الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
القبض على 9 متهمين بتوزيع رشاوى انتخابية في دمياط والغربية وكفر الشيخ
جدول امتحانات الفصل الدراسى الأول لطلاب النقل والشهادة الإعدادية بالجيزة .. اعرف التفاصيل
«التضامن» تشارك فى احتفالية ذوى الإعاقة
أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»
قرار وزارى بتحديد قواعد و إجراءات لجنة القيد والاعتماد لإستشاريين الشئون البيئية
بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي
الذهب اليوم: عيار 21 عند 5770 جنيهًا
يضم إسرائيل، تحالف من 3 دول ضد تركيا في شرق المتوسط
نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب بالسودان
ضياء رشوان: صفقة الغاز مع إسرائيل تجارية بحتة ولا تحمل أي أبعاد سياسية
الجنائية الدولية: عقوبات أمريكا على عضوي المحكمة اعتداء صارخ على استقلال هيئة قضائية
تقسيمة فنية في مران الزمالك استعدادًا للقاء حرس الحدود
تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم
وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج
الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة
وكيل الأزهر يعتمد نتيجة الشهادة الثانوية لمعاهد فلسطين الأزهرية
قراءات ألمانية في احتفال المكتب الثقافي المصري ببرلين باليوم العالمي للغة العربية
المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي
رسميا.. الدوحة تستضيف نهائي «فيناليسيما» بين إسبانيا والأرجنتين
إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية
نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم
هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟ أمين الفتوى يجيب
أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر
الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة
ترامب يوافق على 10 مليارات دولار أسلحة لتايوان.. والصين تحذر من نتائج عكسية
جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان
الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق
الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون
محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم
وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير
فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب
ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار العشرين لسندات توريق بقيمة 1.1 مليار جنيه
ضبط شخصين يوزعان كروت دعائية وأموال على ناخبين بأجا في الدقهلية
هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام
الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق
الداخلية تضبط شخصين يوزعان أموالا بمحيط لجان أجا بالدقهلية
الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية
الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل
عمرو طلعت يفتتح مقر مركز مراقبة الطيف الترددي التابع لتنظيم الاتصالات
ضبط شخص ظهر في فيديو داخل أحد السرادقات بالمعصرة وبحوزته جهاز لاب توب وسط حشود من المواطنين.
محافظ الجيزة يعتمد مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الأول للصفوف الدراسية
جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب
تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج
المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد
تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات
الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة
مصرع موظف بشركة السكر وإصابة 4 آخرين في مشاجرة بنجع حمادي
صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي
سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025
تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي
وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر ويشارك في احتفالات اليوم الوطني
وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم
د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي
في خطابه للأميركيين.. ترامب يشنّ هجوما قويا على بايدن
الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم
مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك
بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم
غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
كثافةُ الحضورِ الإنسانىِّ فى تجربةِ وديع سَعادة
شريف رزق
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 14 - 09 - 2014
فى سَبعينيَّاتِ القََرْنِ المَاضِى ؛ حَيْثُ كانَتْ تَجْربَةُ مجلَّةِ (شِعر) اللبنانيَّةِ قدْ بلغتْ أقصَى تحقُّقاتِهَا الشِّعريَّة ، عَبْرَ تجاربِ أدونيسَ ، وأنسى الحَاج ، وَزُملائِهِمْ ،
كانَِ جِيلٌ شِعريٌّ جديدٌ ، يتشكَّلُ، وَيُمثِّلُ انعطافَةً شِعريَّةً جديدَةً ، عنْ المَسَارِ الشِّعريِّ المُتجسِّدِ لِلْقََصِيدِ النَّثريِّ ، فى مَشهدِ الشِّعرِ العَرَبيِّ ، وَبَرَزَ فى هَذا الجيلِ عبَّاس بيضون ، وَبُول شاوول ، وَشِرْبل داغر ، وَآخرونَ ، وعلى الرَّغمِ منْ ظهورِ مَسَارٍ جديدٍ لِلْقصِيدِ النَّثريِّ على أيديهم ، بمرجعيَّاتٍ أخْرَى فى حقيقَةِ الأمرِ ، إلاَّ أنَّ النّزوعَ الثَّقافيَّ ظلَّ ، كالحَلْقَةِ السَّابقةِ المؤسِّسةِ ، يعلو على النّزوعِ الشِّعريِّ ، وَبَدَا أنَّ هَاجسَ التَّجريبِ لدَى هَذِهِ الحَلْقَةِ ، كَمَا كَانَ فى الحَلْقَةِ السَّابقَةِ ، كَانَ يعلو على التَّجربَةِ الإنْسَانيَّةِ ، وَظلَّ الحُضورُ اللغَويُّ أعْلَى منْ الحُضورِ الإنْسَانيِّ ، فى المُنْجَزِ الشِّعريِّ الطَّليعِيِّ ، غَيْرَ أنَّ صَوتيْنِ شِعريَّينِ كَانَا يُؤسِّسَانِ - على مَقْرُبَةٍ منْ هَذا الحَدَثِ الشِّعريِّ - لِشِعريَّةِ الشَّخصِيِّ وَالإنْسَانيِّ وَالمَعِيشِيِّ وَالحَيَاتيِّ ، على نَحْوٍ بَارزٍ، وَيُشَدِّدانِ على بَسَاطةِ الأدَاءِ الشِّعريِّ ، وَكثافَةِ الحُضورِ الإنسَانيِّ فيْهِ ، كَانَ هَذانِ الصَّوتانِ هُمَا صَوْتُ وَدِيع سَعادَة (1948 -) ، وَصَوْتُ بَسَّام حَجَّار(1955- 2009) ، وَكَانَ وَدِيع أسْبَقَ منْ بَسَّام .
وَمُنذُ البدايَةِ بَرَزَ صَوْتُ وَدِيع سَعَادَة كثيفَ الإنسَانيَّةِ ، شَخصِيًّا ، عَمِيقًا ، خَافِتَ النَّبرَةِ ، اسْتِبْطانيًّا ، يَجْنَحُ - أحْيَانًا - إلى التَّواشُجِ مَعَ عَنَاصِرِ الطَّبيعَةِ وَتفاصِيلِ الوَاقِعِ المَعِيْشِ المُحِيطِ بالذَّاتِ الإنْسَانيَّةِ الشَّاعرَةِ الوَحِيدَةِ ، وَثمَّة حُضُورٌ وَاضِحٌ للذِّكريَاتِ ، وَتتجَاوَرُ الهَوَاجسُ والشَّطحاتُ التصوريَّة مَعَ مَرَائِى الوَاقعِ المَعِيشِ ، وَثَمَّة حُضُورٌ لتجربَةِ الفَقْدِ على نَحْوٍ كثيفٍ ، وَعَلى مِحْورِ الشَّكلِ ثَمَّة حُضُورٌ وَافرٌ لجَمَاليَّاتِ الحِكايَةِ ، وَتركِيْزٌ وَاضِحٌ عَلى كثافَةِ الأدَاءِ الشِّعريِّ ، وَتكثِيف البنَاءِ النَّصيِّ .
ثَمَّة حضُورٌ إنْسَانيٌّ وَافرٌ ، لِذَاتٍ شَاعِرَةٍ وحِيْدَةٍ تَنْثُرُ تَاريخَهَا الشَّخصِيَّ ، وَنبضَاتِهَا ، وَمُشَاهَدَاتِهَا ، وَهَوَاجِسَهَا ، فى أعْطَافِ الخِطَابِ الشِّعريِّ ، مُجَسِّدَةً شَخْصَنَةَ الخِطَابِ الشِّعريِّ وأنْسَنَتَهُ .
وَيتبدَّى الحُضُورُ الإنسَانيُّ ، حتَّى فى تواريْهِ خَلْفَ الأشيَاءِ ، عَبْرَ حُضُورِ حَالاتٍ إنسَانيَّةٍ خَالصَةٍ ، وَثَمَّة حُضُورٌ إنسَانيٌّ ، يتجَاوَزُ ، دَائِمًا ، الغِيَابَ الفيزيقِيَّ :
" يومَ غَادَرَ ظلَّتْ على قُفلِ البَابِ أصَابعُ يديْهِ
على الرَّصِيفِ قَدَمَاهُ
فَوْقَ الإسْفلتِ طَبَقةٌ منْ جِلدِهِ . "
ثَمَّة حُضُورٌ دَائمٌ للرُّوحِيِّ ، وَتركَِيْزٌ عَلى النَّبرَةِ البَاطِنيَّةِ العَمِيقَةِ ، وَثَمَّة ظِلالٌ مِيتافيزيقيَّةٌ تُظلِّلُ المَشْهَدِ فى تَجْربَةِ وَدِيع :
" كَانَ مَيِّتًا لكنَّهُ كَانَ
يُحِسُّ أناملَهُم على جَبْهَتِهِ
أسْبَلوهُ وسطَ الدَّارِ
على فِرَاشٍ استأجرُوهُ وَكانَ
يُحِبُّ أنْ يشترى مِثلَهُ ،
أسْبَلوهُ وَألبسُوهُ ثيابًا
رَأى مِثلَهَا فى وَاجِهَاتِ المَدِينَةِ
وَحِيْنَ حَمَلُوهُ
تَرَكَ وَهُوَ يُغَادِرُ البَيْتَ
شَيئًا غَريبًا على العَتبَةِ
وَكَانُوا كُلَّمَا دَخَلُوا
يَرْتَجِفُونَ وَلا يَعْرِفُونَ السَّبَبَ . "
وَتكشِفُ التَّجربَةُ ، فى مُجْمَلِهَا ، عَنْ كمٍّ بَاهظٍ منْ الوِحْدَةِ وَالغُرْبَةِ وَالفَقْدِ وَالألَمِ الإنسَانيِّ العَمِيْقِ ، وَوَعْيٍ عَمِيْقٍ بالشَّخصِيِّ وَالمَعِيْشِيِّ ، وَتُتِيحُ حَالاتُ العُزْلَةِ قَدْرًا كبيرًا منْ التَّواصُلِ بيْنَ حَالاتِ الرُّوحِ وَالأشيَاءِ المُحِيطَةِ بهَا ، وَدَائمًا ثَمَّة مُخَالَطَةٌ وَتَوَاصُلٌ وَتَوَاشُجٌ وَصَدَاقةٌ بيْنَ الإنسَانِ وَالعَالمِ المُحِيطِ بِهِ ، هَكَذَا يُصَوِّرُ رَحِيلَ الأمِّ :
" وَضَعَتْ آخِرَ نُقْطَةِ مَاءٍ فى دَلْوِهَا عَلى الحَبَقَةِ
وَنَامَتْ قُرْبَها
عَبَرَ القمرُ وَجَاءَتْ الشَّمسُ
وَظَلَّتْ نائِمَةً
الَّذينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ صَوْتَهَا كُلَّ صَبَاحٍ
لفِنْجَانِ قَهْوَةٍ
لمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهَا
نَادَوْهَا منْ سُطَيْحاتِهِمْ ، نَادَوْهَا منْ الحُقولِ
لمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهَا
وَحِينَ جَاءُوا
كَانَتْ نُقطةُ مَاءٍ لا تزالُ
تَرْشَحُ من يدِهَا وَتزْحَفُ
إلى الحَبَقةِ . "
ثَمَّة اتِّصَالٌ رُوحِيٌّ عَميْقٌ بَيْنَ الإنسَانيِّ ، وَمَا يُحِيطُهُ منْ أشيَاءَ ؛ مَنْظُورَة أوْ غيْر مَرْئيَّةٍ :
" نِسْمَتُهُ الأخِيْرَةُ
جَرَتْ وَرَاءَهُ على الدَّرَجِ
وَنَامَتْ مَعَهُ قُرْبَ عُشْبَةٍ
بَيْنَ حَجَريْنِ
وَغَيْمَةٌ عَابرَةٌ
تَرَكَتْ ظِلاً خَفِيفًا
على وَجْهِهِ . "
وَتَتَّخذُ عِلاقةَ الذَّاتِ الإنسَانيَّةِ الشَّاعرَةِ بأشيَائِهَا وَعَنَاصِرِ مَشْهَدِهَا ، مَسَاريْنِ أسَاسِيَّينِ ؛ يُجَسِّدَانِ اسْتِبدَالَ الأشيَاءِ بالبَشَرِ ، ويَعْكِسَانِ حَالةَ الوَحْشَةِ وَطُغْيَانِ العُزْلةِ ، هُمَا :
أنسَنَة الأشيَاءِ :
وَفيْهَا تمتلِكُ الأشيَاءُ حَالاتٍ إنسَانيَّةً عَمِيقَةً ، على الرَّغمِ منْ تَوَارِى الحُضُورٍ الإنسَانيِّ الفيزيقِيِّ ، كَمَا فى قولِهِ :
" ذَاكَ النَّهارُ
تَحْتَ سِنديانَةِ السَّاحَةِ
ظَلَّ فقط مِقْعَدَانِ حَجَريَّانِ فارِغَيْنِ ،
كَانَا صَامِتَيْنِ
يَنْظُرَانِ إلى بَعْضِهِمَا
وَيَدْمَعَانِ . "
تَشَيُّؤ الإنسَانِ :
وَفيْهَا يتحَوَّلُ الإنسَانُ إلى شَيءٍ ، وَيَتَوَارَى حُضُورُهُ ، فى ظِلِّ حُضُورِ الأشيَاءِ :
" الَّذينَ ألِفنَاهُمْ شَجَرًا بَاسِقاً
صَارُوا قشًّا حِيْنَ حَزِنُوا
وَنَزَلَتْ العَصَافيرُ وَرَفَعَتْهُمْ
بمَنَاقيْرِهَا ."
وَأحْيَانًا تتَّخِذُ الذَّاتُ الشَّاعرَةُ مَوقِعَ الرَّصدِ ، فتُتابعُ تَحَوُّلَ الأشيَاءِ وَاتِّصَالَهَا العَمِيقَ بالحُضُورِ الإنسَانيِّ المُجَاورِ لهَا فى المَشْهَدِ المَعِيشِ :
لَمَسَ بَابَ البيْتِ وَخَرَجَ
تَاركًا على القفْلِ بَعْضَ أنفَاسِهِ
رَآهُمَا ينظرَانِ إليْهِ :
القفْلُ الَّذى كَانَ يَحْبِسُ خَلفَهُ عُوَاءَ الليْلِ
وَالبَابُ الَّذى كَانَ الصَّبَاحُ
يَطْلَعُ مِنْ شقوقِهِ ،
رَآهُمَا يتحلَّلانِ وَيَعُودَانِ
يَبَاسًا على الطَّريْقِ وَكتلةً صَدِئَةً
وَرَأى الحِيطَانَ تَرْجعُ إلى الجِبَالِ
أحْجَارًا وَحِيْدةً وَحَزينَةً
وَالمَحْدَلَةَ على السَّطحِ تعودُ
صَخْرَةً فى غَابَةٍ بعيدَةٍ
وَالسَّقفَ الَّذى يَدْمَعُ دَمْعَتيْنِ فى الشِّتَاءِ
يَهْطلُ مِثلَ جُرْفٍ يائسٍ .
لَمَسَ بَابَ البيْتِ وَرَحَلَ
تاركًا زَهْرَةً فى فَتْحَةِ القفْلِ
وَفَوْقَ السَّطحِ غَيْمَةً منْ نَظَرَاتِهِ ."
وَيُوَازى الشَّاعرُ بَيْنَ الحُضُورِ الخَارجِيِّ وَالحُضُورِ الدَّاخليِّ ، مُتنقِّلاُ بَيْنَ التَّبئيْرِ الخَارجِيِّ وَالتَّبئير الدَّاخِلِيِّ ، مُحَطِّمًا شَتَّى المَسَافاتِ بَيْنَ مَا سُمِّيَ ب (الشِّعرِ) وَمَا سُمِّيَ ب (النَّثرِ) ، عَبْرَ شَخْصَنَةِ الخِطَابِ الشِّعريِّ وَسَيْرَنَتِهِ ، على نَحْوٍ رَهِيْفٍ وَكثيفٍ ، كَمَا فى قولِهِ :
" مَاذَا سَأفعَلُ اليَوْمَ ؟ ليْسَ فى نيَّتى فِعْلُ شَيءٍ وَلَسْتُ مُضطرًّا لِفِعْلِ شَيءٍ . يُمكِنُنِى على الأرْجَحِ أنْ أعْقِدَ صَدَاقةً، مِنْ هُنَا مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ ، مَعَ هَؤلاءِ النَّاسِ فى الشَّارعِ . لا يزالُ النَّهَارُ فى أوَّلِهِ وَبِضْعُ دَقائقَ منْ الصَّداقَةِ تكفِى اليَوْمَ . بَعْدَ ذَلكَ يَجبُ أنْ أخْرُجَ إلى الشُّرفةِ وَأسْقِى الزُّهورَ، وَيَجِبُ ، رُبَّمَا ، أنْ أتَمَشَّى قليلاً فى المَدِينَةِ وَأجْلِبَ قنِّينةَ عرقٍ .
النَّافذةُ مُقْفَلَةٌ وَأنَا رَجُلٌ قَصِيرٌ وَرَاءَهَا، طُولُهُ 165 سنتيمترًا وَيَعْقِدُ صَدَاقةً مَعَ شَارعٍ طَويْلٍ . يُمَرِّرُ يَدَهُ بَيْنَ وَقْتٍ وَآخَرَ على شَعْرِهِ ، وَمَا يَسْقُطُ منْهُ يَحْمِلُهُ ببُطءٍ وَيَرْمِيْهِ فى القِمَامَةِ . رَجُلٌ هَادِئٌ، حَتَّى إنَّهُ بَيْنَ غُرْفةِ النَّومِ وَالمَطْبَخِ يَتَوَقَّفُ مِرَارًا لِيسْهُوَ أوْ لِيسْتَريحَ . يلِفُّ سيكارَتَهُ على مَهَلٍ ، يَشِيلُ التَّبغَ الزَّائدَ منْ طَرَفيْهَا ، يَنْظُرُ إلى الوَلاَّعةِ لَحْظَةً ، ثُمَّ يُخْفِضُ رَأسَهُ وَيُشْعِلُهَا . "
إنَّ تَجْربَةَ وَدِيع سَعَادَة الشِّعريَّةِ ، تكشِفُ عنْ حُضُورٍ غَامرٍ للإنسَانيِّ ، وَالرُّوحِيِّ ، وَالشَّخصِيِّ ، وَالمَعِيشِيِّ ، وَتكشِفُ عنْ دِرَاميَّةِ الوجُودِ الإنسَانيِّ ، وَهِيَ فى طَليعَةِ التَّجاربِ الشِّعريَّةِ الَّتى خَلَّصَتْ الشِّعريَّةَ العَربيَّةَ منْ الشَّكلانيَّةِ اللغويَّةِ ، وَكشَفتْ عنْ فَضَاءٍ جَديدٍ ، لِشِعرٍ جديدٍ ، أكثر إنسَانيَّة وَحَمِيمِيَّة .
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
بيت الشعر المغربى يمنح الشاعر الأسبانى غامونيدا "جائزة الأركانة"
الحداثة النقيض وأهم ملامح تجربة (محمود مغربي) الفنيه
البابا شنودة شاعر الاغتراب الوجودى المتعالى على سطوة المادة
كريم عبد السلام:قصيدة النثر تجاوزت الماغوط وأدونيس
ناقد عراقى: غالبية قصائد "سعادة" مكتوبة بالمقلوب
أبلغ عن إشهار غير لائق