دخلت الأزمة الاقتصادية العالمية سنتها الرابعة ويتوقع الجميع سنة أخري من الأزمة دون وجود حلول لمواجهتها وقد سيطرت اقتصاديات السوق الحرة طوال العقود الثلاثة الماضية. مما أفاد قلة من الأغنياء فائدة ضخمة ولم يكن نصيب الكثير من الآلاف إلا الفتات فطردوا من وظائفهم وطردت عائلاتهم من بيوتها واتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء في كل مكان, بينما الواحد من المديرين التنفيذيين للشركة يكسب في السنة523 مرة ضعف أجر العامل فيها. وبدا الحل ماثلا عند كثيرين في تدخل حكومي أكبر لإصلاح الاقتصاد, يبدأ بإصلاح ضريبي يرفع معدل الضريبة علي الأكثر ثراء وبإرساء قواعد جديدة لصالح مزيد من رقابة العاملين علي الإدارة ورفض دكتاتورية السوق العالمية. وقد صرح أنصار السوق الحرة أن دولة الرفاهية في الغرب لم تكن سوي تنازل اقتضته ظروف الحرب الباردة بين الرأسمالية والاشتراكية وهي ظروف لم تعد قائمة, وأدت حرية السوق في العالم إلي أن853 شخصا من المليارديرات يمتلكون ثروة تعادل ما يملكه52 مليار من سكان كوكب الأرض أي ما يقرب من نصف سكان العالم. لقد دفعت نواحي القصور وانعدام العدالة والخلل في رأسمالية السوق الحرة إلي صعود بديل قوي هو رأسمالية الدولة. إن الشركات الثلاث عشرة الكبري في العالم التي تتحكم معا فيما يزيد علي ثلاثة أرباع احتياطات نفط العالم كلها تدعمها الدولة, وكذلك الحال مع أكبر شركة غاز طبيعي في العالم شركة جازبروم الروسية. إن رأسمالية الدولة تتقدم صاعدة غنية بالمال وتشجعها الأزمة في الغرب, فهي تشكل08% من قيمة البورصة في الصين, و26% في روسيا و83% في البرازيل, وهي مسئولة عن ثلث الاستثمار المباشر الأجنبي فيما بين3002-0102 ويبدو أن الرأسمالية الليبرالية في تراجع كلي, فكريسلر في نيويورك أو09% منها أصبحت في حوزة أبو ظبي ونادي كرة قدم مانشيستر يونايتد صار في قبضة قطر, وتمتلك الدولة الفرنسية مثلا58% من شركة تطوير إليكترونيات الطيران, ودولة اليابان05% من شركة الطباق ودولة ألمانيا23% من شريكة تيليكوم. أي أن رأسمالية الدولة صاعدة في الصين وروسيا وتايلاند والسعودية وسنغافورة. ويعد صعودها من أكبر التغيرات العالمية في السنوات الأخيرة وتشمل ملكية الدولة الأن بعض أكبر شركات العالم. فهل هذه الرأسمالية هي موجة المستقبل, أو هل هي ببساطة واحدة في طابور طويل من إخفاقات سبق أن دعمتها الدولة؟. وكان العالم قد شهد النصر الحاسم لمبادئ السوق الحرة علي الاقتصادات المخططة, أما الأن فثمة بنوك تنتمي إلي رأسمالية الدولة ومليارديرات ينتسبون إليها, ولكن أسئلة تطرح من قبيل هل تعاني تلك الرأسمالية من نواحي خلل عميقة مثل ميل المديرين إلي إدارات الشركات لكي تتناسب مع مصالحهم الضيقة بدلا من مصالح ملاك أسهمها أو عملائها؟ ولكن رأسمالية الدولة عموما تعمل علي تفادي نقص الاستثمار أو التقليل من أضرار الأزمة العامة دون أن تستطيع تفادي الأزمة العامة للرأسمالية, فهي تعاني منها أيضا. إن انتقال مشروعات الإنتاج وفروع الخدمات من الملكية الخاصة لرأسماليين أفراد إلي ملكية الدولة الرأسمالية ممثلة لمجموع الرأسماليين يجعلها خاضعة لقوانين ومشاكل النظام الرأسمالي. وحينما تسمح بمشاركة نقابيين عماليين في مجالس إدارة مشروعاتها تكون تقدمية الطابع جزئيا, ويمكن أن تعني تحسنا في بعض شروط العاملين, لذلك تطالب أحزاب يسارية بتأميم بعض المرافق في بلاد الغرب المتقدمة. وكانت العلاقات الاقتصادية التي تتضمن ملكية الدولة الرأسمالية الكلية أو الجزئية للمشروعات وتمويلها من الميزانية في بلاد مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والنمسا نتيجة للتأميم. أما في بلاد أخري مثل الولاياتالمتحدة واليابان وألمانيا والبلاد الواطنة فقد بنتها الدولة ونمت بشراء أسهم السيطرة من الشركات الخاصة التي وجدت نفسها في ضائقة. ويختلف مقدار ملكية الدولة من بلد إلي آخر, ففي فرنسا تمتلك الدولة ما يزيد علي ثلث أسهم الشركات الصناعية وشركات النقل, وفي بريطانيا الربع فقط. وينحصر بعض ملكية الدولة في البنية التحتية: السكة الحديدية وطرق السيارات وخدمة البريد والتلغراف, وكذلك في صناعات المواد الخام والطاقة التي تتطلب استثمارات ضخمة وتتصف ببطء دورة رأس المال. كما أن رأسمالية الدولة تربة صالحة لنشأة واستفحال المجمعات العسكرية الصناعية خصوصا في الولاياتالمتحدة وبعض البلاد المتقدمة حيث تتحالف المشروعات العسكرية والصناعية ممثلة في الدوائر العسكرية ومسئولي القمة الحكومية بهدف زيادة القوة العسكرية لصالح دعم وتوسيع السيطرة الطبقية الرأسمالية علي العالم, ومن أجل الإثراء الشخصي من خلال عقود التسليح التي هي منجم ذهبي, فأرباحها أعلي بكثير من أرباح القطاع المدني. وتعاني البلاد النامية من رأسمالية الدولة التابعة التي تتكامل مع السوق العالمية, ويصبح هدفها تلبية احتياجات تلك السوق, ومن ثم يخضع اقتصادها لتقلبات هذه السوق ولأزمتها مما يقضي علي فرص تطورها المستقل ويطيل خضوعها لسيطرة رأس المال الأجنبي. المزيد من مقالات ابراهيم فتحى