الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط يشيد بقمة «شرم الشيخ للسلام»
أمطار في هذه الأماكن وسحب منخفضة.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة
تهشم سيارة الفنانة هالة صدقي في حادث تصادم بالشيخ زايد
إسرائيل تتسلم 4 توابيت ل رفات الرهائن المتوفين (فيديو)
صحيفة أجنبية: أوروبا تواجه خطر تهديد بنيتها الأمنية منذ الحرب العالمية لتضارب المصالح
حقيقة إلقاء جماهير الإمارات آيفون على اللاعبين بعد ابتعاد حلم المونديال
نجم الزمالك السابق يكشف عن «أزمة الرشاوي» في قطاع ناشئين الأبيض
رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان خطأ
زيادة كبيرة في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب ترتفع 600 للجنيه اليوم الأربعاء بالصاغة
الأخضر يهبط لأدنى مستوى.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 15-10-2025
هتكلفك غالي.. أخطاء شائعة تؤدي إلى تلف غسالة الأطباق
ظهور دم في البول.. متى يكون الأمر بسيطًا ومتى يكون خطرا على حياتك؟
وزير العمل: محاضر السلامة المهنية تصل إلى 100 ألف جنيه
ارتفاع مفاجئ في الضاني وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق
تعرف على المنتخبات المتأهلة لكأس العالم بعد صعود إنجلترا والسعودية
رونالدو يحقق رقما قياسيا جديدا في تصفيات كأس العالم
نتيجة وملخص أهداف مباراة إيطاليا والكيان الصهيوني في تصفيات كأس العالم 2026
أحمد نبيل كوكا يطلب أكثر من 30 مليون جنيه لتجديد عقده مع الأهلي
بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا
تباين أداء الأسهم الأمريكية خلال تعاملات اليوم
السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا
عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم
تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طالبة بولاق الدكرور هنا فرج
وفاة طالب صعقا بالكهرباء داخل معهد ديني بالمنيا
سوق الفيلم الأوروبي في مهرجان برلين السينمائي يُطلق أكاديمية توزيع «صندوق أدوات الأفلام»
اليوم، إغلاق الزيارة بالمتحف المصري الكبير استعدادًا للافتتاح الرسمي
رابطة العالم الإسلامي تتطلع لمخرجات قمة شرم الشيخ لتخفيف معاناة غزة
صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8% في العام الحالي
وكيل صحة كفر الشيخ يتفقد وحدة طب الأسرة بقرية المرازقة
إسبانيا تكتسح بلغاريا برباعية في تصفيات المونديال
مصرع شخصين في تصادم سيارتي نقل على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا
رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 في المدارس والجامعات وإجازة نصف العام تبدأ هذا اليوم
مندوب فلسطين بالجامعة العربية: قمة شرم الشيخ محطة فارقة وضعت حدا للعدوان
كوت ديفوار تعود إلى كأس العالم بعد غياب 12 عاما
ازدحام مروري سيعرقل مسارك.. حظ برج القوس اليوم 15 أكتوبر
«توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)
لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»
معرض حى القاهرة الدولى للفنون فى نسخته الخامسة لمنطقة وسط البلد لعرض أعمال ل16 فنانا
أكرم القصاص: على الفصائل الفلسطينية إعادة ترتيب أولوياتها وتوحيد الصف
كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟ مندوب فلسطين يكشف
مصر ومؤتمر السلام بشرم الشيخ: من الدبلوماسية الهادئة إلى توظيف الزخم سياسيا واقتصاديا وسياحيا.. وجود القاهرة على أى طاولة تفاوض لم يعد خيارا بل ضرورة.. وتصريحات ترامب عن الجريمة فى بلاده اعتراف أن مصر بيئة آمنة
أسعار الموز والتفاح والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025
ترامب يكشف تفاصيل محادثته مع حماس بشأن نزع السلاح: سنتدخل بالقوة لو لم يفعلوا
في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها
باختصار.. أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. تجدد الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية.. نتنياهو: لن ندخر أى جهد لإعادة رفات المحتجزين فى غزة.. 90% من شوارع قطاع غزة تضررت جراء الحرب
هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح
متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط
السفير صلاح حليمة: الاحتجاجات في مدغشقر تطورت إلى استيلاء على السلطة بحماية النخبة
الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام
مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)
طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار
ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية
ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل
دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة
مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية
جامعة جنوب الوادي تنظم ندوة حول "التنمر الإلكتروني"
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر
إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
كثافةُ الحضورِ الإنسانىِّ فى تجربةِ وديع سَعادة
شريف رزق
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 14 - 09 - 2014
فى سَبعينيَّاتِ القََرْنِ المَاضِى ؛ حَيْثُ كانَتْ تَجْربَةُ مجلَّةِ (شِعر) اللبنانيَّةِ قدْ بلغتْ أقصَى تحقُّقاتِهَا الشِّعريَّة ، عَبْرَ تجاربِ أدونيسَ ، وأنسى الحَاج ، وَزُملائِهِمْ ،
كانَِ جِيلٌ شِعريٌّ جديدٌ ، يتشكَّلُ، وَيُمثِّلُ انعطافَةً شِعريَّةً جديدَةً ، عنْ المَسَارِ الشِّعريِّ المُتجسِّدِ لِلْقََصِيدِ النَّثريِّ ، فى مَشهدِ الشِّعرِ العَرَبيِّ ، وَبَرَزَ فى هَذا الجيلِ عبَّاس بيضون ، وَبُول شاوول ، وَشِرْبل داغر ، وَآخرونَ ، وعلى الرَّغمِ منْ ظهورِ مَسَارٍ جديدٍ لِلْقصِيدِ النَّثريِّ على أيديهم ، بمرجعيَّاتٍ أخْرَى فى حقيقَةِ الأمرِ ، إلاَّ أنَّ النّزوعَ الثَّقافيَّ ظلَّ ، كالحَلْقَةِ السَّابقةِ المؤسِّسةِ ، يعلو على النّزوعِ الشِّعريِّ ، وَبَدَا أنَّ هَاجسَ التَّجريبِ لدَى هَذِهِ الحَلْقَةِ ، كَمَا كَانَ فى الحَلْقَةِ السَّابقَةِ ، كَانَ يعلو على التَّجربَةِ الإنْسَانيَّةِ ، وَظلَّ الحُضورُ اللغَويُّ أعْلَى منْ الحُضورِ الإنْسَانيِّ ، فى المُنْجَزِ الشِّعريِّ الطَّليعِيِّ ، غَيْرَ أنَّ صَوتيْنِ شِعريَّينِ كَانَا يُؤسِّسَانِ - على مَقْرُبَةٍ منْ هَذا الحَدَثِ الشِّعريِّ - لِشِعريَّةِ الشَّخصِيِّ وَالإنْسَانيِّ وَالمَعِيشِيِّ وَالحَيَاتيِّ ، على نَحْوٍ بَارزٍ، وَيُشَدِّدانِ على بَسَاطةِ الأدَاءِ الشِّعريِّ ، وَكثافَةِ الحُضورِ الإنسَانيِّ فيْهِ ، كَانَ هَذانِ الصَّوتانِ هُمَا صَوْتُ وَدِيع سَعادَة (1948 -) ، وَصَوْتُ بَسَّام حَجَّار(1955- 2009) ، وَكَانَ وَدِيع أسْبَقَ منْ بَسَّام .
وَمُنذُ البدايَةِ بَرَزَ صَوْتُ وَدِيع سَعَادَة كثيفَ الإنسَانيَّةِ ، شَخصِيًّا ، عَمِيقًا ، خَافِتَ النَّبرَةِ ، اسْتِبْطانيًّا ، يَجْنَحُ - أحْيَانًا - إلى التَّواشُجِ مَعَ عَنَاصِرِ الطَّبيعَةِ وَتفاصِيلِ الوَاقِعِ المَعِيْشِ المُحِيطِ بالذَّاتِ الإنْسَانيَّةِ الشَّاعرَةِ الوَحِيدَةِ ، وَثمَّة حُضُورٌ وَاضِحٌ للذِّكريَاتِ ، وَتتجَاوَرُ الهَوَاجسُ والشَّطحاتُ التصوريَّة مَعَ مَرَائِى الوَاقعِ المَعِيشِ ، وَثَمَّة حُضُورٌ لتجربَةِ الفَقْدِ على نَحْوٍ كثيفٍ ، وَعَلى مِحْورِ الشَّكلِ ثَمَّة حُضُورٌ وَافرٌ لجَمَاليَّاتِ الحِكايَةِ ، وَتركِيْزٌ وَاضِحٌ عَلى كثافَةِ الأدَاءِ الشِّعريِّ ، وَتكثِيف البنَاءِ النَّصيِّ .
ثَمَّة حضُورٌ إنْسَانيٌّ وَافرٌ ، لِذَاتٍ شَاعِرَةٍ وحِيْدَةٍ تَنْثُرُ تَاريخَهَا الشَّخصِيَّ ، وَنبضَاتِهَا ، وَمُشَاهَدَاتِهَا ، وَهَوَاجِسَهَا ، فى أعْطَافِ الخِطَابِ الشِّعريِّ ، مُجَسِّدَةً شَخْصَنَةَ الخِطَابِ الشِّعريِّ وأنْسَنَتَهُ .
وَيتبدَّى الحُضُورُ الإنسَانيُّ ، حتَّى فى تواريْهِ خَلْفَ الأشيَاءِ ، عَبْرَ حُضُورِ حَالاتٍ إنسَانيَّةٍ خَالصَةٍ ، وَثَمَّة حُضُورٌ إنسَانيٌّ ، يتجَاوَزُ ، دَائِمًا ، الغِيَابَ الفيزيقِيَّ :
" يومَ غَادَرَ ظلَّتْ على قُفلِ البَابِ أصَابعُ يديْهِ
على الرَّصِيفِ قَدَمَاهُ
فَوْقَ الإسْفلتِ طَبَقةٌ منْ جِلدِهِ . "
ثَمَّة حُضُورٌ دَائمٌ للرُّوحِيِّ ، وَتركَِيْزٌ عَلى النَّبرَةِ البَاطِنيَّةِ العَمِيقَةِ ، وَثَمَّة ظِلالٌ مِيتافيزيقيَّةٌ تُظلِّلُ المَشْهَدِ فى تَجْربَةِ وَدِيع :
" كَانَ مَيِّتًا لكنَّهُ كَانَ
يُحِسُّ أناملَهُم على جَبْهَتِهِ
أسْبَلوهُ وسطَ الدَّارِ
على فِرَاشٍ استأجرُوهُ وَكانَ
يُحِبُّ أنْ يشترى مِثلَهُ ،
أسْبَلوهُ وَألبسُوهُ ثيابًا
رَأى مِثلَهَا فى وَاجِهَاتِ المَدِينَةِ
وَحِيْنَ حَمَلُوهُ
تَرَكَ وَهُوَ يُغَادِرُ البَيْتَ
شَيئًا غَريبًا على العَتبَةِ
وَكَانُوا كُلَّمَا دَخَلُوا
يَرْتَجِفُونَ وَلا يَعْرِفُونَ السَّبَبَ . "
وَتكشِفُ التَّجربَةُ ، فى مُجْمَلِهَا ، عَنْ كمٍّ بَاهظٍ منْ الوِحْدَةِ وَالغُرْبَةِ وَالفَقْدِ وَالألَمِ الإنسَانيِّ العَمِيْقِ ، وَوَعْيٍ عَمِيْقٍ بالشَّخصِيِّ وَالمَعِيْشِيِّ ، وَتُتِيحُ حَالاتُ العُزْلَةِ قَدْرًا كبيرًا منْ التَّواصُلِ بيْنَ حَالاتِ الرُّوحِ وَالأشيَاءِ المُحِيطَةِ بهَا ، وَدَائمًا ثَمَّة مُخَالَطَةٌ وَتَوَاصُلٌ وَتَوَاشُجٌ وَصَدَاقةٌ بيْنَ الإنسَانِ وَالعَالمِ المُحِيطِ بِهِ ، هَكَذَا يُصَوِّرُ رَحِيلَ الأمِّ :
" وَضَعَتْ آخِرَ نُقْطَةِ مَاءٍ فى دَلْوِهَا عَلى الحَبَقَةِ
وَنَامَتْ قُرْبَها
عَبَرَ القمرُ وَجَاءَتْ الشَّمسُ
وَظَلَّتْ نائِمَةً
الَّذينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ صَوْتَهَا كُلَّ صَبَاحٍ
لفِنْجَانِ قَهْوَةٍ
لمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهَا
نَادَوْهَا منْ سُطَيْحاتِهِمْ ، نَادَوْهَا منْ الحُقولِ
لمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهَا
وَحِينَ جَاءُوا
كَانَتْ نُقطةُ مَاءٍ لا تزالُ
تَرْشَحُ من يدِهَا وَتزْحَفُ
إلى الحَبَقةِ . "
ثَمَّة اتِّصَالٌ رُوحِيٌّ عَميْقٌ بَيْنَ الإنسَانيِّ ، وَمَا يُحِيطُهُ منْ أشيَاءَ ؛ مَنْظُورَة أوْ غيْر مَرْئيَّةٍ :
" نِسْمَتُهُ الأخِيْرَةُ
جَرَتْ وَرَاءَهُ على الدَّرَجِ
وَنَامَتْ مَعَهُ قُرْبَ عُشْبَةٍ
بَيْنَ حَجَريْنِ
وَغَيْمَةٌ عَابرَةٌ
تَرَكَتْ ظِلاً خَفِيفًا
على وَجْهِهِ . "
وَتَتَّخذُ عِلاقةَ الذَّاتِ الإنسَانيَّةِ الشَّاعرَةِ بأشيَائِهَا وَعَنَاصِرِ مَشْهَدِهَا ، مَسَاريْنِ أسَاسِيَّينِ ؛ يُجَسِّدَانِ اسْتِبدَالَ الأشيَاءِ بالبَشَرِ ، ويَعْكِسَانِ حَالةَ الوَحْشَةِ وَطُغْيَانِ العُزْلةِ ، هُمَا :
أنسَنَة الأشيَاءِ :
وَفيْهَا تمتلِكُ الأشيَاءُ حَالاتٍ إنسَانيَّةً عَمِيقَةً ، على الرَّغمِ منْ تَوَارِى الحُضُورٍ الإنسَانيِّ الفيزيقِيِّ ، كَمَا فى قولِهِ :
" ذَاكَ النَّهارُ
تَحْتَ سِنديانَةِ السَّاحَةِ
ظَلَّ فقط مِقْعَدَانِ حَجَريَّانِ فارِغَيْنِ ،
كَانَا صَامِتَيْنِ
يَنْظُرَانِ إلى بَعْضِهِمَا
وَيَدْمَعَانِ . "
تَشَيُّؤ الإنسَانِ :
وَفيْهَا يتحَوَّلُ الإنسَانُ إلى شَيءٍ ، وَيَتَوَارَى حُضُورُهُ ، فى ظِلِّ حُضُورِ الأشيَاءِ :
" الَّذينَ ألِفنَاهُمْ شَجَرًا بَاسِقاً
صَارُوا قشًّا حِيْنَ حَزِنُوا
وَنَزَلَتْ العَصَافيرُ وَرَفَعَتْهُمْ
بمَنَاقيْرِهَا ."
وَأحْيَانًا تتَّخِذُ الذَّاتُ الشَّاعرَةُ مَوقِعَ الرَّصدِ ، فتُتابعُ تَحَوُّلَ الأشيَاءِ وَاتِّصَالَهَا العَمِيقَ بالحُضُورِ الإنسَانيِّ المُجَاورِ لهَا فى المَشْهَدِ المَعِيشِ :
لَمَسَ بَابَ البيْتِ وَخَرَجَ
تَاركًا على القفْلِ بَعْضَ أنفَاسِهِ
رَآهُمَا ينظرَانِ إليْهِ :
القفْلُ الَّذى كَانَ يَحْبِسُ خَلفَهُ عُوَاءَ الليْلِ
وَالبَابُ الَّذى كَانَ الصَّبَاحُ
يَطْلَعُ مِنْ شقوقِهِ ،
رَآهُمَا يتحلَّلانِ وَيَعُودَانِ
يَبَاسًا على الطَّريْقِ وَكتلةً صَدِئَةً
وَرَأى الحِيطَانَ تَرْجعُ إلى الجِبَالِ
أحْجَارًا وَحِيْدةً وَحَزينَةً
وَالمَحْدَلَةَ على السَّطحِ تعودُ
صَخْرَةً فى غَابَةٍ بعيدَةٍ
وَالسَّقفَ الَّذى يَدْمَعُ دَمْعَتيْنِ فى الشِّتَاءِ
يَهْطلُ مِثلَ جُرْفٍ يائسٍ .
لَمَسَ بَابَ البيْتِ وَرَحَلَ
تاركًا زَهْرَةً فى فَتْحَةِ القفْلِ
وَفَوْقَ السَّطحِ غَيْمَةً منْ نَظَرَاتِهِ ."
وَيُوَازى الشَّاعرُ بَيْنَ الحُضُورِ الخَارجِيِّ وَالحُضُورِ الدَّاخليِّ ، مُتنقِّلاُ بَيْنَ التَّبئيْرِ الخَارجِيِّ وَالتَّبئير الدَّاخِلِيِّ ، مُحَطِّمًا شَتَّى المَسَافاتِ بَيْنَ مَا سُمِّيَ ب (الشِّعرِ) وَمَا سُمِّيَ ب (النَّثرِ) ، عَبْرَ شَخْصَنَةِ الخِطَابِ الشِّعريِّ وَسَيْرَنَتِهِ ، على نَحْوٍ رَهِيْفٍ وَكثيفٍ ، كَمَا فى قولِهِ :
" مَاذَا سَأفعَلُ اليَوْمَ ؟ ليْسَ فى نيَّتى فِعْلُ شَيءٍ وَلَسْتُ مُضطرًّا لِفِعْلِ شَيءٍ . يُمكِنُنِى على الأرْجَحِ أنْ أعْقِدَ صَدَاقةً، مِنْ هُنَا مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ ، مَعَ هَؤلاءِ النَّاسِ فى الشَّارعِ . لا يزالُ النَّهَارُ فى أوَّلِهِ وَبِضْعُ دَقائقَ منْ الصَّداقَةِ تكفِى اليَوْمَ . بَعْدَ ذَلكَ يَجبُ أنْ أخْرُجَ إلى الشُّرفةِ وَأسْقِى الزُّهورَ، وَيَجِبُ ، رُبَّمَا ، أنْ أتَمَشَّى قليلاً فى المَدِينَةِ وَأجْلِبَ قنِّينةَ عرقٍ .
النَّافذةُ مُقْفَلَةٌ وَأنَا رَجُلٌ قَصِيرٌ وَرَاءَهَا، طُولُهُ 165 سنتيمترًا وَيَعْقِدُ صَدَاقةً مَعَ شَارعٍ طَويْلٍ . يُمَرِّرُ يَدَهُ بَيْنَ وَقْتٍ وَآخَرَ على شَعْرِهِ ، وَمَا يَسْقُطُ منْهُ يَحْمِلُهُ ببُطءٍ وَيَرْمِيْهِ فى القِمَامَةِ . رَجُلٌ هَادِئٌ، حَتَّى إنَّهُ بَيْنَ غُرْفةِ النَّومِ وَالمَطْبَخِ يَتَوَقَّفُ مِرَارًا لِيسْهُوَ أوْ لِيسْتَريحَ . يلِفُّ سيكارَتَهُ على مَهَلٍ ، يَشِيلُ التَّبغَ الزَّائدَ منْ طَرَفيْهَا ، يَنْظُرُ إلى الوَلاَّعةِ لَحْظَةً ، ثُمَّ يُخْفِضُ رَأسَهُ وَيُشْعِلُهَا . "
إنَّ تَجْربَةَ وَدِيع سَعَادَة الشِّعريَّةِ ، تكشِفُ عنْ حُضُورٍ غَامرٍ للإنسَانيِّ ، وَالرُّوحِيِّ ، وَالشَّخصِيِّ ، وَالمَعِيشِيِّ ، وَتكشِفُ عنْ دِرَاميَّةِ الوجُودِ الإنسَانيِّ ، وَهِيَ فى طَليعَةِ التَّجاربِ الشِّعريَّةِ الَّتى خَلَّصَتْ الشِّعريَّةَ العَربيَّةَ منْ الشَّكلانيَّةِ اللغويَّةِ ، وَكشَفتْ عنْ فَضَاءٍ جَديدٍ ، لِشِعرٍ جديدٍ ، أكثر إنسَانيَّة وَحَمِيمِيَّة .
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
بيت الشعر المغربى يمنح الشاعر الأسبانى غامونيدا "جائزة الأركانة"
الحداثة النقيض وأهم ملامح تجربة (محمود مغربي) الفنيه
البابا شنودة شاعر الاغتراب الوجودى المتعالى على سطوة المادة
كريم عبد السلام:قصيدة النثر تجاوزت الماغوط وأدونيس
ناقد عراقى: غالبية قصائد "سعادة" مكتوبة بالمقلوب
أبلغ عن إشهار غير لائق