ما أصعب الكتابة عن الأحباء ورفقاء البدايات والصعوبات والبحث عن فرصة ،لم أكن يوما أتخيل أن يأتي يوما وأكتب كلمة « الراحل » قبل اسم الصديق القديم والنجم خالد صالح الذي عاش خلوقا ضاحكا راضيا وصبورا علي مرضه وتأخر نجوميته. عندما يأتي الموت لا نملك الا دموع الوداع ومعها نتذكر كل الاشياء الجميلة وذكريات الماضي والشقاء وحلم النجومية، بدأت معرفتي به في منتصف التسعينات عندما كان يقدم أعماله المسرحية علي مسرح الهناجر مثل «انطوانيو وكليو بطة» و«خالتى صفية والدير» ثم علي المسرح القومي «طقوس الاشارات والتحولات» وخلال البدايات كنت أشعر بأنه كان يحضر نفسه لاحتلال مكانته التي كان يريدها، وبالفعل بعد نحو8 سنوات من الشقاء قفزت الي العلانية نجوميتة بشكل مبهر في مشهد لا ينسي في فيلم «محامي خلع » في شخصية القاضي، وبعدها بدأ يتلألأ شعاع نجوميته وأصبح البعض عندما يذكر اسمه يصفه بصاحب الاداء المبهر والمدهش ولم يختلف على موهبته أحد سواء في المسرح أو السينما أو التليفزيون. حقيقي الكتابة عن الاصدقاء شئ مؤلم وصعب واحيانا تاخذنا المبالغة وحتى اكون منصفا في الحديث عن فقيد الفن العربي خالد صالح استعين بكلمات احد عمالقة السينما العالمية الراحل يوسف شاهين حيث وصفه قائلا: «خالد معجزة » ردا علي سؤالي حول رأيه في أدائه في فيلم «هي فوضي» وقال شاهين في حواره الأخير معي والذي نشر بالاهرام : « خالد صالح كبير في الأداء، فهو دائما جاهز للوقوف امام الكاميرا بالشخصية وتفاصيلها فهو ممثل من القلائل الذين لا يتعدوا اصابع اليد الواحده في مصر». ترك فقيد الفن المصري نحو خمسة وعشرين فيلما ولكن بطولاته ربما تبلغ 15 فيلما ومنها «تيتو» الذي كان الانطلاقة الحقيقة للنجومية ثم «أحلي الاوقات» و«حرب اطاليا» و«ابن القنصل» و«ملاكي الاسكندرية» و«عن العشق والهوي»، و«أحلام حقيقية» و«عمارة يعقوبيان» و«هي فوضي» و«الريس عمر حرب» و«تمن دستة اشرار» و»كف القمر» و«فبراير الاسود» و«الحرامي والعبيط» واخيرا «الجزيرة 2». كان أكثر ما يميز النجم الراحل قدرته علي إحداث حالة من الدهشة في كل عمل يقدمه فهو وحسب ما أكد لي قبل رحيله أنه كان عندما يختار أحد الأعمال التى تعرض عليه كان يضع نفسه مكان الجمهور وكيف سيشاهدون الشخصية؟ ولهذا يشعر المدقق أن خالد صالح يستمتع هو أولا بالاداء لكي يصل طبيعيا علي الشاشة، لا أريد أن أقول أن حالة الإندماج في الشخصيات وحاله التوتر الداخلي ربما أخذت من صحته كثيرا فهو ينتمي الي مدرسة الاندماج والغوص في تفاصيل الشخصيات مثل الاساتذة «أحمد زكي وزكي رستم ويحيي الفخراني ونورالشريف» . عاش خالد صالح كواحد من ابناء الطبقة الوسطي حياة بسيطة كلها رضا وتدين حقيقي وبارا باهله وأسرته فهو كان دائما الحديث عن أسرته الصغيره وسعيه الدائم لإسعادهم وأذكر انه حدثني مرة عن زوجتة الدكتورة هالة التى تفرغت لبيتها وتركت الطب من اجله واولاده فكان شديد الامتنان لها وقال عنها: « إنها ست عظيمة ودعمتني وساندتني كثيرا». مثل كل الحقيقيين عاش خالد صالح وهولم يشعر يوما انه نجم فهو القائل : «الفنان يعيش كل حياته ويقدم اعمالا كثيرة ويشعر انه لم يفعل شيئا وان هناك اعمال يريد تقديمها ». رحم الله الفنان القدوة والمثل خالد صالح بقدر ما اعطي وبقدر ما اسعدنا وابهرنا وبقدرما قدم من أعمال خيرية وانسانية.