و منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا إطلاق دليل لمصادرة الأموال المنهوبة دون الاستناد إلى حكم إدانة. لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم