كنائس زويلة تحتفل بذكرى دخول السيد المسيح إلى أرض مصر| صور    بدء التقديم الكترونيًا بمرحلة رياض الأطفال للعام الدراسي 2025 - 2026 بالجيزة    جامعة سوهاج تتعاون مع شركة المياه في مجال إجراء الأبحاث العلمية    زلزال بقوة 6 درجات يضرب جزيرة هوكايدو اليابانية    رياضة ½ الليل| بيراميدز ينضم للملوك.. فرحة جنونية.. هيمنة فرعونية أفريقيا.. عودة الفتى الذهبي    أكرم توفيق: تلقيت عروضا من بيراميدز والزمالك وهذه أسباب رحيلي عن الأهلي    حوار أكرم توفيق - عن الرحيل وإيقاف ميسي وصفقة زيزو ونتيجة كبيرة أمام الزمالك    ولاية ثانية؟ رومانو: لاتسيو يتوصل لاتفاق لتعيين ساري مدربا للفريق    بسبب 120 جنيها.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية | غدا    بعد التأجيلات.. طرح فيلم «في عز الضهر» ل مينا مسعود يونيو الجاري    أحمد أمين ضيف شرف «الشيطان شاطر»    النيابة تتولى التحقيق في فضيحة التنقيب عن آثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    انطلاق المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار رحلة العائلة المقدسة في الشرقية    قد تسبب الوفاة.. تجنب تناول الماء المثلج    بالصور| مدير التأمين الصحي بالغربية يتفقد سير العمل بعيادة خالد بن الوليد بطنطا    مقتل شخص وإصابة 11 في إطلاق نار عشوائي ب80 طلقة في نورث كارولينا    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    أخبار × 24 ساعة.. إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص من 5 ل9 يونيو    محافظ كفر الشيخ: إنهاء مشكلة تراكم القمامة خلف المحكمة القديمة ببلطيم    التحالف الوطنى يستعرض جهوده فى ملف التطوع ويناقش مقترح حوافز المتطوعين    وليد صلاح الدين: الزمالك يرهق عبدالله السعيد.. وبن شرقى أفضل صفقات الأهلي    يورتشيتش: بيراميدز أصبح كبير القارة والتتويج بدوري أبطال أفريقيا معجزة    هاني سعيد: الجماهير فرقت معانا.. وهذا هدفنا في الفترة القادمة    أحمد زاهر: تعرضنا لضغط كبير ضد صن داونز وهذه البطولة تعب موسم كامل    شروط التقديم لوظائف شركة مصر للطيران للخدمات الجوية    غلق مطلع محور حسب الله الكفراوي لتنفيذ أعمال بخط مياه    محافظ الغربية يناقش استعدادات عيد الأضحى ويعلن تجهيز 463 ساحة للصلاة    المشدد 10 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعامل لاتهامه بالاتجار فى المخدرات بالمنيا    حملة مكبرة على التكاتك المخالفة ومصادرة 23 مكبر صوت فى السنبلاوين بالدقهلية    (160) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر حرس الحدود بمنطقة جازان يقبض على (8) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم    لا اتهامات عائلية في مقتل أحمد الدجوي، المستشار القانوني يوضح القصة (فيديو)    ملك البحرين يستقبل وزير التنمية الاقتصادية لروسيا الاتحادية    وزير السياحة: حملات توعوية مشتركة بين مصر والسعودية لخدمة الحجاج وتعزيز الالتزام بالضوابط    كبير المفاوضين الروس: موقف موسكو من كييف سيعرض بالتفصيل اليوم    هزة أرضية متوسطة تضرب الجيزة والشبكة القومية للزلازل تسجل الواقعة    عماد الدين حسين: إسرائيل تستغل ورقة الأسرى لإطالة أمد الحرب    غلق مطلع محور حسب الله الكفراوى.. اعرف التحويلات المرورية    هل توفي ياسين؟، أبرز أحداث مسلسل حرب الجبالي الحلقة 13    نجل زياد برجي يبكي في حفل خاص ببيروت وراغب علامة يتفاعل مع أغنيته (فيديو)    رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: لا يحق لأى دولة أن تسلبنا حق التخصيب    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الاحتلال يدمر %75 من آبار المياه وبلدية غزة تحذر من الجفاف.. وزير دفاع الاحتلال يصدر تعليمات بالتوسع فى غزة.. مقتل شخص وإصابة 11 جراء إطلاق نار فى ولاية نورث كارولينا    الصحة: المواطن شريك في تحديد جودة الخدمة بمنظومة التأمين الصحي الشامل    ..لا شريك لك لبيك    حرام أم جائزة؟.. حكم زيارة القبور في أول أيام عيد الأضحى    وزير العمل يشارك في جلسة خاصة ل«اقتصاد المنصات» بجنيف    الإمام الأكبر يشكر الواعظات لتوعيتهن الحجيج    الأوقاف تحتفي باليوم العالمي للوالدين: دعوة لتعزيز ثقافة البر والإحسان    تأسيس الشركات في الإمارات والسعودية فى خلال أيام    طريقة عمل العجة أسرع وجبة للفطار والعشاء واقتصادية    الرئيس السيسي يطلع على الخطوات التنفيذية لتعزيز تنافسية الاقتصاد وزيادة الاستثمارات    البابا تواضروس يترأس قداس سيامة 8 أساقفة جدد    ختام امتحانات كلية العلوم بجامعة أسوان    ما حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟ «الافتاء» تجيب    رفع الجلسة العامة لمجلس الشيوخ ومعاودة الانعقاد غدا    مجلس الشيوخ يحيل تقارير اللجان النوعية إلى الحكومة    هل يمكن إخراج المال بدلا من الذبح للأضحية؟ الإفتاء تجيب    محطة طاقة الرياح بالسويس تحصد جائزتين إقليميتين لأفضل صفقة في البنية التحتية وأفضل صفقة طاقة    طب عين شمس: 8% من أطفال العالم يعانون من اضطرابات نفسية و14% النسبة بين المراهقين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكى فى تجربة الشاعر منذر مصرى
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 09 - 2014

تتعدَّدُ آليَّاتُ الفِعْلِ الشِّعريِّ ، في خِطابِ مُنذر مِصْري (1949- )، الشِّعريِّ ، تعدُّدًا لافتًا ، بيْنَ الأدَاءِ الغِنائيِّ ، وَالأدَاءِ السَّرديِّ ،
وبنيَةِ التَّشظِّي وّالتَّشذير ، وبنيَةِ الحِكايَةِ ، وَهيَ تعدُّداتٌ تتَّفقُ في التَّشديدِ على النَّبرَةِ الشَّخصيَّةِ ، وَشَخْصَانيَّةِ التَّجربَةِ ، وَارْتباطِهَا الوثيقِ بحَرَكةِ الذَّاتِ الشَّاعرَةِ في مُحْيطِهَا المَعِيشِ، وأدائِهَا الشِّعريِّ الجَانحِ إلى الالتحَامِ بلغَةِ الحَيَاةِ اليوميَّةِ وَتفاصِيلِهَا الحَياتيَّةِ المَعِيشَةِ الخَاصَّةِ .
أنْجَزَ مُنذر ، في الحِصَارِ المَضْروبِ حولَ تجربتِهِ ؛ ككثيرٍ منْ المُبدعِيْنَ الطَّليعِيِّينَ ، تجاربَهُ الشِّعريَّةَ الخَاصَّةَ ، في طبَعَاتٍ مَحْدُودَةٍ ، كانتْ تُمْنَعُ في الغَالبِ ، وَمَا نُشِرَ منْهَا على نِطَاقٍ وَاسِعٍ قليلٌ ، وَمِنْهَا : (بَشَرٌ وَتَوَاريخُ وَأمْكِنَةٌ) : وزارة الثَّقافةِ ، دمشق ، 1979، و في دار رِياض الرَّيِّس، ببيروت، صَدَرَتْ له ثلاثُة أعمالٍ شِعريَّةٍ ، هِيَ :(مَزْهَريَّةٌ على هيئَةِ قبْضَةِ يد) :1997، و(الشَّاي ليسَ بطيئًا)، و(مِنْ الصَّعبِ أنْ أبتكِرَ صَيْفا) : 2008، ومُخْتَارَات شِعرية ، صَدَرَتْ في مِصْرَ تََحْتَ عنوانِ : (.. لأنِّي لسْتُ شَخْصًا آخَر): 2009 ، وَهِيَ الأعْمَالُ الَّتي كشَفَتْ عنْ أحَدِ أهَمِّ الأصْوَاتِ الشِّعريَّةِ ، في مَشْهَدِ القَصِيْدِ النَّثريِّ العَرَبيِّ منذُ سَبعينيَّاتِ القَرْنِ المَاضِي .
وَعلى تعدُّدِ آليَّاتِ الخِطابِ الشِّعريِّ لدَى مُنذر مِصْري ، تبرُزُ بنيَةُ الحِكايَةِ ، عَبْرَ أداءٍ سَرْديٍّ سَيَّالٍ ، يستثمِرُ شتَّى آليَّاتِ المبنَى الحِكائيِّ ، في إقامَةِ خِطَابِه الشِّعريِّ ، بأدَاءٍ شِفاهِيٍّ تداوليٍّ ، يلتحِمُ فيه مَا هُوَ حِكائيٌّ وَمَا هُوَ شِعْرِيٌّ ، في نُصوصٍ ، هِيَ قَصٌّ منْ حَيْثُ هِيَ شِعرٌ، ويتبدَّى فيها على نَحْوٍ وَاضِحٍ التَّبئيرُ الخَارِجيُّ ، وَشعريَّةٌ الصُّورَةِ السَّرديَّةِ البَصَريَّةِ الكُلِّيَّةِ ، عَبْرَ كَمٍّ وَفيْرٍ مُنْتَخَبٍ بدقَّةٍ منْ سرديَّاتِ الواقعِ المَعِيشِ وَالسِّيَّريِّ ، في نَسِيْجِ الخِطابِ الشِّعريِّ ، ويتبدى الخَارجُ دَائِمًا بوعي الدَّاخِلِ ، وَنَبْضِهِ ، وَنَبْرَتِهِ.
البنيَةُ السَّرديَّةُ لدى مُنذر مُكتمِلةٌ حِكائيًّا ، مُكثَّفةٌ شِعريًّا؛ تتشكَّلُ منْ واقعٍ معيشيٍّ وتفاصِيلَ سِيَريَّةٍ ، كأنَّها - على حدِّ تعبيرِ رياضِ الصَّالحِ الحُسين ، في الدِّراسَةِ الوَحيدَةِ التي كتبَهَا - تُؤرشِفُ حياتَنَا اليوميَّةَ .
يتدفَّقُ الأداءُ الحِكائيُّ لِلخِطابِ الشِّعريِّ ، ببسَاطةٍ ، تُخْفِي وَعْيًا تنظيميًّا دقيقًا يُقيمُ شِعريَّةَ السَّطحِ بعُمْقٍ وَإحِكْامٍ ، وَ" دِقَّةِ صَائغٍ يتظَاهَرُ بأنَّهُ لاعِبُ أكروباتٍ " ، على حدِّ تعبيرِ عبَّاس بيضون . بذكاءٍ شديدٍ يختارُ مُنذرٌ التَّفاصِيلَ الحَياتيَّةَ الدَّالةَ في بناءِ الخِطابِ الشِّعريِّ الحِكائيِّ ، كمَا في هذا النَّصِّ :
" في بيروتَ سَبَحَ كالإنكليزِ
وَلمْ يَخْجَلْ
يقرُصُ الفتاةَ منْ ظَهْرِهَا
وَيغْطَسُ
فترَاهُ وَتَصِيْحُ :
(سَرْطَعُون سَرْطَعُون!)
عَمِلَ سَاقيًا فترَةً غيْرَ مُحَدَّدةٍ
لأمريكيَّةٍ
وَضَعَتْ يَدَهَا على ...
وَلمْ تطلُبْ سِوَى كُوكاكولا
وَالفَرَنْسِيَّةُ القَصِيرَةُ
فَتَحَتْ له البَابَ
وَهِيَ عَاريَةٌ ! .

أدْهَشَ الجَميْعَ
وَسَألَ الإيطاليَّ ذَا اللحيَةِ
بلغَةٍ إيطاليَّةٍ سَليمَةٍ مِئْةً بالمِئَةِ
تعلَّمَهَا عِنْدَمَا عَمِلَ مُسَاعِدَ طبَّاخٍ إيطاليٍّ
في إحْدَى السُّفنِ اليونانيَّةِ :
(مَاذَا تُفضِّلُ على العَشَاءِ يَا سِنيور؟)
وَرَفَضَ البقشِيشَ بالطَّبعِ
لأنَّهُ أيُّهَا الصَّديقُ
يعتبرُ نفسَهُ
سَائحًا أيضًا .
عَادَ أخيرًا
بلهجَةٍ ممطوطَةٍ
وَبنْطَالٍ ضَيِّقٍ بلا جيوبٍ
لكنَّهُ تعلَّمَ كثيرًا
يقولُ وَدَاعًا بسهولَةٍ
هَكَذا الحَيَاةُ في بيروتَ ."
على هذا النَّحوِ منْ الأدَاءِ الشِّعريِّ ، يجنَحُ الخِطَابُ الشِّعريُّ إلى إنجَازِ الأداءِ الحِكائيِّ المَعِيشِ ، بلُغةِ الحَيَاةِ المَعِيشَةِ ، مُلتَحِمًا بشفاهيَّةِ الأداءِ اللغويِّ وتداوليَّتِهِ وَنَبَرَاتِهِ ، كَمَا في قوْلِهِ :
" لسْتُ مِمَّنْ يجلِسُونَ وينتظرونَ
بفارغِ الصَّبرِ
يَوْمًا كَهَذا
وَلسْتُ مِمَّنْ يَرْمُونَ مَا بأيديهِمْ
على عَجَلٍ
وَيَخْرُجونَ لملاقاتِهِ
غَيْرَ أنِّي أعْلَمُ
لو قَضَيْتُ حَيَاتي
وَأنَا أرْكُضُ بسُرْعَتِي القُصْوَى
في الاتِّجَاهِ (ب)
وَانْطَلقَ هُوَ مُنْذُ لحْظَةِ ولادَتِي
في الاتِّجَاهِ المُعاكِسِ
أنَّهُ ... في الدَّقيقَةِ (س)
عِنْدَ النُّقطَةِ (ع)
سَنَلْتقِي ."
وقد جَنحَتْ تجربَةُ مُنذر مِصْري ، بشكلٍ وَاضحٍ ، منذُ البدايَةِ ، إلى شِعريَّةِ الحَيَاةِ اليوميَّةِ المَعِيشَةِ ، بسرديَّاتِهَا المَشْهديَّةِ الدَّالةِ ، وَمَجازِهَا البَصَريِّ ، وشِعريَّةِ المَوقفِ السَّرديِّ المُحْكَمِ ، وَجَمَاليَّاتِ الصُّورَةِ السَّرديَّةِ وَالصُّورَةِ البَصَريَّةِ ؛ المُتشكِّلةِ منْ تفاصِيلِ الوَاقِعِ الشَّخصيِّ المَعِيشِ ، والسرد الشعري الشفاهي ، في أداء مقتصد ورهيف ؛ فَالمَنْطِقَةُ الأثيرَةُ لاكتشافِ الشِّعرِ لديْهِ هِيَ تَفَاصِيلُ الوَاقعِ المَعيشِ ، بَلْ إنَّ بعضَ نُصُوصِهِ هِيَ قَصٌّ خَالصٌ ، أتَى في أدَاءٍ شِعريٍّ ، كَمَا في هَذا النَّصِّ المُعَنونِ بِ"ضَجَّةِ الضَّوءِ " :
" لا خَبْطَة البَابِ مَرَّتينِ ، كي يُغْلَقَ
وَلا قَرْقَعَة الضَّحِكاتِ
الَّتي لا يُمْكنُ الإمسَاكُ بِهَا
وَلا صَرير السَّريرِ
وَلا حَتَّى الحَشْرَجَات
بَلْ الضَّوءُ
ضَجَّةُ الضَّوءِ
هِيَ مَا أيقظَ آندِي .
( مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الغَريْبُ يَا أمِّي ؟)
( إنَّه ليسَ غَريبًا يَاآندِي
إنَّه عمُّكَ الَّذي حَدَّثتُكَ عَنْهُ
قُلْ لَهُ : هَالو يَا آندِي )
(هَالو يَاعَمُ
وَلكنْ مُنْذُ مَتَى يَا مَامَا
تَنَامِيْنَ مَعَ الأعْمَامِ ؟) "
ثمَّةَ تركيزٌ وَاضِحٌ على الفِعْلِ السَّرديِّ ، عَبْرَ سَاردٍ عَليمٍ بتفاصِيلِ المَشْهَدِ السَّرديِّ الخَارجِيِّ وَبدَاخِلِ الشَّخصيَّةِ ، وَلا يَكْتَفِي السَّردُ الشِّعريُّ ، هُنَا ، بِإقامَةِ المَوقِفِ السَّرديِّ ، وَإحْكامِ بِنائِهِ ، وَإنَّمَا يُضَمِّنُهُ الحِوَارَ ؛ إمْعَانًا في مُعَايشَةِ الحِكايَةِ ، وَالتحامًا بشِفَاهيِّتِهَا ، في أدَاءٍ لغَويٍّ دَقيْقٍ ، وَمُتَخَفِّفٍ مِنْ آليَّاتِ المَجَازِ الجُزْئيِّ البَلاغِيِّ ، وَمَبْنَى حِكائيٍّ مُحْكَمٍ ، تَأتِي خَاتمَةُ النَّصِّ فيْهِ ، عَبْرَ بنيَةِ المُفَارَقةِ ؛ لِتُفَجِّرَ المَوْقف شِعريًّا ، بِشَكلٍ كَامِلٍ .
وَثمَّةَ حِرْصٌ وَاضِحٌ على التَّبئيرِ الخَارجِيِّ ، عَبْرَ رَصْدِ تفاصِيلِ الحِكايَةِ ، وَعَناصِرِ المَشْهَدِ السَّرديِّ المَعِيشِ .
وَتَتَّضحُ هَذهِ الخَاصِيَّةُ السَّرديَّةُ شِعْريًّا، كَذَلكَ ، في نََصٍّ آخَرٍ ، بِعُنوانِ :" نَظَرَات مُوْجِعَة "، يَتَعَالَقُ مَعَ هَذَا النَّصِّ ، َويَأتِي مِنْ مَنْظُورِ الأمِّ ، وَعَلى لِسَانِهَا ؛ مُحْتَشِدًا بِالتَّفاصِيْلِ الحَيَاتيَّةِ المَعيشَةِ ، في شَكْلِ منُولُوجٍ دَاخِليٍّ ، وَسَرْدٍ اسْتذْكَارِيٍّ ، جَاءَ عَلى هَذَا النَّحوِ :
" بَعْدَ أنْ اسْتَيْقَظَ آندِي
وَرَآنِي
لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيءٌ في العَالَمِ
تَقُولُهُ أوْ تَفْعَلُهُ
يَسْتَطيْعُ أنْ يُعِيدَهُ إلى النَّومِ
أوْ يُوقِفَهُ عَنْ الصُّرَاخِ
حِيْنَ تُطْفِىءُ تِريزكا
الضَّوءَ .
لا سَاعَةُ اليَدِ الفُسفُوريَّةُ
وَلا النُّقودُ
وَلا القُبُلاتُ
وَلا الأكَاذِيبُ
اسْتَطَاعَتْ أنْ تُسْبِلَ
النَّظرَاتِ المُوجِعَةَ
الَّتي رَاحَ آندِي يَرْمِينِي بِهَا
وَهُوَ يَشْهَقُ
بِكَامِلِ جَسَدِهِ
وَحِيْنَ غَادَرَتْ تِريزكا الفِرَاشَ
لِتُحْضِرَ لَهُ مِنَ المَطْْبَخِ
كُوْبًا سَاخنًا مِنْ الحَليْبِ
هَبَّ فَجْأةً عَنْ سَريرِهِ
وَرَاحَ يُجَمِّعُ بِيَديْهِ الصَّغيرتَيْنِ
قِطَعَ النُّقودِ المَعْدنيَّةِ
الَّتي رَمَيتُهَا لَهُ
وَهُوَ يَنْظُرُ إليَّ
مُبْتَسِمًا . "
هَكَذَا يُؤسِّسُ مُنْذر مِصْري مَنْظورًا سَرديًّا آخَر ، لِذَاتِ الحِكَايَةِ الشِعريَّة ، بِذَاتِ الأدَاءٍ الشِّعريِّ ؛ الَّذي يَكْشِفُ عَنْ اسْتِيعابِ آليَّاتِ البِنيَةِ السَّرديَّةِ ، وَاسْتِخدَامِهَا شِعريًّا ، كَاشِفًا عَنْ شِعريَّةِ التَّفاصِيْلِ الحَيَاتيَّةِ المَعِيْشَةِ البَاذِخَةِ .
وَأحْيَانًا يَأخُذُ السَّردُ الشِّعريُّ طَابَعِ السَّرْدِ المُذَكَّراتِيِّ ؛ سَرْدِ السِّيْرذَاتِيِّ ؛ الَّذي يَتمُّ فيْهِ تَدويْن تَفَاصِيلِ المَوَاقِفِ الحَيَاتيَّةِ الشَّخصيَّةِ العَاديَّةِ ، غَيْرَ أنَّ الشَّاعرَ السَّاردَ يَقومُ بِتَفْجيْرِ النَّصِّ دلاليًّا ، في خَاتمَةِ النَّصِّ ، بِمَا يُحَقِّقُ شِعريَّةَ الأدَاءِ السَّرديِّ ، كُلِّيَّةً ، كَمَا في نَصِّ :" سُجُق مَعَ البَيْضِ على الفُطُور" ؛ الَّذي جَاءَ على هَذَا النَّحوِ :
" لَمْ أنَمْ جَيِّدًا وَاسْتَيْقظْتُ في الليْلِ
مَرَّاتٍ كَثيْرَةً
آخِرُهَا في الخَامِسَةِ فَجْرًا
كَمَا لَوْ أنَّنِي
مُزْمِعٌ على سَفَرٍ .
قَلَيْتُ سُجُقًّا مَعَ البَيْضِ
وَازْدَرَدْتُ فُطُورِي
وَأنَا أهُزُّ رَأسِي
أسْتَطيْعُ أنْ أجِدَ حُلولاً لِكُلِّ مَشَاكِلِي
وَلَوْ سَيِّئةً .
مُنْذُ أسْبُوعَيْنِ لَمْ تَصِلْنِي
رسَالةٌ مِنْ أحَدٍ
اليَوْمَ
وَصَلَتْنِي رِسَالةٌ مِنْ مَاهر وَرِسَالَةٌ مِنْ ثَنَاء
وَأخْرَى مِنْ مَرَام
وَرِسَالتَانِ مِنْ مُصْطَفى
خَمْسُ رَسَائلَ تَخْتَلفُ عَنْ بَعْضِهَا
في كُلِّ شَيءٍ
كَاخْتِلافِ أصْحَابِهَا
في كُلِّ شَيءٍ
لَكنَّهَا تَشْتَركُ مَعًا بِشَيءٍ وَاحِدٍ
جَمِيْعُهُمْ مُحْبَطُونَ .."
يَسْتَثْمرُ مُنْذر مِصْري – عَلى هَذَا النَّحوِ – طَاقَاتٍ السِّيرَةِ الذَّاتيَّةِ ، وَتَفَاصِيْلَ التَّاريخِ الشَّخصِيِّ الخَالصِ ، في تَشْكيْلِ بنيَةٍ شِعريَّةٍ دَالَّةٍ ؛ تَسْتَندُ عَلى بَلاغَةِ الوَقَائِعِيِّ الشَّخصِيِّ .
هَكَذَا يُرَاهنُ مُنْذر مِصْري عَلى شِعريَّةِ الحَدَثِ المَعِيشِ ؛ بسَرْديَّاتِهِ الحياتيَّةِ الحَميْمِةِ ، وَعَلى شِعْريَّةِ المَوقِفِ السَّرديِّ ، وَبَلاغيَّةِ الصُّورَةِ السَّرديَّةِ ، وَالأدَاءِ البَصَريِّ ، وَهَذِهِ السِّمَاتُ الأسَاسِيَّةُ جَعَلَتْ مِنْهُ أحَدَ المُشَاركِيْنَ الأسَاسِيِّينَ في تَشْكيْلِ مَعَالمَ المَشْهَدِ الشِّعريِّ الجَديْدِ ، بِخِطَابٍ مُرْهَفِ الإنْسَانيَّةِ ، في فَضَاءِ القَصيْدِ النَّثريِّ العَرَبيِّ .
الهَوامِش :
مُنْذر مِصْري – لأنَّني لسْتُ شَخْصًا غَيْري " مُخْتَارَاتٌ شِعْريَّةٌ " – آفَاقٌ عَرَبيَّةٌ ، العَدد -122- الهيئَة العَامة لِقُصُورِ الثَّقَافَة – 2009 – ص ص : 59 - 60 .
السَّابق - ص ص : 164- 165.
السَّابق - ص ص : 175 - 176 .
السَّابق – ص ص : 177- 178 .
السَّابق – ص ص : 179 – 180 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.